الأخبارالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

محمد بلال يكتب : “كي لا تقتل الدبه صغارها” .. مكافحة الإرهاب والخريطة الزراعية في سيناء”

مركز بحوث الصحراء

الناظر للخريطة الزراعية في شمال سيناء في الفترة منذ ٢٠١١ حتي الآن يرى أن الجزء الأكبر من المساحات الزراعية يتركز في أربع مناطق رئيسية، نطلق عليها مناطق الخير هي رفح بحوالي ٩٠٩٠ مزرعة بإجمالي مساحات حوالي ٤٠٧٦٠ فداناً و الشيخ زويد بحوالي ٨٦٧٥ مزرعة بمساحة ١٦٢٩١ فداناً وجنوب العريش بما يتجاوز ٥٣٩٨ مزرعة بمساحة حوالي ١٢٨٨٠ فداناً وبعض المناطق الزراعية الجديدة في جنوب بئر العبد بعدد ٥٤٣٧ مزرعة بمساحات تصل إلي ١٦٥٣١ فداناً.

كل تلك المساحات التي تخترق الصحاري والفيافي تجود علي المصريين بأجود أنواع الفاكهة مثل الخوخ والبرتقال المالح واليوسفي الكلمنتين واللوز والبلح والزيتون والمانجو والتفاح والكمثري والجوافة . أيضاً تنتج آلاف الأطنان من الخضروات مثل الطماطم ١١ طن/فدان والكانتالوب ٩.٨ طن/فدان والباذنجان ٦.٦ طن و الخيار ٦.٤طن/فدان والفلفل ٤.٨ طن/فدان والبطاطس ٩.٧طن/فدان والبسلة ٢طن/فدان والبامية ٣.٧ طن/فدان والكوسه ٥.٦ طن/فدان وغيرها من الخضروات ، وأيضاً الزراعات الخاصة بالنباتات الطبيه والعطرية مثل الزعتر والمريمية وكذلك المحاصيل المطرية مثل الشعير  ؛ كل تلك الأنواع.

 تلك المساحات والمتوسطات كانت تنتجها تلك المناطق حسب إحصائيات الزراعة بين أعوام ٢٠١١ و ٢٠١٢ دون أن يكون هناك مصادر دائمه للري من ترع أو قنوات أو إمدادات دورية بالأسمدة والمخصبات الزراعية ، فقط كان هناك المزارع السيناوي الذي كان يعمل وسط كل تلك المخاطر بمنتهي الهمه والنشاط ودون كلل.

حدث ما حدث في أعقاب ثورة ٢٠١١ وبدأت الدولة تنشغل بالقلب عن الأطراف وبدأت الأفكار المتطرفة تنتشر و يغذيها الإهمال والتهميش في مناخ عام مهيأ تماماً لنمو التطرف والإرهاب وبدأت تلك المساحات في مناطق الخير تتقلص إلي بقع صغيرة رخوه ومهدده بالفناء بفعل العمليات العسكرية للقضاء علي الإرهاب .

 “هنا مربط الفرس”؛ حيث بدأت الدولة كذلك في مواجهة تلك الجماعات والتنظيمات التي اتخذت من مناطق الخير في شمال سيناء أوكاراً للشر وبدأت تتحول تلك المناطق لبؤر إرهابية فرضت حتمية المواجهه ، وعندما ننظر إلي أرض الواقع نجد أننا أمام كارثة تتمثل في منهجية تدمير تلك المناطق التي كانت تفوح بالخير والنماء حيث بدأت أحداث الإرهاب في التركيز علي مناطق الخير في شمال سيناء لإجبار الدولة علي التحارب في قلب ساحة التنمية وإجبارها علي تخريب البيت من الداخل وكانت البداية في رفح من إستهداف نقطة كمين الحرية جنوب رفح ثم حادثة رفح الثانية في غرب رفح ثم تفجيرات المخابرات العسكرية في وسط مدينة رفح ثم استهداف معسكر الأمن المركزي شمال رفح ثم استهداف قارب عسكري قبالة شاطئ رفح وبذلك أجبرت الدولة علي الضرب بكل قسوة في تلك المناطق لتجد نفسها في النهاية قد خسرت كل تلك الموارد الزراعية والمساحات الشاسعة من الزراعات ذات الميزة التنافسية والحيوية في رفح .. ويستمر الأعداء في تنفيذ مخططهم لتخريب مناطق الخير في الشيخ زويد عقب التأكد من إيقاع الدولة في فخ المواجهة في رفح الخضراء فيدفع المزارعون الثمن وتتحول رفح للون الأصفر الباهت ؛ حيث بدأت المواجهه في الشيخ زويد في تفجير أتوبيس نقل الجنود غرب الشيخ زويد وعمل كمائن واختطاف ظباط ومواطنين وتصفيتهم واستهداف مستمر لكمائن شرق الشيخ زويد ثم استهداف كمين الضرائب وقسم الشيخ زويد في قلب المدينة ثم استهداف معسكر الساحة بالقذائف شمال المدينة واستهداف الدوريات الأمنية جنوب المدينة ثم كمائن الرفاعي وأحداث يوليو ٢٠١٥ .

وبذلك انتقلت الدولة للمواجهه في مناطق الخير في الشيخ زويد ليتحقق هدف الإرهاب من تخريب وتهجير المزارعين وتبوير الأرض .. ثم تنتقل أرض المعركة بعد إيقاع الدولة في رفح والشيخ زويد وتحقيق الهدف الأصلي إلي جنوب العريش حيث بدأت الأحداث بإستهداف مستمر للدوريات الأمنية علي الطريق الدائري ثم الهجوم علي كمين الصفا ثم كمين المزرعه والمحاجر وبئر لحفن جنوب العريش لتنتقل أرض المواجهة إلي مناطق مزارع وادي العريش والمسمي ومزارع أبوطبل وجنوب حي الزهور مما أدي إلي هجرة جماعية لمزارعي تلك المناطق وتبوير جماعي للأراضي ودمار كبير في البنية الزراعية للمنطقة وما يعتمد عليها من صناعات مثل المعاصر ومصانع المخللات وتسريح كبير للعاملين بها.

اليوم نري الأعداء ينقلون أرض المعركة إلي مناطق جديدة في مؤشر خطير جداً ودليل علي صحة التصور البسيط للهدف الأصلي لجماعات الإرهاب وما يمولهم ويساعدهم ويدفعهم ويستفيد منهم .. تلك المناطق الجديدة هي مناطق شرق وجنوب بئر العبد وهي مناطق بِكر جديدة لم تعهد الزراعة من قبل حيث بدأت المواجهة منذ فترة ليست بطويلة في كمين المراشدة جنوب بئر العبد ثم هجومين متتالين في مناطق الروضة وسبيكة علي الطريق الدولي الساحلي المؤدي لبئر العبد في مؤشر خطير قد يهدد مناطق التوسع الزراعي الجديدة جنوب وغرب مركز بئر العبد.

يجب علي الدولة أن تنتبه لذلك بسرعة كي لا تصبح مثل الدبه التي تقتل أولادها وهي تحميهم ويجب أيضاً أن تصل الأصوات العاقلة من المهتمين بالشأن السيناوي إلي المسئولين ” فلا خاب من استشار” و “أهل سيناء أدري بشعابها” والمثل اليوناني يقول “من يطارد أرنبين في الوقت نفسه لا يمسك أيا منهما” وكل الخوف أن تستفيق الدولة من حرب الإرهاب فتجد نفسها خسرت مناطق الخير ومزارعي الخير في سيناء.

علي الدولة أن تسرع في إعادة النازحين المهجرين إلي مزارعهم وتوفير كل الدعم المطلوب لهم ورعايتهم لأنهم البذرة الحقيقية للتنمية والنواه الحقيقية للرخاء والمستثمر الحاضر الغائب في تلك البقعه المباركة من أرض مصر .. فلا يحرق قلب الإرهاب غير التنمية ولا يقطع كبده إلا التعمير والإعمار ولا يقضى عليه غير العلم والعمل الجاد .. حفظ الله مصر .. وحفظ سيناء .. وحفظ مناطق الخير ومزارعي الخير في سيناء.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى