نشرت صحيفة “المصري اليوم”، حوارا رائعا للزميل محمد عبدالخالق مساهل يكشف حقيقة ما يتم تداوله أعلاميا حول أكثر القضايا جدليا في الاعلام، وهو ما اضفي علي الحوار أهمية كبري لأنه يرسخ لحدود الدولة المصرية التي لا تقبل الشك، ويدافع عنها كل مواطن مصري لديه إنتماء حقيقي نحو تراب هذا الوطن، وتحميه قوات مسلحة يكن لها القاصي والداني التاييد والدعم.. لانه يخلص فكرة حدود الوطن..
وتنشر أجري توداي الحوار نقلا عن المصري اليوم:
أكد الدكتور السيد الحسينى، رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، أن مواجهة الإرهاب فى سيناء تتم من خلال التنمية والتعمير السكانى وتمليك الأرض للسيناوية، قائلا إن «خيالات إسرائيل فى توطين الفلسطينيين فى شمال شرق مصر مجرد فرقعات بلا أساس».
وأضاف «الحسينى»، عضو الجمعية الجغرافية الملكية بلندن، الخبير بهيكلة المدن ورسم الخرائط، أن محور قناة السويس من المشروعات العملاقة الواعدة، وتمر به ثلث التجارة الدولية ومرشح لأن يتفوق على «موانئ دبى» لوجستيا وصناعيا وخدميا.
وأشاد بمشروع «المليون ونصف المليون فدان» واصفا إياه بأنه ضخم ويحقق جذبا للسكان، مستبعدا تحوله إلى «توشكى جديدة»، ودعا إلى ضرورة التنمية أفقيا بعيدا عن التركز فى الدلتا والوادى، مشددا على ضرورة وقف الهجرة الداخلية إلى القاهرة، وأن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يسير فى اتجاه تفريغ القاهرة كخطوة مهمة للخروج من «قبضة المركزية».
وأشار «الحسينى» الذى شارك فى إعداد التخطيط الهيكلى لشبه جزيرة سيناء ومدينة أسوان الجديدة، إلى جانب وضع عدد كبير من الموسوعات العلمية والخرائط والأطالس المصرية، إلى أنه لا مساس بحصة مصر من مياه النيل، فهو نهر دولى يخضع للاتفاقات الدولية التى تنظم العلاقة بين دول المنبع والمصب وأن القاهرة مازال أمامها التفاوض والتحكيم.
ولفت إلى أن الحل يكمن فى ضرورة امتثال إثيوبيا لملء الخزان فى مدة لا تقل عن عشر سنوات بعد أن تمر الحصة المصرية، ولكن الأزمة تكمن فى أنها تريد التخزين فى ثلاث سنوات فقط، وهو ما يضر بنا، وشدد على أن «منطقة حلايب وشلاتين مصرية مائة بالمائة وتخضع للسيادة والاتفاقات الدولية»، وإلى نص الحوار:
■ الجمعية الجغرافية تاريخ موثق بالخرائط والوثائق.. ما حدود الدور الذى تلعبه الجمعية فى المنازعات التى تواجه الدولة؟
– لها دور كبير عبر التاريخ، وعندما أنشئت منذ 141 سنة بمرسوم أصدره الخديو إسماعيل كان أحد أهدافها كشف منابع النيل والدول المجاورة وأهمها حوض النيل ومنابع النيل والدول الأفريقية ونجحت الجمعية فى هدفها، وكان الرحالة يمشون حتى الشلال الأول والثانى إلى أن يصلوا إلى السادس، إذن كان دور الجمعية كبيرا منذ نشأتها وعبر التاريخ، أما حديثا فكان لها دور فى طابا، والدكتور يوسف أبوالحجاج، الأمين العام للجمعية، حمل خريطة طابا وشرح للمحكمة النقاط الأساسية 90 و91 وخط الأساس بواقع الخريطة وكان مدعاة للمحكمة أن تحكم أن طابا مصرية وكان هذا دور الجمعية ونفخر به، وكان لنا رأى فى جزيرتى «تيران وصنافير» فالدولة كلها تقول إنهما سعوديتان، وكل السجلات تقول كذلك، بينما قلنا وكذلك الوثائق ووزارة الخارجية بأنهما سعوديتان، درسنا الخرائط معظمها يؤكد أنها ليست تابعة لمصر، والأطلس الرسمى نفسه موجود ويؤكد ذلك.
■ ما الوثيقة التى لجأتم إليها فى أزمة الجزيرتين؟
– لجأنا لأطلس مصر القومى Atlas of Egypt الذى أصدره الملك فؤاد عام 1925، والذى استغرق ثلاث سنوات، وهو الأطلس الرسمى بعد الحملة الفرنسية، ومنذ ذلك التاريخ لا يوجد لدينا أطالس قومية. المشكلة أن هناك كثيرين يقومون برسم خرائط، البعض ليس لديه خلفية كافية لكن مصلحة المساحة هى الجهة المنوط بها ذلك، مثل المصلحة السودانية والسوفيتية والبريطانية والأمريكية، وهى حكومية، وما يصدر عنها وثيقة رسمية لأنها تمثل الدولة وليس الأمر اجتهادا.
■ على ضوء ذلك تثير السودان إشكالية حلايب وشلاتين وتطالب بهما، فضلا عن وضعهما على الخريطة السودانية ومحاولة الضغط من خلال موقف الخرطوم الداعم لسد النهضة.. ما تعليقك؟
– هذه المسألة محسومة تماما لصالح مصر فمنطقة حلايب وشلاتين مصرية مائة بالمائة، السودان كانت تتبع مصر، عندما حددوا حدود السودان، كان الملك فاروق ملك مصر والسودان، فعينوا بموجب اتفاق عام 1899 الحد السياسى بين مصر والسودان، ومن العوينات عند الحدود الليبية حتى البحر الأحمر شرقا بينما تقع الأراضى السودانية جنوب خط 22 درجة شمالا، وبعد مرور ثلاث سنوات قام وزير الداخلية المصرى بإيعاز من الحكومة الإنجليزية، برسم الحدود الإدارية، وكانت هناك قبائل تتنقل من السودان إلى مصر، وتثير المشاكل، فوزارة الداخلية هى التى ترسم الحدود الإدارية وتحدد القرية والعمدة الذى يرأسها والمركز والناحية والزمام، أما الحدود السياسية فالدولة هى التى تحددها.
فعندما وضع وزير الداخلية خط الحدود الإدارى قال حلايب وشلاتين ومنطقة جبل علبة كلها تتبع السودان لأن القبائل تتنقل إليها، أما منطقة وادى حلفا فلا يوجد أرض زراعية تغذيها إلا فى مصر، فأخذوا الأراضى الزراعية شمال وادى حلفا ووضعوا 14 قرية ضمن السودان، و«حلايب وشلاتين» أو منطقة جبل علبة والمنطقة كلها مساحتها 200 فى 200 كيلومتر وأخذوا الظهير الزراعى التابع لوادى حلفا، وهو إدارى وتظهر فى الخرائط، Administrative boundaries حدود إدارية، بينما الخط 22 هو political boundaries أى حدود سياسية، حدث هذا كله ونحن تحت الاستعمار، وعندما ظهر الاتحاد الأفريقى أكد أهمية احترام جميع الاتفاقات أيام الاحتلال، فلا يجوز للطرف السودانى التذرع بأننا كنا محتلين وأن هذا كان مع الإنجليز، ونقول لهم لا، هذا قرار موجود فى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى، فتاريخيا حلايب وشلاتين تتبع مصر وتمارس السيادة عليها، أما الخرائط التى تدرجها ضمن السودان فهى كلها تنتمى لأطالس إنجليزية، لأنه بعد الاستقلال عام 1956، الإنجليز سيطروا على السودان حتى إن جامعة الخرطوم كانت تابعة لجامعة جورج، كما أنهم كانوا يضعون حلايب وشلاتين فى الأطالس السودانية، ولم نكن نحن نهتم بهذا الأمر وكنا واثقين من أنفسنا، فقد كنا نحتكم للأصول بأنها أرض مصرية مائة بالمائة، أولا للسيادة المصرية عليها، ثانيا هناك اتفاقية دولية عام 1899، كما أن هناك دائرة انتخابية فى هذه المنطقة والخدمات متوفرة لأهل حلايب وشلاتين التى أصبحت جزءًا من البلد، لكن الحكومة السودانية تثير هذه المشكلة من وقت لآخر لأسباب داخلية تخصها.
■ سد النهضة الإثيوبى.. ما تفسيرك لأبعاد تلك الأزمة على ضوء المستجدات الأخيرة خاصة بعد فشل الجلسة الـ17 للمفاوضات؟
– فى تصورى أن مشكلة سد النهضة تتمثل فى ملء الخزان 70 مليار متر مكعب، وهو ما يستغرق وقتا طويلا جدا، فنحن نريد أن يمتلئ السد فى عشر سنوات ولكنهم يريدون ملأه فى ثلاث سنوات فقط، وهذا معناه أن المطر الذى يأتى سيهدر عندهم، ولكن أين حصتنا نحن؟ نحن يأتى لنا 55.5 مليار متر مكعب كل عام والسودان 18 ونصف مليار، وعندما يغلق الخزان أين تذهب المياه، تظل وراء الخزان.
■ هناك مخاوف من وقوع ما يسمى بـ«الجوع المائى» وجفاف ثلث الأراضى الزراعية المصرية جراء توجه إثيوبيا للتخزين بهذه الصورة، فما طبيعة الموقف على الأرض؟
– هذه مسألة حياة أو موت، قولا واحدا، وهم أدركوا أن مصر لا يمكن أن تقبل التفريط فى حقوقها، واستمرار التفاوض بالتأكيد يأتى بالحل، ولكن كان حسنى مبارك الرئيس الأسبق يقول لهم قبل ذلك «قسماً عظماً لو عملتوا أى حاجة هاضربكم بالطيارات»، لكن عندما قامت ثورة 25 يناير، بدأوا فى إبريل يبنوا السد، لأن مصر كانت رخوة، وقت مظاهرات واضطرابات وعدم استقرار، ثم اندلعت ثورة 30 يونيو وبدأت الدولة تستفيق وتفرض شرطتها وجيشها بقوة، وعاد الأمن أما الإرهاب فى سيناء فهذا سيقضى عليه وسوف ينتهى، فمصر أصبحت دولة قوية لها هيبتها فى العالم وتهابها إثيوبيا.
■ دائما ما يشار إلى إسرائيل ومؤخرا قطر حين الحديث عن إذكاء الأزمة وتحريض إثيوبيا للإضرار بمصالح مصر فى هذا الشأن.. ما تعليقك؟
– يوجد فى الجغرافيا ما يسمى الموقع والموضع، موقعنا رائع جدا وهو مطمع للجميع، فمصر مفتاح المنطقة، ولهذا يريدون تهديدها، ويريدون أن تمرض وتموت، فإذا «كحت مصر تصاب الدول العربية بالأنفلونزا»، فهى دولة قائدة فى المنطقة، ولها دور كبير وهو دور غير مرغوب فيه من جانب الدول العظمى، فهناك دول معادية تريد أن تخنق مصر من ناحية الماء، فهذه المنطقة كلها كان يراد لها شىء آخر، وكان هناك مخطط رهيب أنت أفسدته.
■ ما أوراق الضغط التى تساعد مصر فى الوقت الراهن؟
– القرار فى هذه المسألة سيادى، ولكن التفاوض فشل أعتقد أن هناك الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية والتحكيم، فالنيل نهر دولى يخضع لاتفاقية الأنهار الدولية، التى تنص على أن دول المنبع لا يجب أن تفعل شيئا إلا برضا دولة المصب، وهو ما يعنى ضرورة الاتفاق، وهذا النهر ليس ملكا لإثيوبيا، فهو يمر بها وتأخذ حصتها، وتترك الباقى للبلد المجاور لها، ثم يترك الباقى للمصب، فهذا وضع الأنهار الدولية، وإثيوبيا لا تفهم هذا.
■ كما أنها لا تفهم أن السد فى منطقة بركانية غير مستقرة، فماذا لو انفجر هذا السد وتأثير ذلك على مصر؟
– إذا تم ملء السد بعقل وحكمة وعلى فترة طويلة وبالاتفاق مع مصر بحيث لا يؤثر على حصتنا وهو ما يعنى ضرورة السماح بمرور حصتنا أولا ثم تقوم بتخزين الباقى، وهو ما يستغرق سنوات طويلة، لكنهم يريدون التعجيل بثلاث سنوات، وهو لا يجوز، فإذا انفجر السد أو انهار، سوف يغرق كل منطقة الجزيرة فى السودان، وسوف تغرق الخرطوم كلها، ويكون أمامنا 15 يوما نكون قد أخذنا استعدادنا، فإذا جاءت لنا على هذه الصورة، حولناها إلى توشكى وليس هناك أى تأثير على السد العالى لأن عندك مفيض يأخذ 120 مليار متر مكعب، والسد العالى 90 مليونا، يعنى عندك استثمار وتستطيع أن تفتح مفيض توشكى.
■ شاركت فى وضع الهيكل الجغرافى لشبه جزيرة سيناء، فهل ثمة حل جغرافى للأزمة هناك وخاصة الإرهاب؟
– أولا سيناء شأنها كسائر المناطق الحدودية، فيها نوع من الرخاوة إلى حد ما، حدودنا الرسمية المعروفة من رفح إلى طابا وفقا لاتفاقية 1906 وهى التى أخذنا بها طابا، وموجودة فى الأمم المتحدة، أما المنازعات والادعاءات فلا أساس لها من الصحة، عاش جيلى انكسارات 1967 وانتصارات 1973، وظلت سيناء أرض مصر، ولكن نشأت فيها بعض الجماعات والمؤسسات التى تعادى مصر والتى تريد إزعاج الحكومة المصرية وجلبت الإرهابيين وجاء «مرسى» وعفا عن كثيرين منهم والذين تمركزوا فى سيناء، وهى المشكلة الكبرى التى أتى بها حكم جماعة الإخوان لمصر، فقد تركز عدد كبير من الإرهابيين داخل هذه المنطقة، وعندما ذهب وتم عزل «مرسى» حولوها إلى جحيم.
■ ما الحل الجغرافى لمنع تسلل الإرهابيين؟
– تنمية سيناء معطلة. كان هناك مشروع منذ 1985 إلى 2017، ينتهى بتعمير سيناء، كما يجب تمليك الأرض للسيناويين، مثلما أمتلك أنا الأرض هنا فى القاهرة والدلتا، فهذه بلادهم، وهم أدرى بها، فهم مواطنون مصريون ينتمون إلى مصر، ويحبونها حتى النخاع والقبائل مؤمنة ببلدهم حتى النخاع، فتنمية سيناء هى الأساس للقضاء على الإرهاب، بجانب تصفية الجيوب الإرهابية، مثلما أمر الرئيس.
■ ما رأيك فى استحداث محافظة «وسط سيناء» ألا يسهم فى التعمير والصناعة والتنمية؟
– أولًا سيناء غنية بالبترول والمعادن والسياحة فى الجنوب والنشاط الزراعى فى الشمال، شبه الجزيرة غنية بمواردها، وليست فقيرة، كنا فى السابق ندخل سيناء عن طريق الفردان أو القنطرة، وهذا خطأ طبعا تداركناه، الآن أصبح عندك سيناء فى الوادى، ونفق أحمد حمدى، وكوبرى القنطرة، يعنى أصبح هناك وصل بين الوادى والدلتا وبين سيناء، وهذا أمر مهم جدا، فالتواصل ما زال قائما، نحتاج تنمية البلد خاصة أن به موارد كثيرة جدا.
■ معنى هذا أن التنمية والتعمير هما الأصل واستحداث محافظة ثالثة فى شبه الجزيرة غير مطروح بشدة؟
– التقسيم الإدارى ليس مهما جدا، كانت سيناء محافظة واحدة، ثم قسمت إلى محافظتين، وليس هناك مشكلة من استحداث ثالثة، ولكن لن يكون لها تأثير كبير فيما يتعلق بالتنمية، نحتاج إلى تحدى الإرهاب فى سيناء، وينبغى أن نعمر، وننمى سيناء وهى تحتاج إلى إمكانيات هائلة جدا.
■ هل ما زالت سيناء موجودة فى الأطلس القومى الإسرائيلى؟
– لكل بلد فى العالم أطلس قومى، وسيناء كانت موجودة فى الأطلس القومى المسمى بـAtlas of Israel، وكان هذا مؤقتا، أما الآن فسيناء لا خلاف عليها دوليا على الإطلاق.
■ لكن حلمهم العقائدى الذى لا يتنازل عنه المشروع التوسعى الإمبريالى الإسرائيلى هو «من الفرات إلى النيل».
– حدودنا الدولية نهائية ولا جدال عليها، هناك حدود فيها جدال بين دولتين، وحدد عليها صراع مثل كشمير بين الهند والباكستان، حدودنا الشرقية مستقرة من رفح إلى طابا ومعترف بها.
■ ما تفسيرك لتصريحات مسؤولين إسرائيليين بين وقت لآخر بشأن توطين الفلسطينيين فى شماء سيناء وكأنها أرضهم، وهل ثمة رابط بين هذا التوجه والحادث الإرهابى فى منطقة بئر العبد؟
– مصر دفعت مئات الآلاف من أرواح أبنائها، وليس هناك استعداد لمثل هذه الترهات، وهى عبارة عن فرقعة إسرائيلية غير واردة التحقق على الإطلاق، أرض مصر مقدسة، دخلنا فى سيناء، وحاربنا حتى عادت، وليس لأى شخص أن يتنازل عن شبر واحد، حتى فتح وحماس رفضتا ذلك، وإسرائيل تحب الفرقعة وتسبح فى الخيالات.
■ كيف يتسنى تحقيق تنمية الظهير الصحراوى للمحافظات، دون أن يتحول إلى مجرد رقعة إضافية لهذه المحافظة أو تلك؟
– مشكلتنا فى توزيع السكان، نحن مكدسون فى الدلتا والوادى، يجب أن ننتشر فى الوادى الجديد فى الصحراء فى كل مكان، المشكلة السكانية لها ثلاثة جوانب، فنحن ننمو بسرعة، وخصائصنا السكانية قليلة، ونصف الناس «عطلانة وبطلانة وعيانة» الفرد المصرى ليس كالفرد اليابانى، نصف المجتمع أمى، والمستوى الصحى والتعليمى والاجتماعى كل هذا يصب فى أننا متخلفون، وهذا عنصر ضعف، ثالثا نحتاج إلى إعادة توزيع السكان أفقيا فى ربوع مصر كلها.
■ إذن آن الأوان لوقف الهجرة الداخلية إلى القاهرة.
– هذا ما يجب أن يحدث، وما يحدث الآن هو تفريغ للقاهرة، مثل العاصمة الإدارية، والمدن الجديدة، ولكن ثقافتنا كمجتمع مصرى ترتبط بالمركزية، تم القضاء على الديكتاتورية، ويوجد ديمقراطية، لكن البيروقراطية مازالت موجودة موروثة، منذ زمن والدولة توجهها أنها تخرج خارج الدلتا، والعاصمة الإدارية جزء من هذا التوجه.
■ هل تم الأخذ برأيكم فى المدن الجديدة والعاصمة الإدارية؟
– نعم، يأخذون برأينا وشاركت من بين أشياء كثيرة فى مشروع أسوان الجديدة، وهناك دراسات موجودة، لكن للأسف الشديد نضع خططا جميلة جدا ولا تطبق فى الواقع، فمثلا العاشر من رمضان مدينة جميلة جدا، لكن من يغدو، ويروح منها وإليها أكثر من المقيم فيها، فالهدف أن تسكنها، وليس أن تكون قابعا فى القاهرة.
■ الدكتور جمال حمدان حذر من إشكالية المدن الجديدة وقال إنها تحولت إلى «مهاجع» للنوم فقط، كيف ترى الصورة الآن؟
– فعلا هذا ما يحدث بالضبط، ففى منطقة أكتوبر عدد المقيمين أقل من المتنقلين منها وإليها، فما زالت ثقافة الالتصاق بالدلتا والوادى قائمة، فليس لدينا روح المغامرة بالعيش فى منطقة جديدة، فلابد أن ينطلق شبابنا وهو ما بدأت تنفذه الدولة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان، منطقة القطامية، مشروع التفريعة، كلها تحول الصحراء إلى تنمية.
■ هناك مخاوف من تحول مشروع المليون ونصف المليون فدان إلى توشكى جديدة، ما قولك؟
■ الجمعية الجغرافية تاريخ موثق بالخرائط والوثائق.. ما حدود الدور الذى تلعبه الجمعية فى المنازعات التى تواجه الدولة؟
– لها دور كبير عبر التاريخ، وعندما أنشئت منذ 141 سنة بمرسوم أصدره الخديو إسماعيل كان أحد أهدافها كشف منابع النيل والدول المجاورة وأهمها حوض النيل ومنابع النيل والدول الأفريقية ونجحت الجمعية فى هدفها، وكان الرحالة يمشون حتى الشلال الأول والثانى إلى أن يصلوا إلى السادس، إذن كان دور الجمعية كبيرا منذ نشأتها وعبر التاريخ، أما حديثا فكان لها دور فى طابا، والدكتور يوسف أبوالحجاج، الأمين العام للجمعية، حمل خريطة طابا وشرح للمحكمة النقاط الأساسية 90 و91 وخط الأساس بواقع الخريطة وكان مدعاة للمحكمة أن تحكم أن طابا مصرية وكان هذا دور الجمعية ونفخر به، وكان لنا رأى فى جزيرتى «تيران وصنافير» فالدولة كلها تقول إنهما سعوديتان، وكل السجلات تقول كذلك، بينما قلنا وكذلك الوثائق ووزارة الخارجية بأنهما سعوديتان، درسنا الخرائط معظمها يؤكد أنها ليست تابعة لمصر، والأطلس الرسمى نفسه موجود ويؤكد ذلك.
■ ما الوثيقة التى لجأتم إليها فى أزمة الجزيرتين؟
– لجأنا لأطلس مصر القومى Atlas of Egypt الذى أصدره الملك فؤاد عام 1925، والذى استغرق ثلاث سنوات، وهو الأطلس الرسمى بعد الحملة الفرنسية، ومنذ ذلك التاريخ لا يوجد لدينا أطالس قومية. المشكلة أن هناك كثيرين يقومون برسم خرائط، البعض ليس لديه خلفية كافية لكن مصلحة المساحة هى الجهة المنوط بها ذلك، مثل المصلحة السودانية والسوفيتية والبريطانية والأمريكية، وهى حكومية، وما يصدر عنها وثيقة رسمية لأنها تمثل الدولة وليس الأمر اجتهادا.
■ على ضوء ذلك تثير السودان إشكالية حلايب وشلاتين وتطالب بهما، فضلا عن وضعهما على الخريطة السودانية ومحاولة الضغط من خلال موقف الخرطوم الداعم لسد النهضة.. ما تعليقك؟
– هذه المسألة محسومة تماما لصالح مصر فمنطقة حلايب وشلاتين مصرية مائة بالمائة، السودان كانت تتبع مصر، عندما حددوا حدود السودان، كان الملك فاروق ملك مصر والسودان، فعينوا بموجب اتفاق عام 1899 الحد السياسى بين مصر والسودان، ومن العوينات عند الحدود الليبية حتى البحر الأحمر شرقا بينما تقع الأراضى السودانية جنوب خط 22 درجة شمالا، وبعد مرور ثلاث سنوات قام وزير الداخلية المصرى بإيعاز من الحكومة الإنجليزية، برسم الحدود الإدارية، وكانت هناك قبائل تتنقل من السودان إلى مصر، وتثير المشاكل، فوزارة الداخلية هى التى ترسم الحدود الإدارية وتحدد القرية والعمدة الذى يرأسها والمركز والناحية والزمام، أما الحدود السياسية فالدولة هى التى تحددها.
فعندما وضع وزير الداخلية خط الحدود الإدارى قال حلايب وشلاتين ومنطقة جبل علبة كلها تتبع السودان لأن القبائل تتنقل إليها، أما منطقة وادى حلفا فلا يوجد أرض زراعية تغذيها إلا فى مصر، فأخذوا الأراضى الزراعية شمال وادى حلفا ووضعوا 14 قرية ضمن السودان، و«حلايب وشلاتين» أو منطقة جبل علبة والمنطقة كلها مساحتها 200 فى 200 كيلومتر وأخذوا الظهير الزراعى التابع لوادى حلفا، وهو إدارى وتظهر فى الخرائط، Administrative boundaries حدود إدارية، بينما الخط 22 هو political boundaries أى حدود سياسية، حدث هذا كله ونحن تحت الاستعمار، وعندما ظهر الاتحاد الأفريقى أكد أهمية احترام جميع الاتفاقات أيام الاحتلال، فلا يجوز للطرف السودانى التذرع بأننا كنا محتلين وأن هذا كان مع الإنجليز، ونقول لهم لا، هذا قرار موجود فى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى، فتاريخيا حلايب وشلاتين تتبع مصر وتمارس السيادة عليها، أما الخرائط التى تدرجها ضمن السودان فهى كلها تنتمى لأطالس إنجليزية، لأنه بعد الاستقلال عام 1956، الإنجليز سيطروا على السودان حتى إن جامعة الخرطوم كانت تابعة لجامعة جورج، كما أنهم كانوا يضعون حلايب وشلاتين فى الأطالس السودانية، ولم نكن نحن نهتم بهذا الأمر وكنا واثقين من أنفسنا، فقد كنا نحتكم للأصول بأنها أرض مصرية مائة بالمائة، أولا للسيادة المصرية عليها، ثانيا هناك اتفاقية دولية عام 1899، كما أن هناك دائرة انتخابية فى هذه المنطقة والخدمات متوفرة لأهل حلايب وشلاتين التى أصبحت جزءًا من البلد، لكن الحكومة السودانية تثير هذه المشكلة من وقت لآخر لأسباب داخلية تخصها.
■ سد النهضة الإثيوبى.. ما تفسيرك لأبعاد تلك الأزمة على ضوء المستجدات الأخيرة خاصة بعد فشل الجلسة الـ17 للمفاوضات؟
– فى تصورى أن مشكلة سد النهضة تتمثل فى ملء الخزان 70 مليار متر مكعب، وهو ما يستغرق وقتا طويلا جدا، فنحن نريد أن يمتلئ السد فى عشر سنوات ولكنهم يريدون ملأه فى ثلاث سنوات فقط، وهذا معناه أن المطر الذى يأتى سيهدر عندهم، ولكن أين حصتنا نحن؟ نحن يأتى لنا 55.5 مليار متر مكعب كل عام والسودان 18 ونصف مليار، وعندما يغلق الخزان أين تذهب المياه، تظل وراء الخزان.
■ هناك مخاوف من وقوع ما يسمى بـ«الجوع المائى» وجفاف ثلث الأراضى الزراعية المصرية جراء توجه إثيوبيا للتخزين بهذه الصورة، فما طبيعة الموقف على الأرض؟
– هذه مسألة حياة أو موت، قولا واحدا، وهم أدركوا أن مصر لا يمكن أن تقبل التفريط فى حقوقها، واستمرار التفاوض بالتأكيد يأتى بالحل، ولكن كان حسنى مبارك الرئيس الأسبق يقول لهم قبل ذلك «قسماً عظماً لو عملتوا أى حاجة هاضربكم بالطيارات»، لكن عندما قامت ثورة 25 يناير، بدأوا فى إبريل يبنوا السد، لأن مصر كانت رخوة، وقت مظاهرات واضطرابات وعدم استقرار، ثم اندلعت ثورة 30 يونيو وبدأت الدولة تستفيق وتفرض شرطتها وجيشها بقوة، وعاد الأمن أما الإرهاب فى سيناء فهذا سيقضى عليه وسوف ينتهى، فمصر أصبحت دولة قوية لها هيبتها فى العالم وتهابها إثيوبيا.
■ دائما ما يشار إلى إسرائيل ومؤخرا قطر حين الحديث عن إذكاء الأزمة وتحريض إثيوبيا للإضرار بمصالح مصر فى هذا الشأن.. ما تعليقك؟
– يوجد فى الجغرافيا ما يسمى الموقع والموضع، موقعنا رائع جدا وهو مطمع للجميع، فمصر مفتاح المنطقة، ولهذا يريدون تهديدها، ويريدون أن تمرض وتموت، فإذا «كحت مصر تصاب الدول العربية بالأنفلونزا»، فهى دولة قائدة فى المنطقة، ولها دور كبير وهو دور غير مرغوب فيه من جانب الدول العظمى، فهناك دول معادية تريد أن تخنق مصر من ناحية الماء، فهذه المنطقة كلها كان يراد لها شىء آخر، وكان هناك مخطط رهيب أنت أفسدته.
■ ما أوراق الضغط التى تساعد مصر فى الوقت الراهن؟
– القرار فى هذه المسألة سيادى، ولكن التفاوض فشل أعتقد أن هناك الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية والتحكيم، فالنيل نهر دولى يخضع لاتفاقية الأنهار الدولية، التى تنص على أن دول المنبع لا يجب أن تفعل شيئا إلا برضا دولة المصب، وهو ما يعنى ضرورة الاتفاق، وهذا النهر ليس ملكا لإثيوبيا، فهو يمر بها وتأخذ حصتها، وتترك الباقى للبلد المجاور لها، ثم يترك الباقى للمصب، فهذا وضع الأنهار الدولية، وإثيوبيا لا تفهم هذا.
■ كما أنها لا تفهم أن السد فى منطقة بركانية غير مستقرة، فماذا لو انفجر هذا السد وتأثير ذلك على مصر؟
– إذا تم ملء السد بعقل وحكمة وعلى فترة طويلة وبالاتفاق مع مصر بحيث لا يؤثر على حصتنا وهو ما يعنى ضرورة السماح بمرور حصتنا أولا ثم تقوم بتخزين الباقى، وهو ما يستغرق سنوات طويلة، لكنهم يريدون التعجيل بثلاث سنوات، وهو لا يجوز، فإذا انفجر السد أو انهار، سوف يغرق كل منطقة الجزيرة فى السودان، وسوف تغرق الخرطوم كلها، ويكون أمامنا 15 يوما نكون قد أخذنا استعدادنا، فإذا جاءت لنا على هذه الصورة، حولناها إلى توشكى وليس هناك أى تأثير على السد العالى لأن عندك مفيض يأخذ 120 مليار متر مكعب، والسد العالى 90 مليونا، يعنى عندك استثمار وتستطيع أن تفتح مفيض توشكى.
■ شاركت فى وضع الهيكل الجغرافى لشبه جزيرة سيناء، فهل ثمة حل جغرافى للأزمة هناك وخاصة الإرهاب؟
– أولا سيناء شأنها كسائر المناطق الحدودية، فيها نوع من الرخاوة إلى حد ما، حدودنا الرسمية المعروفة من رفح إلى طابا وفقا لاتفاقية 1906 وهى التى أخذنا بها طابا، وموجودة فى الأمم المتحدة، أما المنازعات والادعاءات فلا أساس لها من الصحة، عاش جيلى انكسارات 1967 وانتصارات 1973، وظلت سيناء أرض مصر، ولكن نشأت فيها بعض الجماعات والمؤسسات التى تعادى مصر والتى تريد إزعاج الحكومة المصرية وجلبت الإرهابيين وجاء «مرسى» وعفا عن كثيرين منهم والذين تمركزوا فى سيناء، وهى المشكلة الكبرى التى أتى بها حكم جماعة الإخوان لمصر، فقد تركز عدد كبير من الإرهابيين داخل هذه المنطقة، وعندما ذهب وتم عزل «مرسى» حولوها إلى جحيم.
■ ما الحل الجغرافى لمنع تسلل الإرهابيين؟
– تنمية سيناء معطلة. كان هناك مشروع منذ 1985 إلى 2017، ينتهى بتعمير سيناء، كما يجب تمليك الأرض للسيناويين، مثلما أمتلك أنا الأرض هنا فى القاهرة والدلتا، فهذه بلادهم، وهم أدرى بها، فهم مواطنون مصريون ينتمون إلى مصر، ويحبونها حتى النخاع والقبائل مؤمنة ببلدهم حتى النخاع، فتنمية سيناء هى الأساس للقضاء على الإرهاب، بجانب تصفية الجيوب الإرهابية، مثلما أمر الرئيس.
■ ما رأيك فى استحداث محافظة «وسط سيناء» ألا يسهم فى التعمير والصناعة والتنمية؟
– أولا توشكى لم يتم التخطيط لها جيدا للأسف الشديد، وظل متعثرا فترة طويلة، أما المشروع الجديد، فيختلف لأنك عملت له قاعدة وهى موجودة وجاهزة، فالأرض الزراعية شىء مختلف، وهو ما يجذب الناس، أما توشكى، فيقول لك اذهب أنت وازرع الأرض، فهناك فرق كبير، المساحة المزروعة فى توشكى ليست كبيرة جدا، أما هذا المشروع فهو ضخم وخطوة سليمة من حيث الموقع، مناطق زراعية وبها موارد مائية وإنتاج، وتعمل على توجهنا نحو الصحراء خارج الدلتا.
■ ما الإشكالية التى تواجه مشروع محور قناة السويس فى الوقت الراهن، وكيف نتغلب عليها؟
– المشكلة أنك كيف تدير، وتستثمر، انظر إلى سنغافورة مساحتها صغيرة جدا، ورغم ذلك حققت إنجازا هائلا، ولكن نحن لدينا ممر مائى ضخم يمر عليه ثلث التجارة الدولية، لماذا لا نستثمر هذا، وألا يظل مجرد معبر، وذلك من خلال الصناعات اللوجستية وبناء السفن والملاحة والفندقة، فهذا المحور عالمى، لو تم تنفيذه كما هو مخطط له سوف يشكل نقلة نوعية وخطيرة لمصر، فالمشكلة أنك حتى تصدر المواد الخام، لماذا لا تصنعها عندك، ثم تبيعها بعشرة أمثالها.
■ هل يضاهى مستوى موانئ دبى فيما يتعلق بهذه الخدمات؟
– هو مرشح لأن يكون أفضل من دبى، لأنك تختلف الكل يمر عليك وهذه ميزة كبيرة، موانئ دبى ضخمة جدا وبها استغلال جيد للموارد، رغم أنها فى خليج مغلق يطل على إيران والعراق والكويت والإمارات، لكن أنت عندك ممر يطل على البحر المتوسط وكل دول آسيا تمر من هنا والناس تأتى إليك من كل مكان ويذهب من عندك إلى أى مكان، أما من يذهب إلى موانئ دبى، فهو يذهب لها فقط، إمكانيات التنمية فى محور قناة السويس عالية جدا، كما أن توجه القيادة السياسية فيه رائع بالطبع.