الأخبارحوارات و مقالات

المهندس هشام نشأت يكتب: اختراع العجلة وتحديث الزراعة المصرية

 

إستشاري زراعي بالاتحاد الاوروبي

ربما لا يعلم الكثيرين من المتعلمين او المثقفين ان اختراع العجلة كان فى القرن الخامس قبل الميلاد بمعرفة السومريين ( اهل العراق حاليا ) و انتشرت وامتدت فى كل اسقاع العالم و تعددت اشكالها و انواعها طبقا للاستخدام .

ولكن المثير للسخرية هو اننا لازلنا نخترع العجلة كل يوم وننسب الاختراع لانفسنا …!!!!!

وياليتنا نجيد اختراعها فما نلبث ان نكتشف ان العجلة التى اخترعها البعض عوجاء فنسرع باستبدال من اخترعها باخر ليصنع عجلة عوجاء اخرى وهكذا .

وفى النهاية  تكون النتيجة ان العربة تسير عرجاء ومن يركبها يصاب بالدوار والغثيان ثم تتحطم العجلات و تتوقف المسيرة

تلك هى السياسة الزراعية المصرية الصميمة ……!!!!

وكالمعتاد احب ان استعين بمثال من مخترعى العجلات السليمة فى مكان اخر فى العالم وهو مثال لا يخفى على احد وهو مثال (ألماريا)

والماريا ليس اسم فتاة اسبانية ساحرةالجمال تاخذ اللب بسحر ابتسامتها وعيونها الواسعة  قوامها الممشوق شانها شان معشرالاسبانيات .

ولكنه اسم مقاطعة كتالونية فى جنوب شرق اسبانيا لذلك فاسمها يحمل مسحة عربية .

وبدون الدخول فى قصص تاريخية عن الفتوحات العربية ثم انحسارها نبدأ تاريخ ذلك المكان بحدوث زلزال مدمر تسبب فى دمار تلك المنطقة و صارت غير صالحة لاى نشاط تجارى او زراعى اللهم الا بعض الفنادق المتناثرة على شاطئ البحر يشغلها بعض السواح الغلابة  الذين يتمنون قضاء اجازة فى اسبانيا باسعار رخيصة لبعض الوقت

ودب الاهمال فى تلك المنطقة حتى صارت معظم اراضى المقاطعة مكب نفايات اسبانيا كلها وكانها مقلب قمامة كبير

اضف الى ذلك انها منطقة يعزف الناس عن سكناها لانة لا نشاط اقتصادى ولا امل في شيئ فصارت الباب الخلفى للمهاجرين المتسللين من شمال افريقيا الى اوروبا

وهنا نبدأ قصة اختراع واحدة من اعظم العجلات فى التاريخ الزراعى حين شمر الكتالونيين عن سواعدهم و استعملوا النفايات فى تسوية الارض و تغطيتها و انشاء مصائد مياة الامطار لتخزينها و دق الابار التى لم ترحم مسعاهم فتدفق الماء مالحا ولكن لم يفت ذلك من عضد الكتالونيين . بداوا فى دراسة مواردهم من مياة عذبة وممتزجة بمياة الابار المالحة و نظم معالجة الملوحة و اكتشفوا ان مع ندرة المياة يصعب زراعة محاصيل مكشوفة و استخدام الرى بالغمر كما ان مياة الامطار لاتكفى احتياجات تلك المحاصيل .

و تفتق ذهن احد العباقرة عن فكرة عمل مقاطعة كاملة تزرع صوب او زراعات محمية بنظام التغذية المغلقة فى بيئات سابقة الاعداد (قد تعتبر هذة المسطلحات لغير المتخصصين لوغاريتمات) ولكن لا مجال للايضاح بالتفصيل .

وفى سباق مع الزمن و دعم غير مسبوق من حكومة كتالونيا و الجهاز المصرفى الذى دعم بكل قوة هذا المشروع اصبحت الان ألماريا سلة خضروات اوروبا كلها .

كما انتشرت محطات التجميع و التعبئة ومراقبة الجودة و مصانع الاسمدة ومحطات انتاج التقاوى الهجين ومنظومة نقل و تخزين على اعلى مستوى دون ان تتحمل الجكومة الكتالونية مليما واحدا

واصبحت الماريا مطمع كل تجار الخضر فى اوروبا يسعون اليها و يخطبون ودها كانها اوجينى جميلة الجميلات خصوصا ومشهدها المثير من الطائرة كجسد امراة جميلة مغطى بغلالة بيضاء شبة شفافه هو غطاء الصوبات التى تغطى المقاطعة كلها

“للة درك يا الماريا يادرة التاج الزراعى فى العالم يا جميلة الجميلات”

وبالطبع لم يفتنى ان اعيش واتعايش مع تلك التجربة المثيرة واسبر اغوارها و اعرف ادق اسرارها ثم وقفت ارفع قبعتى احتراما لتلك العقول الفذة والسواعد القوية و الارادة التى يلين لها الحديد

ولا يفتنى ان اشير ايضا لتجربة هولندا من شمال روتردام وحتى اخن فى الجنوب حيث الارض المالحة ملوحة المحيط ورغم ذلك يغطى انتاجها من الخضر معظم الدول الاسكندينافية

وان اختلفت طبيعة التجربة الهولندية التى يغلب عليها الطابع الفردى لبعض الشركات التى انشئت ازراعة مساحات محدودة عن تجربة الماريا التى تمثل مقاطعة كاملة

اذا صلب الموضوع هو لا يوجد مستحيل فى الزراعة بل توجد عقول و سواعد و مساندة من مؤسسات مالية قوية .

تلك هى تجارب السابقين الناجحة فى اختراع العجلة . ولكن لايجب ان نقيس عليها ما نفعلة فى الداخل كمشروع الميلون صوبة مثلا . لان بدون دراسة اقتصادية متينة و متأنية قد يتحول الى كارثة . فاول ماتعلمتة من السابقين الذين سبقونا فى اختراع تلك العجلة هو دراسة التكاليف و الاسعار و هامش الربح

فهل يعلم اصحاب فكرة مشروع الـ 100 ألف صوبة كم يتكلف كيلو الخيار داخل الصوبة و بكم يباع و ما هو الربح المنتظر ؟

لا اظن ذلك لان عام 2017 كان سعر خيار الصوب فى سوق الجملة 2.75 قرش فى حين تكلفة الكيلو داخل الصوبة  4 جنيهات فكيف الحال لو اضفنا انتاج 100 ألف صوبة خيار ؟؟؟؟، وهو ما يتطلب مراجعة أهداف مشروع الصوب الزراعية وتحديد المحاصيل ذات العائد الاقتصادي قبل مواصلة العمل به.

وهنا نطرح الاسئلة الصعبة :

-هل مصر فى حاجة الى مزيد من الخيار و الفلفل و الطماطم الشيرى للسوق المحلى؟؟

-هل انتاج الخضر فى الصوب يخضع للمعايير الدولية GAP

– هل يعرف اصحاب فكرة هذا المشروع الطموح معنى قائمة تسكو؟

– هل يعرف هؤلاء معنى اكواد الاتحاد الاوروبى ومن اين تاتى وماهى اشتراطاتها ؟

– هل يعرف هؤلاء ماهى احتياجات الاسواق من الانتاج ومواعيدة ؟

– هل ذهب احدهم الى سوق الخضار فى روتردام حيث اكبر عمليات بيع وشراء للخضر و الفاكهة فى اوروبا كلها ومن هم (معلمين السوق هناك) ؟

– هل يعرف هؤلاء من هم العملاء وماهى متطلباتهم كما ونوعا وماهى الاسعار السائدة ؟

– هل تم عمل دراسة اقتصادية مبنية على قاعدة بيانات من مصادر موثوق فيها  ومنها يتحقق صافى ربح 40% كالماريا؟

و مرة اخرى لا ادعوا الى اعادة النظر فى هذا المشروع بل على العكس ادعمة بكل قوة و لكن من منظور اخر وفكر تسويقى مختلف

فاذا اردت النجاح فى تطوير منظومة الزراعة يجب ان تترك الفاس و المقطف خارج الموضوع وتبدا فى تطبيق المنظومة الحديثة ولا نبدأ فى اختراع عجلات عوجاء

و للحديث بقية باذن الله

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى