الأخبارحوارات و مقالات

د علاء الصادق يكتب: تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية “أمر حتمي” ‏فى مصر وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال “ضرورة قصوي”

 

 

أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربى ،مدير المركزالعربي للمياه

مملكة البحرين، أستاذ ومدير مركز المياه والطاقة والغذاء، مدينة زويل

 

يعتبر الماء من أهم الموارد الطبيعية إذ لا حياة بدونه وهو عنصر أساسي  في عمليات التنمية بمختلف صورها ، وتزداد أهمية الماء في مصر نتيجة للثبات النسبي في مواردها منه وللزيادة المستمرة فى عدد السكان الأمر الذي أدى إلى دخول مصر في مجموعة الدول الفقيرة مائيا والتي ينخفض نصيب الفرد السنوي فيها من المياه عن حد الفقر المائي وهو 1000 متر مكعب .

لتوفير المياه تلبية للإحتياجات المتزايدة منه ، إتجهت كثير من الدول إلى تحلية مياه البحر حتى أصبحت صناعة التحلية من أهم الصناعات حالياً . ويقصد بتحلية المياه تحويلها من مياه مالحة الى مياه خاليه تقريبا من الأملاح صالحة للإستخدام البشرى أوالزراعى أو غيره من الإستخدامات، وتمثل المياه المالحة في البحار والمحيطات حوالي 97% من المياه في العالم أما المياه العذبة متمثلة بالجليد والأنهار والبحيرات والمياه الجوفية وغيرها فتمثل حوالي 3% فقط .

وفق أرقام منظمة الأمم المتحدة عن العجز المائي، فإن مصر تواجه في الوقت الحالي هذه المشكلة بشكل حاد. حيث يُقدر متوسط ‏نصيب الفرد من المياه حاليا 660 مترا مكعبا سنويا. وبحلول عام 2030 سينخفض هذا المتوسط إلى 500 متر مكعب فقط، مما ‏يجعل مصر في مصاف الدول التي تواجه “عجزا مطلقا” في المياه.‏

‏«مصر دخلت مرحلة الفقر المائى». بفرض ثبات حصة مصر من مياه النيل، واستمرار معدلات الزيادة ‏‏السكانية، فإن نصيب الفرد سيتدنى لما هو أقل من حد الندرة المائية المحدد دوليا بقيمة 500 متر مكعب ‏‏سنويا، فنصيب الفرد السنوى من المياه لجميع الاستخدامات فى مصر انخفض من 2800 متر مكعب عام ‏‏‏1959 إلى 660 مترا مكعبا العام الحالى.

وفى ضوء محدودية الموارد المائية فى مصر من الضرورى ‏‏تحلية مياه البحر، والاعتماد على خزانات المناطق الجوفية المالحة فى الصحراء الغربية وشبه جزيرة ‏‏سيناء، لخدمة المشاريع الصناعية والزراعية والتجمعات السكانية.‏

دخلت مصر مرحلة الفقر المائى، ومع ‏التزايد المطرد فى عدد السكان، وثبات موارد مصر التقليدية من مياه الشرب، فمن المتوقع أن يكون هناك ‏نقصا آخر فى نصيب الفرد من المياه، وبالتالى لم يعد هناك مجال غير المضى قدماً وبسرعة شديدة فى ‏مجال تحلية مياه البحر، وأن يكون ذلك خياراً استراتيجياً، وأمناً قومياً فى هذه المرحلة.‏

وحددت وزارة الرى، الرؤية المستقبلية لها فى التعامل مع المياه إلى جزأين هما (تنمية الموارد المائية و‏ترشيد الاستخدام). فبالنسبة لتنمية الموارد المائية فيمكن الاستفادة من الإمكانات المتاحة من ‏المياه الجوفية فى تنفيذ مُقترح التنمية الزراعية لزيادة المساحات المنزرعة بكافة محافظات الجمهورية ‏ومشروع المليون و500 ألف فدان، حيث يمكن تحلية واستخدام المياه الجوفية عالية الملوحة فى الزراعة لسلالات محددة من ‏المحاصيل، واستغلالها فى المزارع السمكية، كما تقرر أن تقوم المحافظات ‏الساحلية بالاعتماد على تحلية مياه البحر والمياه الجوفية شبه المالحة كمصدر لمياه الشرب تفادياً لنقل مياه ‏النيل مسافات طويلة، وأيضاً استغلالاً لهذا المورد غير التقليدى للمياه.‏

فى الواقع، نحن مقبلون على مراحل قد تكون أصعب من الوقت الحالى بسبب تزايد الاحتياجات المائية ‏وثبات مواردنا من المياه، فالاحتياجات المائية لسكان مصر حاليا يصل إلى 110 مليارات ‏متر مكعب، يتم استيراد 30 مليار متر مكعب منها بما يسمى المياه الافتراضية والتى تأتى فى صورة ‏حاصلات زراعية. الموارد المائية 60 مليار متر مكعب، عبارة عن 55.5 مليار متر مكعب حصة مصر ‏المائية من مياه النيل و2.5 مليار متر مكعب مياه جوفية عميقة، و 1.3 حصاد أمطار، و0.7 تحلية مياه ‏البحر، إذاً هناك عجز 20 مليار متر معكب يتم تغطيته من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى ‏بـ 13 مليار متر مكعب و6.5 مليار متر مكعب مياه جوفية فى الوادى والدلتا.

فى الحقيقة، فإن ‏الاحتياجات المائية تتزايد كل عام، لدرجة أنه مطلوب من وزارة الرى 2.5 مليار متر مكعب زيادة فى ‏مياه الشرب حتى 2020. وهنا يجب أن تلعب تحلية المياه دورا أساسيا لأنها جزء من ‏الميزان المائى لمصر للتغلب على العجز فى الموارد المائية.‏

فى حالة تحلية المياه الجوفية، حيث إن نسبة الملوحة فيها أقل، فإن التكلفة ستكون أقل وهناك مناطق ‏واعدة كثيرة توجد فيها هذه النوعية من المياه الجوفية، على طول السواحل الشمالية وفى الصحراء ‏الغربية، ويمكن الاعتماد عليها فى احتياجات الصناعة بعد تحليتها، فى المستقبل وهناك تقنيات لو تم ‏تصينعها فى مصر ستكون التكلفة أقل بخامات محلية، و توجد أبحاث متقدمة فى تصنيع الفلاتر ‏المستخدمة فى التحلية بخامات محلية، وفى هذه الحالة يمكن خفض التكلفة كثيراً.‏

تحلية مياه البحر تعد أحد البدائل الإستراتيجية لمواجهة الندرة المتوقعة فى الإيراد المائى خاصة فى ظل ‏الزيادة السكانية المطردة،  تحلية المياه مورد غير تقليدى وأولوية ملحة تسهم فى دعم آليات الاستخدامات الحالية والمستقبلية، لذلك ‏لابد من تعميق هذه الثقافة لدى المؤسسات والهيئات المعنية بالدولة وتحقيق شراكة فاعلة مع القطاع ‏الخاص وتعظيم فرص ومصادر التمويل وجذب فرص الاستثمار فى هذا القطاع الواعد. الجدير بالذكر أن ‏خطة التنمية العمرانية التى تنفذها الدولة حالياً، تعتمد بشكل كلى على تحلية مياه البحر فى المدن الساحلية ‏الجديدة “العلمين الجديدة، وشرق بورسعيد، والجلالة” والمشاريع القومية مثل مشروع المليون و500 ‏ألف فدان.‏

فى الحقيقة وبعد دراسة فنية متأنية، قررت وزارة الإسكان الإعتماد على تحلية مياه البحر في العاصمة ‏الإدارية الجديدة، فبعد إجراء عدد من الدراسات العلمية، خلصت إلى أن المسافة بين مشروع العاصمة ‏الإدارية ونهر النيل، هي نفس  المسافة بين المشروع والبحر الأحمر، والتي تقدر بنحو 60 كيلو مترا، إذن ‏فتكلفة توصيل المواسير وخطوط المياه متقاربة، لذا فقد تم الاستقرار على تحلية مياه البحر. ‏ولا داعي للقلق من جودة المياه الناتجة عن تحلية مياه البحر، فجودتها ستكون أفضل من المياه العذبة، ‏وحاليا يتم  إنشاء محطة تحلية على خليج السويس بطاقة إنتاجية تقدر بـ500 ألف متر مكعب كمرحلة ‏أولى لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة. ‏

ملوحة مياه البحر الأحمر تتراوح ما بين 40 و45 ألف ملليجرام من الملح فى كل لتر مياه. أما البحر المتوسط فتبلغ نسبة ملوحته 38 ــ40 ألف مللي جرام، ومياه النيل 250 ــ400 ملليجرام ملح، ومنظمة الصحة العالمية حددت ألا يزيد الحد الأقصى لملوحة مياه الشرب على 500 ملليجرام ملح لكل لتر مياه، وألا تزيد أملاح الكلوريدات عن 240 ملليجرام لكل لتر، وملح البورون لا يزيد على 2.4 ملليجرام لكل لتر، وتبلغ نسبة الملوحة الناتجة من محطات التحلية ما بين 350 و420 ملليجرام ملح لكل لتر مياه.

فى حالة المناطق البعيدة عن نهر النيل، لا شىء يمنع تحلية مياه البحر، بل على العكس هى من الضرورات لأن نقل مياه النيل إليها يكاد يكون مستحيلا. لذا فإن تحلية المياه فى مثل هذه المناطق تكون أفضل لأن تكلفة إنشاء الخطوط من النيل أصبحت عالية جدا، بالإضافة إلى أن محطات الرفع التى تقوم بضخ المياه فى الشبكات تتكلف ملايين الجنيهات. ويشير إلى أن تكلفة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ستكون منخفضة عن إنشاء خطوط نقل المياه بنسبة تتراوح ما بين 40 و50%. عامل انخفاض التكلفة يشجع على إنشاء محطات تحلية المياه وتظل تكلفة تحلية المتر المكعب من المياه لا تُقارن بتكلفة تنقية ونقل مياه النيل.

إنتاج أكثر تكلفة أقل

تتكلف تحلية المتر المكعب من مياه البحر ما بين 4 و5 جنيهات، وذلك بحسب السعة الإنتاجية لكل محطة لأنه عندما تزيد إنتاجيتها فإن سعر المتر المكعب يكون أقل فى التكلفة. أما مياه النيل فيصل متوسط تكلفة إنتاج المتر المكعب من مياه الشرب فى القاهرة مثلا إلى 110 قروش.

فمثلا، محطات التحلية المملوكة للقطاع الخاص فى شرم الشيخ تقوم ببيع المياه للقرى السياحية بسعر يتراوح ما بين 8 و14 جنيها للمتر المكعب، حسب بعد المسافة. فى حين أن تكلفة الإنتاج تتراوح ما بين 4 و5 جنيهات. تاريخ إنشاء المحطات الخاصة يرجع إلى 20 سنة تقريبا عندما صدر قرار حكومى بحظر إعطاء التراخيص للقرى السياحية، إلا بوجود محطات تحلية ومحطات معالجة للصرف الصحى، وتم السماح لبعض المستثمرين بإنشاء محطات تحلية ومد شبكات أرضية فى المناطق السياحية بشرم الشيخ وبيع المياه للفنادق والمحال، وكذلك توزيع المياه للمواطنين بواسطة شركة سيناء لمياه الشرب التابعة للشركة القابضة.

تحلية المياه ترتبط أيضا بالكهرباء ومحطات التحلية استهلاكها من الكهرباء عالى، فمحطة المياه التى تنتج 24 ألف متر مكعب يوميا تحتاج إلى محول الكهرباء قوته 6 ميجاوات. وبالتالى أصبح من الضرورى البحث عن مصادر متجددة لتوليد الطاقة مثل الشمس والرياح، ومصادر أخرى للحصول على مياه الشرب بطرق غير تقليدية، فزمن «المياه السهلة» انتهى وموقف مصر المائى صعب. لذا تأتي أهمية هذا المشروع الذى يعمل على تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية بطرق مبتكرة.

مصر سوق واعدة

مصر سوق واعدة لمنتجى ومصنعى محطات تحلية مياه البحر، وذلك لأن الفترة المقبلة ستشهد إنشاء محطات تحلية كثيرة، وذلك عن طريق نظام مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص فى التمويل، حسبما يشير الخبراء. فى الوقت الحالى تصنع مصر حوالى 40% من مكونات محطات التحلية، وفى مقدورها أن تصل بهذه النسبة إلى 80% والذى يعمل عليها المشروع المقترح.

منذ 10 سنوات أجرت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى دراسات على احتياجات المناطق النائية والساحلية من المياه عن طريق تحلية مياه البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وتم وضع المخطط المستهدف للتوسع فى إنشاء محطات التحلية حتى سنة 2037 لإنتاج 1.4 مليون متر مكعب يوميا بتكلفة تصل إلى 10 مليارات جنيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى