الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د. أسامة سلام يكتب: إنعاش التعليم الزراعي ضرورة للأمن المائي والغذائي المصري

خبير موارد المياه بهيئة البيئة أبو ظبي وأستاذ م بالمركز القومي لبحوث المياه بمصر

 

 

عزيزي القارئ الكريم دعنا نبدأ مقالنا هذا بسؤال أراه مهما جدا كي يكون حافزا لكي تستكمل معنا قراءة باقي المقال والسؤال هو: ما الذي يمكن أن تتخيله عزيزي القارئ الكريم عن وضع التعليم الزراعي في بلد زراعي تستهلك أكثر من 80% من مواردها المائية في الزراعة وتستورد أكثر من نصف ما تأكله؟

وللإجابة على هذا السؤال: لنا أن نعرف أن التحدي الرئيسي الذي يواجه أي مُجتمع وتَستلزم تَدبير المياه هو الزيادة السُكّانية وما يصاحبها من نمو في مُختلف الأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية لتلبية المتطلبات المَعِيشية ومُتطلبات الأمن الغذائي. والأمن المائي كمفهوم مُطلق هو الكفاية والضمان عَبر الزمان والمكان، أي أنّه يَعني تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كماً ونوعاً مع ضمان استمرار هذه الكفاية دُون تأثير من خلال حماية وحُسن استخدام المتاح من موارد المياه، علاوة على تنمية موارد المياه الحالية، ثم يأتي بعد ذلك البحث عن موارد جديدة سَواء كانت تقليدية أو غير تقليدية. أما الأمن الغذائي هو أن يَنال المرء قوتا مغذيا يكفيه. وهو حقٌّ نصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة. وندرة المياه أيّاً كانت أبعادها أو حدودها أو أصولها فهي تجعل المجتمعات والدول تشعر بأنها غير آمنه وغير محصّنة وبالتالي تسعى للبحث عن أمنها المائي، لضمان أمنها الغذائي المعتمد دائما على الزراعة. والقطاع الزراعي هو المستخدم الأكبر للمياه في مصر حيث يستهلك ما يقارب 60 مليار متر مكعب سنويا وبنظرة على المستخدم النهائي لهذه الكمية التي تزيد عن حصة مصر من نهر النيل نجد أنه الفلاح والذي لا يتسع المجال في هذه المقالة للحديث عنه.

ولنا أن نعرف أيضا أنه طالما كانت الزراعة حَرفة يتوارثها الفلاح المصري فإنه كان مبدعا مكتفيا ذاتيا من الغذاء واستمر حاله هكذا آلاف السنين حتى أصبحت الزراعة علما  ينشد زيادة الإنتاجية وترشيد استهلاك المياه نظرا للزيادة الكبيرة في أعداد السكان لذا ومنذ ما يزيد عن مائتين عام أدرك محمد علي حاكم مصر وباني نهضتها الحديثة أن الزراعة هي قاطرة تنمية الدولة وضامنه أمنها الغذائي فشق الترع والقنوات وشيد القناطر  واستصلح الأراضي وأدرك أيضا أنه لابد من تطوير التعليم الزراعي  فأنشأ أول مدرسة زراعية باسم “القلعة” عام 1829، وبعدها مدرسة “نبروه” عام 1839 ثم أعقبها مدرسة شبرا الزراعية، والمدرسة الزراعية بالجيزة عام 1890 والتي كانت نواة لإنشاء كلية الزراعة فيما بعد عام 1935، إلى أن وصلت هذه المدارس لأكثر من 100 مدرسة حاليا. والتعليم الزراعي الثانوي والجامعي في مصر يرقد حاليا في غرفة الإنعاش ويحتاج من ينقذه وذلك منذ أحجمت الدولة عن تعيين خريجين التعليم الزراعي منذ أكثر من ثلاثين عاما فهل آن الأوان ليدخل غرفة العمليات حتى يعود صحيحا معافا لديه القدرة على لعب الدور المنوط به لحماية الأمن المائي والغذائي المصري.

فإذا نظرنا للأسباب التي أوصلت التعليم الفني الزراعي إلى ما هو عليه نجد أن نظرة المجتمع للزراعة وعدم توافر فرص عمل بأجور مجزية جعل هناك إحجامًا عن الالتحاق بالتعليم الزراعي، ولعل عدم حصول خريجي المدارس الزراعية على فرص عمل يرجع لعدم تأهيلهم بشكل يوائم سوق العمل. وللأسف قدرات خريجي هذه المدارس الزراعية محدودة جدا. بسبب أن المناهج الدراسية ضعيفة ولا تتواكب مع متطلبات التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني وكذلك بسبب عدم توافر فرص عمل لخريجي المدارس الزراعية بسبب افتقاد التدريب والتأهيل وعدم وجود نماذج إرشادية داخل المدارس خلال فترة الدراسة وما بعدها.

أما عن التعليم الجامعي الزراعي فحدث ولا حرج فمنذ أكثر من عشرين عاما وصل الأمر الى ان كل قسم في أي كلية زراعة به ثلاثة طلاب فقط كما أن الأساتذة في الكلية أضعاف عدد الطلاب والمسألة ليست طرفة ولكنها مشكلة تحتاج الى جديه وبحث دؤوب عن الحل·· فكليات الزراعة في كل الجامعات ترقد في غرفة الإنعاش وتحتاج من ينقذها والسبب الرئيسي في عزوف الطلاب عن الالتحاق بكليات الزراعة عدم وجود فرص عمل بسبب أعداد الخريجين  حيث  ظلت كليات الزراعة ولسنوات طويلة تُجبر على قبول اعداد كبيرة من طلاب الثانوية العامة·· ونقابة الزراعيين كانت لا تستطيع أن  تتدخل وتضغط للحد من قبول اعداد متزايدة كما  بالطب والهندسة كما كانت كليات الزراعة من الكليات التي تتحمل عبء سياسة الدولة المتعلقة بالالتزام بتوفير أماكن بالجامعات لخريجي الثانوية العامة·

والعمل على تغيير نظرة المجتمع لخريجي التعليم الزراعي الفني والجامعي باعتبارهم جنود الأمن الغذائي المصري يبدأ بتطوير المناهج الدراسية بما يتواكب مع احتياجات سوق العمل المتنامي. وكذلك التدريب والتأهيل خلال الدراسة وما بعدها. وإنشاء مراكز تدريب بين الجهات المختلفة كالتعليم ومراكز البحوث والقطاع الخاص ووزارات الزراعة والري لتدريب وتأهيل الطلاب خلال فترة الدراسة بالتدريب العملي مع توفير النماذج الإرشادية اللازمة لتدريب الطلاب عمليا في الحقول والمزارع، سواء تلك التي تمتلكها المدارس والجامعات أو تلك الموجودة في الأحواض الزراعية، أو في محطات البحوث الزراعية. وقد أثلج صدري ما سمعته من عميد كلية الزراعة جامعة القاهرة عن تطوير التعليم الزراعي والفكر الجديد المطبق والذي أتمنى ان يطبق في جامعات مصر كلها وما سمعته منه أيضا عن تزايد الرغبة في التعليم الزراعي حتى ارتفع مجموع القبول بكلية الزراعة الى 88% بعد أن كان 50% من خريجي الثانوية العامة فهل بدأ التعليم الزراعي الجامعي في الخروج من غرفة الإنعاش؟؟  هذه ضرورة نتمناها

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى