الأخبارحوارات و مقالات

د خالد وصيف يكتب: غلطة يوسف والى

 

خبير موارد مائية

سيذكرنى قومى اذا الخيل اقبلت..وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر

هل جاء فى خاطر عنترة ابن شداد ان بيت الشعر الذى انشده منذ اكثر من الف واربعمائة عام ينطبق بشكل كامل على الدكتور يوسف والى، الرجل الذى تحول الى لوحة تصويب تقذف السهام نحوها لسنوات، وحين اختفى افتقده الفلاح وافتقدته الزراعة المصرية

ذكرياتى الشخصية بالدكتور يوسف والى لاتتعدى واقعة صغيرة فى بلدتى ابو الشقوق بمحافظة الشرقية. كان يوم جمعة فى  شهر يوليو فى اواخر الثمانينيات من القرن الماضى، فى ساعة مبكرة توقفت سيارة سوداء امام قطعة ارض خاصة باسرتى على الطريق الاسفلتى ما بين المنصورة والزقازيق، نزل من السيارة رجل ممتلئ قصير القامة يرتدى تيى شيرت مخطط ابيض فى اسود واخذ يتابع الفلاحين وهم ينظفون اوراق القطن من اليرقات، تبادل الحوار معهم وسألهم عن احوالهم، ثم سأل عمن هو موجود من الجمعية الزراعية فى الحقل، كان هناك اثنين من المشرفين الزراعيين اللذين اقبلا من بعيد على الرجل، انتحى بهم جانبا ثم اعطى كل واحد خمسين جنيها مكافأة على عمله واجتهاده. تكررت زياراته للمدينة، مرة لافتتاح محطة الميكنة الزراعية ومرة لحضور مؤتمرات انتخابية لكن زيارته الاولى التى نزل بنفسه للحقل وتابع المحصول وبدون ترتيب او حراسة كانت الاكثر وقعا وتأثيرا فى نفسى نحوه

 

انتقد كثيرون بقاء الرجل ل22 عاما متتالية وزيرا للزراعة واستصلاح الزراعى والثروة السمكية، قابضا بيد على السلطة السياسية ممثلة فى امانة الحزب الوطنى، واليد الاخرى على الزراعة المصرية بفلاحيها الذين يقترب عددهم من ستة ملايين فلاح وارضها التى تبلغ ثمانية مليون فدان. فماذا يقولون الان وقد ترك موقعه منذ عام 2005، وتوالى على الوزارة حتى الان 13 وزيرا للزراعة بمتوسط عام واحد لكل وزير. هل تطور الانتاج الزراعى؟ هل زادت الصادرات الزراعية للخارج؟ والاهم من كل ذلك هل تحسن حال الفلاح المصرى؟

يوسف والى عالم كبير نجح فى تحقيق طفرة فى الانتاج الزراعى، وقف دائما بجوار الفلاح المصرى الذى شهد ازهى عصوره فى عهده. وكان يمتلك رؤية مستقبلية نادرة، ولو لو لم يكن فى سجل والى سوى نجاحه فى تحرير العلاقة الايجارية للارض الزراعية لكفاه. فقد ادى هذا التحرير الى تشجيع الفلاحين على الزراعة وزيادة الانتاج بعد ان ظلت الارض حبيسة لسنوات طويلة فى اطارعلاقة تعاقد قديمة اضرت بالمالك والمستأجر معا. ومع تحرير التعاقد جاء تحرير التركيب المحصولى ليمنح الفلاح مزيدا من الحركة والمرونة للاستفادة من ارضه. كل الخطوات الجريئة التى اتخذها والى فى قطاع الزراعة احجمت باقى قطاعات الدولة عن اتخاذها فى حينها مثل الطاقة بانواعها (كهربائية واحفورية) والمياه، ولو بدأت تلك القطاعات خطة التحرير مبكرا لخف لحد كبير قدر المعاناة التى يعانيها المصريون الان من برنامج التحرير الاقتصادى

 

يمكنك ان تجد الف سبب لانتقاد الرجل، فهو لم يكن نبى الله يوسف كما اشاع المتزلفون ومنافقوا كل العصور ولم يكن يهوديا خائنا كما ادعى الجهلة والغوغاء، يوسف والى نموذج للنخبة المصرية التى تلقت تعليما متميزا بحكم انتمائه للطبقة الغنية من الريف المصرى واكتسب خبرات واسعة من عمله التطبيقى. حاول واجتهد،اخطأ وأصاب، قل عنه ما شئت من اتهامات لكن ليس من بينها التهمة الظالمة الخاصة بالمبيدات المسطرنة (تعبير ليس له اى اصل علمى) او التهمة العشوائية بالتعاون مع اسرائيل او التهمة المغرضة بالتربح المالى من وظيفته، لكنه سدد ضريبة العمل العام فى مصر كاملة، ودفع ثمن الجمع بين العمل التنفيذى والسياسى خالصا. غلطة يوسف والى انه لم يقرأ تاريخ السياسة فى بلدنا جيدا. هى تستنزف كل من يقترب منها قبل ان تجهز عليه باحراقه كاملا لو اصر على البقاء والاستمرار، وهذا ما دفع شخصا مستنيرا ظهر فى نهاية القرن التاسع عشر مثل الامام محمد عبده لان يلعنها ويلعن كل المشتقات التى اتت منها: ساس ويسوس ومسوس. ويكرس جهده لتطوير الخطاب الدينى بعد ان يأس من تطوير الخطاب السياسى

يوسف والى هو نبى الزراعة الذى رماه بعض الغوغاء بالحجارة مثلما فعل اهل اورشليم مع انبيائهم، ليته اكتفى بموقعه كوزير للزراعة وكرس جهده لاستكمال تطوير المنتجات الزراعية والمحاصيل النقدية ذات العائد والهندسة الوراثية. لكان افضل له ولنا ولمصر كلها.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى