الأخبارالمياهبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د علاء البابلي يكتب: الأمن المائى العربى واستراتيجية مواجهة  تحديات الفجوة المائية (1)

مدير معهد بحوث الاراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية وخبير المياه الدولى

تشكل الأحواض المائية الجوفية الإقليمية في الوطن العربي مصدرا مائيا رئيسيا يتم الاعتماد عليه لمواجهة العجز المائي ، وتتوافر مياه هذه الأحواض في معظم المناطق العربية وتشكل مخزونا جوفيا ضخما كما هو الحال في إقليم الصحراء الكبرى في كل من ليبيا والجزائر وتونس ومصر السودان أو في إقليم شبه الجزيرة العربية.

كما أن هذه الخزانات المائية الجوفية تلعب دورا كبيرا في تغطية العجز المائي خلال فترات الجفاف نظرا لعدم تأثرها السريع نتيجة نقص الأمطار، لكن المعلومات الهيدروجيولوجية المتوفرة عن هذه الأحواض الجوفية الإقليمية ما زالت قليلة جدا بالمقارنة بمساحات هذه الأحواض حيث أن المسوحات  الهيدرو جيولوجية المتوفرة غير كافية لتحديد وبدقة كل خصوصيات هذه الأحواض المشتركة مثل توزيع المخزون والمناسيب والتغذية.

كما أن معظم المسوحات والدراسات المتاحة حول هذه الأحواض تكون أحيانا جزئية داخل إطار جغرافي قطري محدود ، ويعتبر هذا الأمر بالطبع احد المعوقات الرئيسية لتنسيق تخطيط وإدارة استثمار مياه هذه الأحواض الإقليمية فيما بين الأقطار المتشاطئة ، وتشير بعض التقديرات أن المخزون الجوفي الإجمالي بالوطن العربي يقدر بحوالي 14 ألف مليار متر مكعب وهو بالطبع مخزون ضخم جدا ومعظمه متوفر في هذه الخزانات الإقليمية والتي يرجع عهدها إلى عصور جيولوجية قديمة .

لكن موارد هذه الأحواض تكون أحيانا غير متجددة نظرا لان التغذية الطبيعية ضعيفة جدا أو منعدمة نظرا لوجودها في مناطق جافة في المنطقة العربية، لذا ينبغي أن يخضع استثمار مياه هذه الأحواض الإقليمية لقواعد مضبوطة منسقة تمكن من تحديد السحب الآمن للمياه الجوفية بالأخذ بعين الاعتبار طاقة التغذية وحدود الضخ المتاحة لان السحب الجائر من المخزون الجوفي قد يؤدى إلى استنزاف الخزان الجوفي وتدهور نوعيته لدرجة قد يصعب تعويضه في عديد من المناطق كما هو الحال في شبه الجزيرة العربية ومنطقة المغرب العربي ومن خصائص هذه الخزانات الجوفية العميقة غير المتجددة أنها تمتد على مساحات كبيرة وتشكل موارد مشتركة بين عديد من الدول العربية وان كل استغلال جائر في منطقة معينة من الحوض سوف يترتب عنه وحتما انعكاسات على باقي الحوض الجوفي ومن بين المعوقات الرئيسية التي تواجه حاليا استثمار هذه الأحواض الجوفية المشتركة عدم وجود مسوحات هيدرو جيولوجية ودراسات مدققة حول هذه الأحواض وكذلك عدم وجود تخطيط متوازن لاستثمار هذه الموارد بين الأقطار المتشاطئة وكذلك المراقبة المستمرة للاستثمارات الحالية المستقبلية لذا ينبغا وضع استراتيجية عربية منسقة لتحسين أساليب الاستثمار .

محدودية موارد المياه في الوطن العربي وتناقص نصيب الفرد مع مرور الزمن تمثل عائقا أساسيا في طريق المزيد من التنمية الزراعية في كثير من البلدان العربية وقد استخدمت بالفعل جميع الموارد المائية المتاحة للتنمية أو هي في طريقها لذلك وكلما زاد الاحتياج إلى المياه أصبح الاستخدام الجيد لهذا المورد المحدود في الزراعة والأغراض الأخرى أمرا ملحا وفيما يلي نورد بعض التوصيات  فيما يخص أثر تنمية الموارد المائية على مسارات التنمية الزراعية في الوطن العربي منها:

  • تعزيز التعاون على مستوى الأحواض الكبرى ، وتبادل المعلومات حول طرق تنمية الموارد المائية غير المتجددة والمتوافرة في الأحواض ويمكن التوصل إلى اتفاقيات دولية عادلة انطلاقا من مبدأ المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة بما يحقق الفائدة لجميع الأطراف ،
  • توسيع رقعة الاستثمار وتجنب الزراعات المكثفة في مناطق معينة وخصوصا الساحلية منها ، وهو الأمر الذي يتطلب الأخذ بفكرة المجتمعات السكانية الصغيرة ( خصوصا في الدول التي تعتمد كليا على المياه الجوفية ) مع توفير كميات المياه الآمنة لها .
  • البحث عن مصادر مياه جديدة غير تقليدية وخاصة في البلدان التي تشح وتندر فيها المياه .
  • العمل على الحد من تلوث المياه والتربة ، عن طريق تطبيق السياسات المناسبة كالأخذ بنظام الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات وطريقة التغذية للنبات وإضافة الأسمدة مع مياه الري .
  • وضع استراتيجية إقليمية للاستفادة من المياه تدعم الاستراتيجيات القطرية وتشكل بالتالي جزئا أساسيا من خطط التنمية المائية والزراعية الشاملة والمستدامة.
  • وضع تخطيط جيد لمشروعات الري والصرف يراعى في الادارة المتكاملة للمياه والتربة والمحاصيل .
  • مراعاة التغييرات المناخية المحتملة في المستقبل عند وضع سياسات التنمية الزراعية في المستقبل البعيد .
  • إدخال التقنيات الحديثة في مجال استغلال الموارد المائية من اجل تنمية زراعية أفضل ولتقليل الفقد الكبير للمياه ولتحسين إدارة ونوعية المياه ، وكذلك لتعظيم استخدامات المياه عن طريق الموازنة بين التكاليف والفوائد العائدة من مشروعات الري سواء مادية أو اجتماعية أو صحية .

إعداد خطط شاملة لإدارة مياه الري للمشاريع الزراعية ، تتضمن :

  • تطوير برامج توفير الاحتياجات المائية لمختلف المحاصيل على مستوى الإقليم.
  • تدعيم شبكات الرصد وأنظمة المراقبة من اجل توفير البيانات والمعلومات اللازمة لإدارة الموارد المائية.
  • تطوير قواعد المعلومات الخاصة بالموارد المائية المستخدمة في الري والتنمية الزراعية ،واستخدام نظم المعلومات الجغرافية في تحديد وتوصيف المناطق الزراعية المروية والاحتياجات المائية .

تشكل ندرة الموارد المائية احد المعوقات الرئيسية للتنمية الزراعية في الوطن العربي والتي سوف تتفاقم في المستقبل نظرا لتزايد الطلب على المياه نتيجة زيادة السكان ومتطلبات النشاط الصناعي و التوسع في الزراعة المروية لأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتستهلك الزراعة في المنطقة العربية حوالى 80  في المائة من الموارد المائية المستثمرة.

إشكالية الموارد في المنطقة العربية سوف تزداد تعقيدا في المستقبل نظرا لكون أكثر من 50% من الموارد المائية المستعملة حاليا في المناطق العربية بالشرق الأوسط تأتى من مصادر مائية خارج الوطن العربي ولقد ركزت معظم هذه الأقطار العربية خلال العقود الأخيرة على تنمية واستغلال الموارد المائية المتاحة لسد حاجيات الطلبات الزراعية أو القطاعية الأخرى على الماء.

لكن هذا الاتجاه أدى إلى استنزاف وتدهور المياه في عديد من الأحواض المائية العربية حيث أن هناك دول في المنطقة وصلت في استهلاكها إلى الحد الأقصى المسموح بها بالقياس إلى إمدادات المياه المتوفر فيها كما أن الاستهلاك في الزراعة لبعض الدول في  دول الخليج العربى والمغرب العربي يزيد على كميات المياه الجوفية المتجددة الشيء الذي تسبب في ارتفاع الملوحة وفى تدنى نوعية المياه المستثمرة وكذلك خصوبة الأراضي المروية في هذه الأقاليم .

وبدا واضحا الاستمرار في هذه النهج الشيء الذي أدى ودعي حكومات الدول العربية إلى التفكير في اعتماد استراتيجيات جديدة لحل مشكلة المياه في المنطقة يكون حجرها الأساسي هو الادارة المتكاملة للموارد المائية والأرضية واستخدام الأساليب الفنية والمؤسسية والاقتصادية التي تساعد على تطبيقها لأجل المحافظة والاستخدام الأمثل لهذه الموارد ، ومن المعلوم أن المفهوم الحديث للإدارة المتكاملة للموارد المائية والأرضية يشمل عدة عناصر منها عناصر فنية وعناصر تنظيمية وعناصر اقتصادية للحد من فواقد المياه وتوجيه تخصيص استعمالاتها .

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى