الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د  محمد داود يكتب : نحو إدارة مستدامة لموارد المياه في مصر

أستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه ومستشار الموارد المائية – أبوظبي

 

تعد موارد المياه من المقومات الأساسية للتنمية بمختلف مفاهيمها المتداولة في الوقت الحاضر والتي تشمل التنمية الإقتصادية والتنمية الإجتماعية والتنمية البشرية والتنمية البيئية، كما تؤثر التحديات التي تواجه موارد المياه على الأمن القومي والأمن الإجتماعي لاسيما أن العاملين في قطاع الزراعة يمثلون 52% من القوى العاملة في مصر، ويسهمون بنحو 14% فقط من الناتج المحلي الإجمالي والذين يرتبطون بالدرجة الأولى بتوافر مصادر المياه لهذا القطاع الهام.

وتواجه مصادر المياه في مصر العديد من التحديات والتي سوف نتحدث عنها في سلسلة من المقالات خلال الفترة القادمة بهدف تشخيص الداء ووضع أيدينا على أفضل الحلول لهذه التحديات، وتأتي مشكلة الندرة والوفرة في المقام الأول حيث تمتلك مصر نصيباً محدوداً من الموارد المائية المتجددة والتي تتمثل في حصتها من إيراد نهر النيل والتي تقدر بنحو 55,5 مليار متر مكعب غير أن الإحتياجات المائية لمصر تتجاور 75 مليار متر مكعب سنويا.

يتم التغلب على هذه الفجوة بالضخ من الخزانات الجوفية المتجددة وغير المتجددة وإعادة إستخدام وتدوير المياه لأكثر من مرة من خلال إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالج وأحياناً غير المعالج وما يصاحب ذلك من تحدي آخر هو تحدي نوعية المياه وجودتها. ويؤدي تدهور نوعية المياه نتيجة مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية وإلقاء المخلفات في المجاري المائية إلى تناقص كميات المياه العذبة المتاحة، وتدهور الأراضي والإضرار كثيرا بنوعية الإنتاج الزراعي وزيادة الأعباء المالية على الحكومة نتيجة تكاليف إزالة هذه المخلفات وتطهير الترع والقنوات المائية ومعالجة المياه.

ومن ثم يرتبط تحدي ندرة ونوعية الموارد المائية بالقدرة على إدارة وتنظيم هذه الموارد المتاحة واستخدامها بأقصى كفاءة فنية واقتصاديةوتحقيق التنمية المستدامة والشاملة لموارد المياه وتجنب أية أزمات مستقلبية تنجم عن نقص موارد المياه كما وكيفا أو تدهور نوعيتها وتدني جودتها. وتعتمد منظومة الإدارة المستدامة لموارد المياه على ستة دعائم أو ركائز أساسية سوف نتحدث عنها في مقالات قادمة بتفصيل أكثر:

الأولى: تطوير النظام المؤسسي وذلك بهدف إزالة تضارب الإختصصات وتوزيع وتشتت المسؤليات بين أكثر من جهة ووجود جهات محددة المسئولية وقادرة على إتخاذ القرار. ويؤدي الخلل في الهيكل المؤسسي أيضا إلي تشتت البيانات وعدم القدرة على الحصول على بيانات دقيقة وموحدة من الجهات المختلفة يثق بها متخذ القرار ومشروع المليون ونصف فدان خير شاهد على تضارب البيانات وتشتت المسئوليات مما أضر بتنفيذ المشروع.

الثانية: تطوير الأطر القانونية والتشريعية والتي تسمح بالمعاقبة الرادعة للمتعدي على نهر النيل أو المجاري المائية وإصدار تراخيص وتنظيم حفر الآبار الجوفية وتنظيم الإستخدامات للموارد المختلفة وعدم الإستخدام المباشر لمياه الصرف الصحي غير المعالجة في الإنتاج الزراعي والغذائي بما يضر بالصحة العامة والبيئية وكذلك عدم تصريف المخلفات الصناعية أو الصرف الصحي غير المعالج على المجاري المائية.

الثالثة: بناء القدرات المؤسسية وتنمية العنصر البشري القادر على إدارة منظومة المياه في مصر. فبالرغم من إمتلاك مصر لمجموعة من الخبراء والعلماء والكوادر البشرية المتخصصة في كفاة فروع وعلوم المياه بعضهم يسهم بدور بارز في بعض الدول العربية أو الجامعات ومراكز البحوث العالمية أو المؤسسات الدولية ألا أنهم لا يتم الإستفادة منهم بطريقة فعالة تسهم في تطوير منظومة الإدارة المستدامة لموارد المياه. كذلك فإننا نعاني من نقص الخبرات في مجالات محددة مثل التفاوض الدولي ودراسة الأنهار المشتركة وقد بدا ذلك واضحاً في التعامل ملف سد النهضة. وهناك الكثير من المعوقات والتحديات التي تواجه الخبراء والعلماء في المراكز البحثية من نشر بحوثهم أو التوسغ في الدراسات المتخصصة نتيجة نظام بيروقراطي معقد أو نتيجة لنقص التمويل اللازم للبحث العلمي.

الرابعة: إستخدام التكنولوجياالحديثة والذي يمكننا من ترشيد إستخدام الموارد المائية في القطاعات المختلفة وعلى رأسها الزراعة من خلال إستخدام طرق مبتكرة في رفع كفاءة الإنتاج الزراعي وزيادة كفاءة إستخدام المياه مثل إستخدام الزراعة المائية وإنتاج الأعلاف الخضراء بالشعير المستنبت والإنتاج السمكي المكثف وغيرها الكثير. وسوف تسهم عملية إستخدام التكنولوجيا في توفير المساحات المزروعة بالأعلاف الخضراء كالبرسيم وإستغلال هذه المساحات في محاصيل إستراتيجية مما يقلل من إستيراد هذه المحاصيل وتوفير العملة الصعبة. كذلك إستخدام تقنيات حديثة لزيادة موارد المياه المتاحة من خلال استخدام التقنيات الحديثة في التحلية لتقليل استهلاك الطاقة وتقليل التكلفة وخفض الآثار البيئية. كذلك أستخدام طرق مبتكرة في معالجة مياه الصرف الصحي المعالج وإعادة إستخدامها بكفاءة عالية. وسوف تسهم هذه التكنولوجيا في تشجيع استخدام مصادر  المياه غير التقليدية ودعم البحوث لزيادة كفاءة استخدام المياه وإدارة المحاصيل وتطوير أصناف من المحاصيل التي تتحمل الجفاف والملوحة.

الخامسة: التوعية والتعليم لمستخدمي المياه ورفع الوعي بأهمية موارد المياه لأنه لا يمكن تنفيذ أية برامج حكومية دون توعية المستخدمين وتنظيم صفوف المستفيدين ومشاركتهم في إدارة مشاريع الري وإشراك القطاع الخاص وتنمية الموارد البشرية من المزارعين والجهات المستخدمة للموارد المائية أو التي تقدم خدمات الري.

السادسة: وجود سياسة واضحة للتعامل مع الموارد المائية والتنسيق مع القطاعات الأخرى وعلى رأسها الزراعة ووجود سياسة موحدة للمياه والزراعة في مصر لمواجهة التحديات الخاصة بإدارة المياه الشحيحة والتأهب لمواجهة هذه التحديات وتخفيف آثارها ورفع كفاءة استخدام المياه وتعظيم الإنتاج الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الفجوة في ميزان الواردات الغذائية، والنظر في إمكانية استرداد تكاليف خدمات الري كتكاليف التشغيل والصيانة لتحسين المحافظة على المياه. على أن يتم إصدار خطة وإستراتيجية مائية وزراعية محددة المعالم والمبادرات والمشاريع وذات أطر زمنية لتنفيذها وتحديد التمويل اللازم لها ومصادره ومؤشرات الأداء اللازم تحقيقها.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى