الأخبارالمياه

مذكرات حسين سري باشا:كيف تم توليد الكهرباء من خزان أسوان ؟

تنشر “اجري توداي”، جزء من مذكرات حسين سري باشا، الذي عمل رئيسا لوزراء مصر لمدة ثلاث فترات قصيرة. خدم أولا كرئيس للوزراء من 1940 إلى 1942 خلال دخول مصر في الحرب العالمية الثانية وغزو الألمان لشمال أفريقيا. عمل بعدها سري باشا كرئيس للوزراء من يوليو 1949 حتى يناير 1950, وآخر فترة له كانت في يوليو 1952 خلال الأزمة السياسية قبل ثورة 1952.

تبوأ منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والحربية والبحرية في وزارته الخامسة (2-22 يوليه 1952)، وكان من أهم حوادث وزارته حل مجلس إدارة نادي ضباط الجيش الذي كان تم انتخابه برئاسة اللواء محمد نجيب، بسبب تدخل الملك، فاستقال اللواء محمد نجيب، وحاول رئيس الوزراء معالجة الموقف بأن طلب من الملك تعيين محمد نجيب وزيراً للحربية، ورفض القصر طلبه، فتقدم باستقالته من الوزارة في اليوم السابق لثورة 23 يوليه.

وإلي تفاصيل بعض ماجاء في المذكرات:

لقد بدأ التفكير في الإستفادة من تدفق المياه من خزان أسوان في توليد طاقة كهرومائية ، وذلك منذ بواكير التعلية الأولى للخزان عام 1912 ، حيث تقدمت جملة من العروض للحكومة في ذلك العام للحصول على امتياز لتوليد الكهرباء من السد .. في حين تقدمت مقترحات أخرى بشأن إنشاء محطة توليد طاقة كهرومائية ومصنع للآزوت تملكهما وتديرهما الحكومة .. وكان هذا العرض الأخير يستند إلى إنشاء محطة الكهرباء على حوض يتم إنشاؤه خلف السد ، ولم يلق هذا العرض قبولا لدى الحكومة ، كما أن إنشاء مصنع للآزوت يستلزم في ذلك الحين الحصول على حق الصناعة من أحد الإتحادات الصناعية ولم يكن ذلك ميسوراً..
** وقد اقتضى بحث المقترحات والعروض المختلفة بعض الوقت ثم تمخض البحث عن مشروع معين ، غير أن الظروف المالية في ذلك الوقت منعت الحكومة من السير الجاد في تنفيذ المشروع حتى أعلنت الحرب العالمية الأولى في أغسطس سنة 1914 …
** وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، تقدمت مجموعة من الهيئات الأوربية للحكومة بعروض جديدة لم تكن محددة وواضحة ، ولم يكن غرض مقدميها سوى الحصول على امتياز العملية ، فقررت الحكومة في إبريل سنة 1920 طرح امتياز تمويل إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء والإستفادة منها في المناقصة العامة بالطريقة التي يقترحها مقدمو العطاءات ، واحتفظت الحكومة لنفسها بالحق في تمويل وإنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء ، على أن تبيع الكهرباء الناتجة للشركة التي تقوم في هذه الحالة بصنع السماد الأزوتي .. وقد دعت الحكومة خمس عشرة شركة للدخول في هذه المناقصة ، وأعطت لهذه الشركات جميع البيانات اللازمة ، وحددت موعدا لتقديم هذه العطاءات في يوليو 1920 …
** وقد حصلت الحكومة على ثلاثة عطاءات غير أنها رفضتها جميعها وقررت أن تقوم بنفسها بتمويل وإقامة وإدارة محطة توليد الكهرباء على أن تبيع الكهرباء المولدة للأفراد والهيئات.
** وقد عهدت الحكومة إلى وزارة الأشغال في سنة 1921 بحث المشروع من الناحيتين الفنية والمالية ، فقدرت الوزراة تكاليف إنشاء محطة توليد الكهرباء من السد تحوي نحو سبعة توربينات يتم تغذيتها بالمياه من أربع عشرة فتحة من فتحات السد وبقدرة كلية مقدارها 120 ألف حصان وذلك بتكلفة 2.5 مليون جنيه .كما قدرت ثمن الكيلوات /ساعة المولدة 575 مليم ..
** وقد كان هذا المشروع بمثابة أول مشروع بني على دراسة عميقة لظروف أسوان .. وقد اقترح فيه – لمقابلة الفروق الكبيرة في تساقط المياه بين فصلي التخزين والفيضان – أن تدار التوربيات على سرعتين مختلفتين إحداهما للسقوط العالي والثانية للسقوط المنخفض ، الأمر الذي يقتضي استعمال محولات دوارة للتردد الكهربائي ..
** أعزائي: لم يكن هذا المشروع هو المشروع الوحيد الذي تم عرضه للبحث بل تم عرض مشروعات وحلول كثيرة للتغلب على الإختلاف الكبير في السقوط بين فصلي التخزين والفيضان ، منها على سبيل المثال لا الحصر استعمال توربينات تمر فيها المياه على التوالي في زمن السقوط العالي ، وعلى التوازي في زمن الفيضان ..ومنها إنشاء محطتين مستقلتين تشتغل كل منهما على السقوط المناسب لها .. ومنها إقامة محطة على السقوط العالي تولد الكهرباء ، ومحطة ثانية على السقوط المنخفض ترفع المياه في زمن الفيضان لتشغيل المحطة الأولى على سقوط المياه التصميمي .. كما أنه تقدم أيضا مشروع آخر لاستعمال وحدات تدور على سرعتين مختلفتين لتوليد الكهرباء على ترددين مختلفين مع تحويل أحد الترددين إلى التردد الأخر القياسي ..
** وفي سنة 1925 تم تقديم اقتراح باستعمال توربينات من نوع كابلان ، وكان هذا النوع قد تم اختراعه قبيل ذلك وظهرت مزاياه في إمكان استعماله على مدى واسع من السقوط المائي.
** ولعل أغرب الاقتراحات التي تم تقديمها هو الحل الذي اقترح فيه استعمال مولدات للكهرباء ذات تركيب خاص يدير كل مولد منها توربينتان تدير الأولى الجزء الداخلي للمولد ( Rotor) على سرعة تناسب السقوط .. فيما تدير التوربينة الثانية الجزء الخارجي للمولد (Stator) في نفس الإتجاه وبسرعة أقل من السرعة الأولى بقدر معين ، ويكون فرق السرعتين هو السرعة النسبية للمولد لينتج التردد الكهربائي المطلوب كلما زاد السقوط على التوربينتين زادت سرعة كل توربينة بحيث يبقى الفرق بين السرعتين ثابتا.
… أيها لأعزاء : وبإتمام تعلية سد أسوان تعلية ثانية في عام 1933 ، وما ترتب عليها من زيادة سقوط المياه ، فقد ظهرت مشاريع جديدة … ففي عام 1934 تقدمت شركتان انجليزيتان بمشروع توليد الكهرباء وصناعة الأسمدة الآزوتية ، إلا أن الحكومة قررت طرح العملية في مناقصة عامة ، وظهر من العطاءات المقدمة أن عطاء هاتين الشركتين كان أنسب العطاءات .. وكان يشمل تركيب 6 توربينات مروحية ذات ريش ثابتة الزوايا مجموع قدرتها 195 الف كيلوات تغذى بالمياه من ثماني عشرة فتحة من فتحات الخزان ، وكان مقدراً في هذا المشروع أن تدار محطة توليد الكهرباء 270 يوما في كل عام وتقف طوال مدة الفيضان .
** وقد استمرت المفاوضات بين الحكومة والشركتين حتى نشوب الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 .. وبمجرد انتهاء الحرب في أوربا أنشأت الحكومة إدارة خاصة للقوى الكهربائية ، وتم تكليفها بوضع مشروع لتوليد الكهرباء من خزان أسوان ، فوضعت الإدارة في سنة 1946 مشروعاً أطلق عليه فيما بعد ” مشروع المواسير”
** مشروع المواسير : يتلخص هذا المشروع في إقامة سبعة توربينات رئيسية وتوربينتين مساعدتين جميعها من نوع كابلان في مبنى يقع على بعد 120 مترا من سد أسوان خلف المجموعات (2-3-4-5) وتوصل المياه من الفتحات إلى التوربيات بواسطة مواسير ، وتغذي التوربينة الرئيسية من أربعة فتحات والتوربينة المساعدة من فتحة واحدة …
** وكان توصيل هذه المياه سيتم بواسطة مواسير ضخمة قطر كل منها1.8 مترا تركب كل ثلاث منها داخل فتحة من فتحات السد ، ثم تجمع المواسير الإثنتى عشرة الخارجة من أربع فتحات متجاورة وتوصل إلى حوض للتوازن ، ثم إلى توربينة رئيسية وتجمع المواسير الثلاث الخارجة من الفتحتين الأخيرتين لتوصل كل مجموعة إلى حوض للتوازن ثم إلى توربينة مساعدة .. ( شكل رقم 13-1)
** كذلك كان مقدرا لهذا المشروع استعمال توربينات من نوع كابلان قدرة كل توربينة رئيسية 46 ألف كيلو وات ، وقدرة كل توربينة مساعدة 11500 كيلووات ، بينما كانت القدرة الممكن الإنتفاع بها من المحطة حسب التصرفات والمناسيب المتوسطة للمياه 260000 كيلو وات لمدة ستة أشهر من العام تنخفض إلى 80000 كيلو وات في مدة شهور الفيضان الثلاث وتتراواح بين هذا الرقم ، وذلك فيما بين الفترتين . كما كانت الطاقة السنوية الممكن الحصول عليها من المحطة حوالي 1760 مليون كيلو وات / ساعة …
** وكان مقدرا ايضا في هذا المشروع احتمال انشاء وحدتين لتوليد الكهرباء خلال الفيضان ينشأن على حوض خلف مجموعة العيون رقم 4 لزيادة القدرة المولدة خلال فترة الفيضان إلى 130000 كيلو وات بدلا من 80000 كيلو وات .
** طرحت الأعمال الميكانيكية والكهربائية والسد الخلفي والحفر بموقع محطة التوربيات في المناقصة العامة على هذا الأساس وتم التعاقد على توريد التوربيات والمولدات والمحولات والمفاتيح الكهربائية في أواخر عام 1947 ، كما تم التعاقد أيضا على إنشاء السد الخلفي المؤقت الذي يضمن جفاف موقع العمل بمحطة التوربينات طول العام وعلى الحفر في موقع المحطة ..وقد تم إنشاء السد في سبتمبر 1948 ، وتمت أعمال الحفر في مواقع أساسات التوربينات في ديسمبر سنة 1950.
** ولم يتيسر التعاقد في البدء على الأعمال المدنية لمحطة التوربينات وعلى المواسير والأوناش ، حيث إن تصميمها كان متعلقاً بخواص التوربينات والمولدات التي لم تحدد إلا بعد التعاقد عليها في أواخر سنة 1947 كما ذكرنا .
** كما لم يتيسر التعاقد مع موردي التوربينات والمحولات والمولدات والمفاتيح الكهربائية منذ البداية على التركيب حيث رفضت الشركات جميعها الارتباط بهذه الأعمال التي كان مقرراً أن تبدأ بعد أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ التعاقد على التوريد ، وتستمر في بعض الحالات لمدد تصل إلى سبع سنوات من ذلك التاريخ.
** ولما تم التعاقد على توريد الماكينات الرئيسية للمحطة وعرفت خواصها على وجه التحديد أمكن وضع مواصفات مناسبة للأوناش والمواسير والبوابات والأعمال المدنية .. وقد تم التعاقد فعلا على الأوناش في سنة 1949 ، وطرحت عمليات المواسير والبوابات والأعمال المدنية في المناقصة العامة ووردت عطاءات عنها استمر فحصها وقتاً طويلاً حتى عام 1952 ، وتم إعادة دراسة المشروع وتقرر إلغاء المواسير والسير بخطى سريعة حاسمة في تنفيذ المشروع من خلال نظام الأنفاق .
المراجع:

” النيل وتاريخ الري في مصر – تحويل الري الحوضي إلى الري الدائم – مذكرات عن أعمال المنافع العامة الكبرى – نهر النيل نشأته واستخدام مياهه – وزراء وزارة الأشغال العامة والري – مشروعات وزارة الري خلال 30 عاما – شخصية مصر – دراسة المقننات المائية بجمهورية مصر- الري والصرف في مصر بين الماضي والحاضر” ( تقويم النيل وعصر محمد على – الجزء الثاني. تأليف أمين سامي باشا- مذكرات أعمال المنافع العامة الكبرى التي تمت بمصر منذ أقدم العصور حتى 1872. تأليف لينان دي بلفون – الري في مصر. حسين سري باشا- حوض النيل : هيرست – بلاك- سميكة.)” مذكرات عن اعمال المنافع العامة الكبرى التي تمت في مصر منذ أقدم العصور حتى عام 1872 تأليف لينان دي بلفون بك … تقويم النيل وعصر محمد على باشا ( الجزء الثاني).

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى