الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د خالد وصيف يكتب: قياس الموارد المائية قبل إدارتها

خبير موارد مائية

لا يخفى على أحد من المتخصصين او غيرهم التحديات الهائلة التى تواجه ادارة المياه فى مصر، فحصة مياه محدودة تتناقص كميتها بفعل زيادة سكانية مضطردة، وتتدهور نوعيتها بفعل مصادر تلوث تصيبها، وهى نفسها الحصة التى تواجه مخاطر خارجية يمكن ان تنتقص منها.

التوصيف السابق غالبا ما نقرأه فى وسائل الاعلام فى تشخيص الحالة المائية المصرية لكنه لايكفى لوضع حلول ناجعة لتلك التحديات، فهو مثل الاشعة السينية التى تعطى مؤشرات عامة على مواطن الخلل، لكن فى حالة حرجة مثل حالتنا نحتاج لما يشبه مسح ذرى يدقق فى كل مؤشر ويبحث خلف كل رقم. فما لايقاس لا يدار وما لايدار يستحيل تحديثه وتطويره.

من هنا تأتى اهمية ورشة العمل التى نظمتها الشراكة المائية المصرية بالتعاون مع المجلس العربى للمياه، والتى انعقدت منذ يومين بالقاهرة لتناقش مؤشرات الوضع المائى المصرى طبقا لقياسات جرت فى عام 2015 تمهيدا لصدورها فى تقرير بداية العام الجديد.

المهم فى الورشة انها ضمت بالاضافة الى المسؤولين الرسميين عن الموارد المائية، مجموعة متميزة من الخبراء ومن المجتمع المدنى وروبط مستخدمى المياه بما أثرى المناقشات وجعلها تعبر قدر الامكان عن مختلف وجهات النظر

البصمة المائية لكل منتج والاعلان عنها بصورة واضحة أصبح امرا حتميا. المياه عنصر موجود فى كل الصناعات ولا يقتصر على المنتجات الزراعية، حان الوقت لادخال المياه الافتراضية والبصمة المائية لكل منتج فى الاعتبار حينما يتم تقييم قرار الاستيراد او التصدير لاى منتج من اول اللحوم الحمراء الى السيارات؟. صناعة السيارات تقوم على استهلاك كميات معتبرة من المياه. مشروعات التسمين لرؤس الماشية تستهلك مياها هائلة.

مصر استوردت منتجات قدرها 23.5 مليون طن من المنتجات الغذائية بلغت كمية المياه فيها 49.292 مليار متر مكعب من المياه، مصر أكبر مستورد للتبغ فى الوطن العربى، حيث تم استيراد تبغ تقدر مياهه الافتراضية بنحو 2 مليار متر مكعب وهى المياه الافتراضية المستهلكة في زراعة محصول أو تدخل في إنتاج منتج معين من بينها 9 مليارات في صورة لحوم و11 مليار في صورة دقيق وقمح.

أول النتائج التى تقوم على تلك الارقام هو مراجعة جادة لفكرة التوسع فى انتاج اللحوم الحمراء فى مصر، طالما ان الكيلو الواحد من اللحوم يحتاج لاكثر من 20 متر مكعب من المياه. ويكون البديل الاكثر جدوى هو التوجه للاستيراد من الدول المطيرة، خصوصا فى حوض النيل، لتتحقق فائدة مشتركة وتبادل للمنفعة.

ناقشت الورشة ملف التعدى على الارض الزراعية والذى تتحدث مؤشراته عن 15 الف فدان سنويا. خسارة الارض الزراعية لاتقتصر فقط على خسارة الانتاج الزراعى الناتج منها بل يمتد للمياه ايضا، الفدان المزروع يستهلك فى حده الاقصى خمسة آلآف متر من المياه سنويا، وجود كتلة سكنية على مساحة فدان تستهلك فى العام الواحد خمسة عشر الف متر مياه. خسارة فادحة لم نكن لنعرفها لولا المؤشرات المدققة

 

الحفاظ على المياه كعنصر له ابعاد اجتماعية تتقدم على الاعتبارات الاقتصادية امر حيوى، العائد الاقتصادى للمتر الواحد لايزيد فى حالة الاستخدام الزراعى على نصف دولار، بينما يتجاوز الاستخدام الصناعى 30 دولارا للمتر. الموازنة بين تعظيم العائد الاقتصادى لايجل ان يأتى على حساب الدور الاجتماعى للمياه، كعنصر حيوى للامن المجتمعى قبل ان يكون سلعة تجارية تخضع لاعتبارات السوق

 

فى ظل الندرة يجب الالتفات الى كل مصادر المياه بما فيها الصرف الصحي المعالج ، 80٪ من مياه الاستخدامات المنزلية تتحول إلى صرف صحي، وهو مورد مائي متجدد، تطوير مواصفات استخدام تلك المياه طبقا لدرجات المعالجة اصبح حتميا

 

مؤشر نصيب الفرد من المياه لم يعد كافيا ليعبر عن الموقف المائى لمصر، هو ناتج عميلة حسابية بين كمية مياه على عدد سكان، وهو لايتضمن عدالة التوزيع بين المناطق المختلفة ولا بين الاستخدامات المتنوعة زراعية وسكنية وصناعية. الاجهاد المائى تعبير جديد يأخذ طريقه فى الاوساط العلمية ليعبر بطريقة اكثر دقة عن الموقف المائى. مصر مجهدة مائية بقدر يساوى 140%.

مثلما تطور الاداء الحكومى فى الجهات الخدمية لانشاء الشباك الواحد يجب ان تتوافر لدينا خدمة الرقم الواحد. اهمية وجود رقم موحد لنفس البيان لاغنى عنها لتحليل الوضع الحالى ووضع خطط التعامل معه: التركيب المحصولى الفعلى، استهلاك المياه لكل محصول، مقدار المياه الجوفية المتاح استخدامها والمدى الزمنى لاستدامتها. معدلات تآكل المساحة الزراعية نتيجة التمدد العمرانى وخطط الدولة المستقبلية للتعامل مع تلك التعديات.

الرقم الواحد يجب ان يتحول لهدف  استراتيجى بين كل الجهات المعنية: وزارة الموارد المائية والرى ووزارة الزراعة هما المرجع الرئيسى وبناء على بياناتهما يأـى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء كنقطة مرجعية رسمية يستقى منها الجميع البيانات موثقة ومصدقة.

من بين كل المؤشرات التى تدعو للقلق تأتى ارقام اخرى تضيئ الطريق للمستقبل. كفاءة استخدام المياه فى مصر تتعدى ال92%. مؤشر يعكس بنفس الدرجة كفاءة مدرسة الرى المصرية التى نجحت فى التعامل مع كيمات مياه محدودة لتدبير احتياجات شعب ال100 مليون نسمة.

 

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى