الأخبارالانتاجالمياهحوارات و مقالات

د علاء الدين عيسي يكتب: أسباب النفوق الجماعى للأسماك فى المياه المصرية

 

أستاذ أمراض الأسماك

قسم امراض الأسماك ورعايتها- كلية الطب البيطرى جامعة القاهرة

دكتوراه امراض الأحياء المائية من جامعة ولاية ميشيجان الولايات المتحدة الأمريكية

مستشار شركة قناة السويس للإستزراع السمكى  والأحياء المائية

النفوق الجماعى للأسماك هو ظاهرة مفاجئة مصحوبة بنوبة حادة من الوفيات للأسماك من مختلف الأعمار والأنواع فى بيئة مائية محددة سواء تلك المفتوحة كسواحل بعض البحار والأنهار والترع والبحيرات او تلك المغلقة كمزارع تربية الأسماك بأنواعها المختلفة. شكل منحنى الوفيات لتلك النوبات من النفوق الجماعى غالبا ما يختلف من حالة الى اخرى وذلك حسب المسبب الرئيسى للوفاة فمثلا فى حالات النفوق الجماعى الناشئ من عدوى حادة بواحدا أو بمجموعة من الميكروبات يكون شكل المنحنى اقرب للجرس المقلوب حيث تزداد الوفيات تدريجيا متزامنة مع ازدياد حدة العدوى حتى تصل الى اقصاها ثم تبدأ فى الأنخفاض تدريجيا الى ان تنخفض تماما بأنحسار العدوى.

 أما فى حالات النفوق الجماعى الناشئ من تسمم بأحدى السموم ذات الأثر الحاد مثل سموم الزئبق العضوى والمبيدات و المد الأحمر وغيرهم فأن المنحنى يكون حاد فى ارتفاعه حيث يرتبط ذلك بنوبة حادة من النفوق الجماعى الذى يشمل جميع الأحياء المائية صغيرها وكبيرها وفى احيان اخرى مثل تلك المرتبطة بالنقص الحاد فى الأكسجين.

الأحجام الكبيرة من الأسماك هى التى تعانى من نوبات النفوق الجماعى خصوصا فى نهايات الليل والساعات الأولى من النهار لأرتباطها بأقل منسوب للأكسجين الذائب فى الماء نتيجة استهلاكه الحاد اثناء عمليات التمثيل الضوئى للنباتات المائية. وعلى الصعيد المحلى فقد حدثت عدة نوبات من النفوق الجماعى للأسماك  فى خلال الفترة من 2008 حتى 2010 . ومن تلك الأمثلة ماحدث فى خريف 2008 حيث وجدت الاف الأسماك النافقة من نوع الوقار (الهامور) بطول عدة كيلومترات من شواطئ مرسى مطروح وخليج السلوم وحدث فى ذلك الوقت جدلا شديدا حول اسباب تلك الظاهرة ) اقترح مرض الفوتوبكتريوزس كمسبب رئيسى للوفيات ولكن هذا لم يجزم به خصوصا فى ظل ظهور تسريبات عن استخدام بعض الصيادين فى هذا الوقت لمادة السيانور فى صيد اسماك الوقار بين صخور خليج السلوم والمناطق المتاخمة له ).

 عودة للمشهد الذي حدث فى بداية فصل الشتاء (4 يناير 2010) ظهرت نوبات اخرى من النفوق الجماعى لمئات الألاف من اسماك البلطى فى ترعة المريوطية (مصرف اللبينى) بطول امتداد المصرف من منطقة البدرشين و شبرامنت و الحرانية وسقارة و المريوطية بمحافظة الجيزة وتسابقت جهات كثيرة رسمية وغير رسمية لأجراء البحوث المختلفة للوقوف على الأسباب الحقيقية لتلك الكارثة البيئية وهو ما نتعرض له بالتفصيل والتحليل فى هذه المحاضرة.

 ولم يشأ ان تنقضى قرابة الأسبوعين (21 يناير 2010) على تلك الكارثة حتى فوجئنا بنوبة اخرى من الوفيات الجماعية لأسماك البلطى المستزرعة فى بحيرة مريوط بالأسكندرية والتى قاربت عشرون طنا من الأسماك النافقة وتتالت الوفيات الكارثية للأسماك فى مياه النيل فى مناطق جغرافية اخرى خلال السنوات التالية مثل وفيات الأسماك الموسمية بمنطقة قناطر أدفينا بالبحيرة ثم فى فرع النيل برشيد فى الفترة من 2010 الى 2012  ثم وفيات الأسماك الجماعية بفرع النيل بالمنصورة والتى حدثت فى شهر أكتوبر من عام 2012  والتى تركزت فى أسماك البلطى وبعض اسماك المبروك  ثم توالت حالات النفوق الجماعى لتتركز فى اهم انواع الأسماك بالنسبة للمستهلك المصرى الا وهى سمكة البلطى حيث حدثت حالات نفوق جماعى باعداد كبيرة فى أسماك البلطى النيلى المستزرع بالأحواض الطينية فى محافظات مختلفة واهمها كفر الشيخ و الشرقية والدقهلية و الفيوم وقد تنوعت الأسباب بين ميكروبات بكتيرية خصوصا الميكروب السبحى ستربتوكوكس و ميكروب التسمم الدموى الايرومونوزى وميكروب الفم الأحمر.

تلا ذلك  هجوم طفيل الأيزوبودا على أسماك البلطى والبورى ببحيرة قارون حتى وصل الحال الى قرب اختفاء تلك الاسماك نهائيا من البحيرة ومع استمرار الممارسات الخاطئة فى تربية تلك الأسماك وعدم الأعتداد بالأهمية القصوى لطب الأحياء المائية فى حل المشكلات الوبائية يالمزارع واللجوء الى خبرات حقلية بدون مرجعيات علمية حقيقية.

 مع وطأة الفقر المائى المتنامى فى مصر خصوصا بعد بناء سد النهضة والاستمرار فى استخدام مياه الصرف الزراعى كمصدر اساسى للمياه فى تربية الاسماك العذبة اتجهت الحكومة المصرية الى الاستثمار فى مجال الاستزراع البحرى بمشاريع قومية عملاقة لتجاوز هذا الخطر القادم ولتقليل الفجوة بين الانتاج والاستيراد ومحاولة انتاج منتج سمكى امن للمواطن المصرى. ونظرا للخسارة الأقتصادية والبيئية والأجتماعية المرتبطة بحوادث النفوق الجماعى للأسماك وجدنا انه من الحكمة البحث بدقة عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التى أدت الى تلك الكوارث وتحليل كل البيانات الممكنة التى من اثرها ان نستطيع تحديد اسباب وابعاد تلك الكوارث البيئية  و فى النهاية نستطيع ان نشير بأصابع الأتهام الى التلوث البيئى كسبب مباشر لتلك الكوارث مع اختلاف نوع هذا التلوث وكذا اختلاف نوع المؤثرات والتفاعلات المؤدية اليه وهو ما يمكن تدريجيا القضاء عليه باستحداث منظومات الامان الحيوى بالمنشأت السمكية سواء المزارع او المفرخات وتنمية الجانب الأرشادى فى قطاع الأستزراع السمكى سواء من ناحية التربية السليمة لتجنب الممارسات الخاطئة أو من ناحية الوقاية البيطرية لتجنب الانتشار المفاجئ للأمراض والاوبئة وتنظيم أستخدام الدواء والمطهرات بصورة سليمة داخل المنشأة السمكية واخيرا وليس اخر نشر ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية من التلوث بكل الأمكانيات المتاحة لتجنب خطر النفوق الجماعى ومن ثم تجنب الخسارة الأقتصادية المحتملة ومن اجل تنمية مستدامة لقطاع الاستزراع السمكى والمصايد تضمن وفرة فى الغذاء السمكى كبديل غنى وصحى واقتصادى لبروتينات الحيوانات الأرضية سواء حيوانات كبيرة او دواجن .  

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى