الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د “بيومي عطية” يكتب : “حتي لا ننسي… “آليات التخزين في السد العالي”

 رئيس قطاع التخطيط  ومستشار وزارة الموارد المائية والري الاسبق

            

هذه المقالة موجهه تحديدا اِلى زملائى شباب المهندسين بوزارة الموارد المائية والرى ، اللذين لم تواتيهم فرصة للتعرف (بايجاز) على الطريقة التى تمت بواسطتها تقدير السعة الحية لبحيرة السد العالى وقواعد تشغيله منذ اِنشائه ..علما  بأن هذه القواعد قد تم تطويرهامنذ فترة زمنية قصيرة حيث يتم حاليا استخدام نماذج رياضية متطوره لهذا الغرض ..وسوف نتعرض لذلك فى مقال مقبل بمشيئة الله.

 

فى هذه المقالة أيضا أود أن أشير فى البداية اِلى عالم متميز جدا فى علم الهيدرولوجيا، واِلى جانب تميزه هذا فقد كان “عاشقا للنيل” ، حيث أمضى معظم حياته فى دراسة هيدرولوجيتة ، والظواهر الطبيعية المرتبطة بتصرفاته، واِمكانية التخزين طويل الامد على مجراه.. هذا العالم هو: Harold Edwin Hurst (1880-1979) والمعروف عالميا ب Hurst

صاحب الكتاب الاشهر فى علم الهيدرولوجيا (1951):

“ THE long –Term Storage Capacity of Reservoirs “

وصاحب الفضل الاول فى اِبداع ما يسمى حتى الان Hurst Phenomenon “ والتى

أدهشت العلماء فى أنحاء العالم لعدة سنوات لدرجة صدور الورقة البحثية الا كثر اِنتشارا فى

المجتمع الهيدرولوجى الدولى تحت مسمى :

 “Hurst Phenomenon a puzzle”..من تأليف (Klemes,V.) والذى

اِ شتهر باسلوبه الادبى الشيق فى كتاباته عن أعقد الدراسات العلمية .

واِلى جانب هؤلاء العلماء العظماء الاجانب لابد ان لا ننسى عالمنا المصرى المتميز : المرحوم

الاستاذ الدكتور/عبد العظيم أنيس ، استاذ الاحصاء التطبيقى بكلية العلوم بجامعة عين شمس،

والذى كان علما على المستوى الدولى فى مجال التخزين طويل الامد ، وكان له توأم اِنجليزى ،

واسمه “ E.H.Liod “ وقد اشترك التوأمان فى تفسير ظاهرة Hurst  وقد أصدر كلا

العالمان فى مجال التخزين طويل الامد العديد من الدراسات المتميزة المعروفة عالميا .

وكان من حسن حظى وكرم ربنا على شخصى وأنا أحبو فى بداية دراساتى بكلية الهندسة جامعة

القاهرة لاعداد رسالة الماجيستير فى مجال التخزين الطويل الامد على نهر النيل وتطبيقات ذلك

على خزان السد العالى ..أن ألتقى الدكتور عبد العظيم أنيس ،والذى كان يشغل فى

هذه الآونة رئيسا لقسم بحوث العمليات ،بمعهد التخطيط القومى بالقاهرة والذى كنت ادرس فيه

للحصول على دبلوم الدراسات العليا فى النخطيط القومى ، موفدا من وزارة الموارد المائية والرى

أقول أن من حسن حظى أن وافق الدكتور عبد العظيم أنيس على ان يكون أحد

المشرفين على رسالتى للماجيستير، مع المرحوم الدكتور على بليغ ..أستاذ ورئيس قسم الرى

والهيدروليكا بكلية الهندسة جامعة القاهرة .

وفعلا حصلت على دبلوم الدراسات العليا من معهد التخطيط القومى ..قسم بحوث عمليات يدرجة

اِمتياز..وأيضا  درجة الماجيستير فى الموضوع الذى كنت ولا زلت مبهورا به من هندسة القاهرة.

وهأنذا أكتب لزملائى من شباب المهندسين بوزارتى التى قضيت بها كل حياتى العلمية والمهنية

لعلى أضيف اِلى خبراتهم النامية بعضا من خبراتى المتواضعة عن موضوع التخزين الطويل

الامد (أحيانا نسميه التخزين القرنى ) بخزان السد العالى .

 

أولا : تقدير ألسعة الحية لخزان السد العالى                

كانت الدراسات المتعلقة بتقدير السعة الحية(Live Storage Capacity) للخزانات بأنواعها المختلفة , تعتمد إلى زمن قريب على استخدام السلاسل الزمنية للأرصاد (القياسات) الهيدرولوجية المتاحة (Historic Records) بافتراض أن هذه الأرصاد سوف يتم حدوثها في المستقبل بنفس النظام (الترتيب) الذي حدث في الماضي ولما كان هذا الافتراض غير واقعي من الوجهة العملية ,بالإضافة إلى أن الأرصاد المتاحة غالبا ما تغطي فترات زمنية محدودة تقل كثيرا عن العمر الاقتصادي (المفترض) للخزان , فإن الباحثون في هذا المجال قد لجأوا إلي استخدام النماذج الرياضية الاحتمالية (Stochastic models) في محاولة للتغلب على هذه المشاكل معتمدين في ذلك على التطور المذهل الذي حدث في أساليب استخدام أجهزة الحاسبات الإلكترونية وسعتها الغير محدودة في تخزين المعلومات.

وقد أدى استخدام هذه النماذج إلى ظهور ما أصبح يعرف الآن بالبيانات التركيبية (synthetic data) وتتميز هذه البيانات التركيبية بأنه إلي جانب احتفاظها بالخواص الإحصائية الأساسية للقياسات الفعلية (مثل المتوسط الحسابي, الانحراف المعياري , معاملات الارتباط …. الخ), فإنه يمكن استنباطها على فترات زمنية أطول من الفترات المتاحة للقياسات الفعلية ,وأيضا يمكن عن طريقها الحصول على سلاسل زمنية متعددة تمثل البدائل المختلفة التي يمكن حدوثها في المستقبل.

وعند ظهور نظرية  هيرست(Hurst) للتخزين القرني سنة 1951 أو ما أصبح يعرف بعد ذلك بظاهرة هيرست (Hurst Phenomenon) اتجه الباحثون إلى ضرورة احتفاظ البيانات التركيبية لهذه الظاهرة إلى جانب احتفاظها بالخواص الإحصائية الأساسية ,والحقيقة أن ظاهرة هيرست ليست نظرية رياضية فقط حيث أن أهم خصائصه المميزة تنحصر فى محاولتها لاستخدام المفاهيم الأساسية لعلم الأرصاد والاحتمالات في هذا المجال العلمي الجديد.

ومما لا شك فيه أن عاشق النيل “هيرست” كان على حق في استخدام هذه المفاهيم حيث ثبت بشكل غير قابل للجدل أن الظواهر الهيدرولوجية مثل التصرفات الطبيعية لنهر النيل ، ليست عرضة لتغيرات دورية منتظمة (Cycles) كما كان يظن في الماضي بل على العكس فأنها عرضة لتغيرات عشوائية غير محضة(Stochastic) طبيعتها أكثر تعقيدا مما كان يفترض في حالة منحنى (Gauss) المعتدل المستقل، ذلك بالإضافة إلى ظاهرة التجمع (Persistence) للأرصاد العالية والأرصاد المنخفضة الإيراد ,والتي تختص بها هذه الظواهر الهيدرولوجية ,وهذا ما يذكرنا بما جاء في القرآن الكريم على لسان يوسف عليه السلام بتوالي سبع سنوات وفيرة الإيراد وأخرى شحيحة  الإيراد لنهر النيل.

وعلى الرغم من أهمية ظاهرة “هيرست” ليس فقط في مجال التخزين طويل الأمد ولكن أيضا في التطبيقات العملية للنماذج الاحتمالية إلا إن الطريقة التي اتبعها “هيرست” في معالجته للأرصاد والبيانات التي جمعها لظواهر طبيعية متعددة تشتمل على بعض جوانب الضعف التي قام بعض الباحثين بدراستها وتطويرها وتحليلهاالباحث بعرضها وتحليلها بهدف محاولة الوصول إلى منهج متكامل يمكن استخدامه عند دراسة هذه الظاهرة.

فعلى سبيل المثال فقد قام”بيومى عطية” (1979) بتطبيق منهجا معدلا القيمة المتوسطة لمعامل هرست (Hurst Coefficient) باستخدام بيانات الأرصاد الفعلية لإيراد النهر الطبيعي عند أسوان خلال الفترة الزمنية (1871-1975) وقد وجد أن القيمة المتوسطة للعامل “h” تساوي 863. وهي أعلي من القيمة التي حصل عليها هرست سنة 1951 لهذا العامل وتساوي 719.

وبناء على ما تقدم فقد قدرت السعة الحية لخزان السد العالي والتي تضمن خرجا ثابتا (Draft) يساوي 91 مليار من الأمتار المكعبة, (وهو ما يعادل متوسط إيراد النهر الطبيعي عند أسوان خلال الفترة الزمنية المذكورة) بحوالي 300 مليار من الأمتار المكعبة , كما قدرت السعة الحية للخزان والتي تتضمن خرجا ثابتا يساوي 83.5 مليار من الأمتار المكعبة (وهو ما يمثل السحب الحالي من أيراد النهر الطبيعي عند أسوان ) بحوالي 102 مليار من الأمتار المكعبة, هذه السعة إذا ما أضيفت إليها السعة الميتة للخزان (Dead Storage) والمقدرة بحوالي 30 مليار من الأمتار المكعبة نحصل على السعة المطلوبة لأجراء الموازنات على الخزان في الظروف الراهنة وتساوي في هذه الحالة 132 مليار من الأمتار المكبة وتناظر منسوب 177 أمام الخزان –ولما كانتا السعة الكلية للخزان عند منسوب 183 أمام الخزان تساوي 168.9 مليار من الأمتار المكبة فأنه يمكن استنتاج السعة الاحتياطية المطلوبة لمواجهة الفيضانات الخطرة وتقدر في هذه الحالة بحوالي 36.9 مليار من الأمتار المكعبة .

ومن هنا يمكن القول بأن السعة الحية لخزان السد العالى مرتبطة تماما بالخرج الثابت (Draft) وطول السلسلة الزمنية المستخدمة وأيضا القيمة المتوسطة لمعامل هيرست، وعن طريق حسابنا للسعة الحية يمكننا إستنتاج السعة الإحتياطية المطلوبة لمواجهة الفياضانات الخطرة حيث أن السعة الحية للخزان أصبحت محددة بعد إنشاء الخزان.

 

ثانيا:  قواعد تشغيل السد العالى

يبلغ طول السد العالى 3600 متر وأقصى إرتفاع له 111 متر فوق منسوب قاع النهر. تم إستكمال إنشاء السد العالى فى عام 1968 على مسافة 7 كيلومتر من سد أسوان القديم. وتقدر السعة الكلية لبحيرة الخزان (بحيرة ناصر) خلف السد عند أقصى منسوب يمكن أن يتحمله السد (183 متر فوق مستوى سطح البحر) حوالى 169 مليار متر مكعب والتى تعادل حوالى ضعف الإيراد السنوى لنهر النيل عند أسوان (84 مليار متر مكعب). ويوضح الجدول (1) خصائص مناطق التخزين ببحيرة ناصر ومنسوب المياه المناظر لها.

 

جدول (1) مناطق التخزين للسد العالى

منطقة التخزين من منسوب

(م)

إلى منسوب (م) حجم التخزين

(مليار م3)

حجم التحزين التراكمى (مليار م3)
التخزين الميت القاع 147 31.6 31.6
التخزين الحى 147 175 89.7 121.3
التحكم فى الفيضان 175 178 16.2 137.5
تخزين إضافى 178 183 31.4 168.9

 

تخضع قواعد تشغيل السد العالى وإدارة حصة مصر السنوية من المياه لإتفاقية 1959 مع السودان. ويهدف تشغيل السد العالى وخزان أسوان إلى تنظيم معدل التصرف السنوى لحصة مصر من المياه، مستخدمين سعة الخزان الكبيرة فى التخزين لإيرادات النهر العالية بغرض إستخدامها فى السنوات ذات الإيراد المنخفض. خلال سنوات الإيراد العالى للنهر وعندما يكون من المتوقع (حسب نتائج التنبؤ) أن تتجاوز المناسيب أما الخزان 175 متر فى أول أغسطس (بداية السنة المائية)، فإن ذلك يستوجب إعداد برامج التشغيل التى من شأنها أن تجعل المنسوب لا يتجاوز هذا المنسوب ومن ثم توفير السعة اللازمة لاستقبال الإيراد الجديد للنهر.

 

وبتطبيق هذه القواعد فإنه يمكن الأخذ فى الإعتبار إمكانية زيادة التصرف من السد إذا تعدى منسوب الخزان أمام السد الحد الحرج وهو (178 م) فإن المياه الزائدة سوف تنصرف إلى منخفض توشكى. كما أنه من المحتمل أيضا فى حالة تعاقب سنوات الإيراد القليل للنهر فإن منسوب المياه فى الخزان سوف يستمر فى التناقص إلى الحد الذى يؤثر على حصة كلا من مصر والسودان. ولمثل هذه الحالات فقد تم إنشاء مقياس مائى تنازلى مرن يمكن تطبيقه بين الدولتين ضمن إتفاقية 1959 لضمان الحفاظ على منسوب المياه فى الخزان. ومن الواجب ملاحظة أن توليد الطاقة الكهربائية سوف ينخفض إذا نقص منسوب المياه إلى 160 متر.

 

مما سبق فإن قواعد تشغيل السد العالى يمكن تلخيصها فى الأتى:

  • يجب أن لا يكون منسوب المياه أما الخزان فى أول أغسطس 175 متر وذلك لتوفير السعة اللازمة لإستقبال الفيضان التالى.
  • إطلاق التصرف من السد محدد بالطلب على المياه (بصفة أساسية فى الزراعة) والذى يبلغ مقدار ثابت سنويا وهو 55.5 مليار متر مكعب.
  • منسوب المياه أمام الخزان يجب ألا يتعدى 182 مترا مع إعتبار الحد الأقصى لهذا المنسوب 183 مترا وذلك فى حالة الطوارىء فقط.
  • إذا تعدى منسوب المياه بالخزان أكثر من 178 مترا فإن المياه الزائدة يتم صرفها إلى منخفض توشكى عبر هدار توشكىالحر (فى الوقت الحالى).
  • ينحصر الحد الأقصى الآمن للتصرف الذى يمكن إطلاقه خلف السد العالى ما بين 240 إلى 270 مليون متر مكعب يوميا.
  • فى حالة المنسوب المنخفض للخزان مع توقع أن يكون الإيراد منخفضا، فإن التصرف الذى يتم إطلاقه ينخفض وفقا لنسب محددة من الحصص المائية لكل من مصر والسودان حسب إتفاقية 1959(قد حدث هذا مرة واحدة منذ عام 1968). هذه النسبة تعتمد على حالة التخزين فى أول شهر أغسطس. فإذا إفترضنا أن كمية المياه ببحيرة ناصر (س) فإن النسب المشار إليها (بعد إستبعاد حصة السودان) تكون على النحو التالى:

إذا كان س>60 فإن الحصة الكلية تكون 55.5 مليار متر مكعب.

إذا كان 55.5< س<60 فإن ذلك يؤدى إلى نقص مقداره 5% فى حصة المياه.

إذا كان 50< س<55 فإن ذلك يؤدى إلى نقص قدره 10% فى حصة المياه.

إذا كان س<50 فإن ذلك يؤدى إلى نقص قدره 15% فى حصة المياه.

وقد تم تحديد هذه النسب فى إجتماع اللجنة الفنية المشتركة لمياه النيل عام 1984. وقد عرفت هذه النسب فيما بعد ذلك بالمقياس التنازلى لحصص الإيراد الطبيعى للنهر فى حالات إنخفاض المنسوب خلف خزان السد العالى. ولا يمكن الجزم بأن هذا المقياس قد تم تطبيقه.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى