الأخبارحوارات و مقالات

د محمد داود يكتب : دور التكنولوجيا في تنمية الموارد المائية والزراعية في مصر

أستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه ومستشار الموارد المائية – أبوظبي

 

في بداية السبعينيات من القرن الماضي برزت لأول مرة على الصعيد العالمي قضية الأمن الغذائيعندما تنبه العالم إلى مخاطر تزايد معدلات الطلب على الغـذاء وزيادة الفجوة بين مـعـدلات إنتاجه والطلب عليه.وهي فجوة تعاني منها في المقام الأول أقطار العالم الناميوفي مقدمتهـا بـطـبـيـعـة الحـال معظمدول الوطن العربي. وفي الدول العربية تزايد الطلب على الغـذاء والمنتجات الـزراعـيـة بـصـورة حـادة فـي الـسـنـوات الأخيرةوكان هذا نتيجة مباشرة وطبيعية لتزايـد كبير في عدد السكان مصحوب بتحسن ملموس في مستويات المعيشته والدخل. ولكن على الجانب الآخـر ظلت الزراعـةمـعـبـرا عـنـهـابمـا تـنـتـجـه مـن غـذاء ومنتجات أخرىعلى حالهاأو في أحسن الظروفتزايد إنتاجهابمعدلات متواضعـةوذلـك لأسـبـاب عديدة منها محدودية الموارد الطبيعية من المياه والأراضي وعدم إستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة ومنها إهتمام بعض الدول العربية بالتنمية الصناعية دول التوسع في التنمية الزراعية وإعتقاد البعض أن الغذاء متوفر ومتـاح في السوق العالمي ولا داعي للتوسع الزراعي. وهكذا نشأت الفجوة بينما نحتاجه وما ننتجه من غذاء ومنتجات زراعية أخرىوهي فجوة تشير كل المعلومات المتوافرةوالإحصائيات المتاحة إلى أنها آخذة في الاتساع ما لم يبذل جـهـد مـكـثـف ومـنـسـق لتداركهاخاصة أن الغذاء لم يعد مجرد سلعـة فـي السوق العالميبل أصبح سلعة استراتيجية لها تأثير كبير على الأمن والإستقرار ويؤثر السعر العالمي للمنتجات الغذائية على الأمن الغذائي للدول ودفع فاتوره باهظةلإستيراد هذه المنتجات قد لا يستطيع إقتصاد كير من الدول العربية تحملها.

في الماضي كانت الزراعة تعتمد على الجهد الإنسانـي بشكل أساسي مع إستخدام أدوات ووسائل بسيطة وقدر متواضع من المعارف وكان مفهوم الزراعة قاصراَ على (فلاحة الأرض) والانطباع الذي تتركه في الذهن هو فلاح وزوج من الثيران ومحراثوثمارها بالكاد تكفي إعالة المزارع وأسرته.  غير أن مفهوم الزراعة أختلف كثيرا في الـربـع الأخير من القرن العشرين فلم تعد مجرد فلاحة أرض بل هي علم متكامل من حيث الإدارة وإستخدام الميكنة الزراعية والتكنولوجيا الحدثة لرفع كفاءة الموارد المائية والأراضي المتاحة وتعظيم الفائدة الإقتصادية منها ناهيك عن التغليف والتعبئة والتسويق وغيرها. وفي الزراعة الحديثة أصبح الإعتماد على التكنولوجيا عـنـصـراً مهما جدابل إنني حينما زرت بعض المزارع الحديثة مؤخرا في هولندا أطلقت عليها تعبير (صناعة الزراعة). لقد كانت متطلبات التنمية الزراعية في الماضي تتمثل في موارد طبيعية وقوى بشرية ورأسمال متواضعأما الآن فـقـد أضـيـف لـهـا عـنـصـر جـديـد وهو التكنولوجيا الحديثة وإستثمارات مالية ضخمة. وبدون إستخدام التكنولوجيا الحديثة تظل التنمية الزراعية متخلفة عاجزة عن أداء الأعباء الملقاه على عاتقهاوتحقيق الدور المنوط بها من توفير الأمن الغاذئيولكن من خلال إستخدامالتكنولـوجـيـا الحـديـثـة نستطيع أن نحقق الكثير. إذن فما هو مفهوم التكنولوجيا الحديثة وما هو دورها في التنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي؟ وهل هي متاحة أم غير متاحة؟ وإذا كانت متاحة فلماذا لم نتوسع في إستخدامها؟

كل هذه وأكثر أسئلة تتبادر إلي الذهن حينما نتحدث عن إستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة. ودعنا نجيب عنها واحدا تلو الآخر. أما مفهمو التكنولوجيا فهو إستخدام المكينة الحديثة وطرق الري الحديثة لترشيد إستهلاك المياه والزراعة المتطورة غزيرة الإنتاج مثل الزراعة المائية (الهيدروبونيك) في إنتاج الخضر والأعلاف وغيرها لتوفير الأراضي لإنتاج محاصيل إستراتيجية أخرى وربط الإنتاج الزراعي بالإنتاج الحيوايى والداجني والتغليف والتعبئة والتسويق لتقليل الهدر ورفع القيمة الإقتصادية للمنتج الزراعي. والحديث في هذا المجال واسع جدا وقد يحتاج منا إلي عدة مقالات في المستقبل لتفصيل بعض هذه التقنيات وتكاليفها والجدوى الإقتصادية من إستخدامها.

وحينما تتحدث مع الخبراء والباحثين في مصر أو بعض الدول العربية فأنك سوف تجدهم على إطلاع كبير بهذه التقنيات وبعضهم قد نشر عنها البحوث والدراسات إذن لما لم يتم التوسع في إستخدامها. وقد وجدت أن هناك أربعة عوامل أساسية حدت كثيراً من عدم التوسع في إستخدام التكنولوجيا الحديثة.

  • العامل الأول هو الثقافة الزراعية وتعود الفلاح المصري على نمط معين من الزراعة والذي ظل يمارسه منذ الآف السنين بل أنه حتى عهد قريب كان الفلاح المصري ما زال يستخدم الساقية لرفع المياه من الترعه والمحراث الذي كان يستخدمه الفراعنة منذ الآف السنين وتطلب الأمر لإستخدام الميكنة الزراعية وقتاً فما بالك بتغيير نظم ومفهوم الزراعة بالكامل.
  • العامل الثاني هو عدم قيام المسئولين في الإرشاد الزراعي ومهندسي الإدارات الزراعة والري في المراكز والجمعيات الزراعية في القرىوالذين يتعاملون مع الفلاح بشكل مباشر بالدور المنوط بهم في توصيل الأفكار الجديدة حول إستخدام طرق زراعية مبتكرة بل إنني أكاد أجزم أنهم هم أنفسهم ربما لم يطلعوا على هذه التكنولوجيا وبالتالي فهم غير قادرين على نقل مثل هذه الأفكار للفلاح أو إقناعه بالجدوى الإقتصادية لها وهم أنفسهم ربما يحتاجون إلي تدريب وتأهيل للتعرف على هذه التقنيات ومن ثم نقلها للفلاح.
  • العامل الثالث هو تفتت الملكية الزراعية بشكل كبير مما يحد من قدرة الفلاح على تطوير زراعته والإستثمار فيها نتيجة محدودية المساحة وعدم الجدوى الفنية والإقتصادية من الإستثمار في مساحات بالغة الصغر. وتفتت الملكية الزراعية موضوع كبير ربما يحتاج أن نفرد له مقال متخصص مستقبلاً حول أسبابه ونتائجة السلبية على تطوير القطاع الزراعي وكيفية التغلب على هذه المشكلة.
  • العامل الرابع هوالعامل الإقتصاي حيث أن الإستثمار في الزراعة الحديثة يتطلب إستثمارات رأسمالية كبيرة في البداية لكنه ذات جدوى إقتصادي كبيرة على المدى الطويل لكن الفلاح المصري بإمكانياته المالية المتواضعة لا يستطيعالمغامرةبهذه الإستثمارات وخصوصاً في ظل غياب القدرة التسويقية على تصريف منتجاته في السوق المحلي أو عدم خبرته بالتصدير للأسواق الخارجية وعدم ضمان العائد. وهنا تأتي دور السياسات الحكومية التي تتبني تشجيع الفلاح على إستخدام تقنيات الزراعة الحديثة ومساعدته في تسويق منتجه والوصول به ربما إلي الأسواق العالمية. وهذه موضوع آخر ربما نفرد له مقال متخصص مستقبلاً.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

تعليق واحد

  1. ألموضوع في غاية الأهمية إلي تكلم عنها الدكتور محمد داود، عن دور تكنولوجيا في تنمية الموارد المائية والزراعية.
    يجب هنا على الحكومات الدول العربية والإسلامية وبالأخص الوطن العربي التركيز على الأمن الغذائي بإستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والثروة السمكية. حيث أن العدد السكان في التزايد والموارد المائية والزراعية في انهدار بسبب تركيز الموارد الزراعية على الدول الأجنبية في استيراد المواد الغذائية وهذا اكبر خطر على دولتنا بأننا نركز فقد على الموارد الخارجية وعدم تطوير وإجراء اي ابحاث العلمية الزراعية في الدول العربية والإسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى