المياهالنيلحوارات و مقالاتمشروعات الري

د خالد محمود أبو زيد يكتب:”ما لايقاس لا يدار”… قراءة في التقرير الثالث للوضع المائي في المنطقة العربية

المدير الإقليمي للموارد المائية بمنظمة سيداري

عضو مجلس المحافظين بالمجلس العربي للمياه

يحتفل العالم  في 22 مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه، ولكل عام موضوع تحدده الأمم المتحدة، وموضوع هذا العام هو “عدم إهمال احد” والذي يتمشى مع الهدف السادس للمياه من أهداف التنمية المستدامة لأجندة التنمية 2030، وشعاره “المياه والصرف للجميع”.  ويندرج تحت الهدف السادس للمياه، 8 أهداف فرعية يندرج تحتها 12 مؤشر لقياس الإنجاز المحرز في تحقيق هذه الأهداف.

وبهذه المناسبة أود أن ألقي الضوء على بعض مؤشرات الوضع المائي في المنطقة العربية التي وردت بالتقرير الثالث للوضع المائي في المنطقة العربية والذي تم عرضه منذ عدة ايام، التقرير الذي يتابع أيضا مؤشرات الإنجاز المحرز في مؤشرات الهدف السادس للمياه بأجندة التنمية المستدامة في الدول العربية. فمنذ بضعة أيام، إنعقدت في الفترة من 16 إلى 17 مارس 2019 الجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه، وحسب الدستور المنظم للمجلس يقوم المجلس بعرض تقرير دوري عن الوضع المائي في المنطقة العربية أمام الجمعية العمومية كل ثلاث سنوات.

وقد حرصنا كأحد مؤسسي المجلس العربي للمياه والذين شاركوا في صياغة دستوره، أن نؤكد على أهمية أن يوفر المجلس العربي للمياه البيانات والمؤشرات التي تدعم متخذي القرار في تطوير إدارة منظومة الموارد المائية ووضع السياسات والإستراتيجات اللازمة لمجابهة التحديات المائية المتزايدة.  ومنذ إنشاء المجلس وقد أخذ مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري) بالإشتراك مع المجلس العربي للمياه مهمة إصدار تقرير دوري للوضع المائي في المنطقة العربية كل ثلاث سنوات. وهو أول تقرير يصف حالة المياه من خلال منهجية معتمدة على مؤشرات محددة في منطقة جغرافية وعلى مستوى كل دولة، على غرار تقارير حالة البيئة التي تعدها الدول على المستوى الوطني.

وقد تطورت المؤشرات المستخدمة من تقرير لآخر حتى وصل عدد مؤشرات التقرير الأخير الذي تم عرضه منذ أيام إلى 230 مؤشر ومعامل مقسمين إلى 15 مجموعة تشمل مؤشرات: المياه المتاحة، المياه والإستخدامات، المياه وإستخدامات الأراضي، المياه والخدمات، المياه والطاقة، المياه والسكان، المياه والصحة، المياه والنوعية، المياه والنظم الإيكولوجية، المياه والمناخ، المياه والحوكمة، والمياه والعلاقات الدولية.

وقد كان لي شرف القيام بدور المنسق الإقليمي ورئاسة فريق العمل لإصدار هذه السلسلة من التقارير الدورية منذ أن تبلورت الفكرة فى عام 2004.

ولا شك أن التوصل إلى توافق بين جميع الدول العربية حول المؤشرات التى ستستخدم فى التقرير له تحدياته ولكن التدريب وتجميع البيانات وتوحيدها والتأكد من صحتها يمثل تحدى أكبر.

وها نحن الآن ندشن التقرير الثالث للوضع المائي في الدول العربية حيث يصدر التقرير هذه المرة تحت مظلة المجلس الوزارى العربى للمياه بجامعة الدول العربية، والذي هو نتاج جهد ثلاث سنوات بالتعاون مع نقاط الإتصال بالوزارات المعنية بالمياه في 22 دولة عربية.

وكما تعاني المنطقة العربية من شح المياه فإنها أيضاً تعاني من شح البيانات والمعلومات.  ومن هنا جاءت أهمية إستخدام تكنولوجيا الإستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية للحصول على بعض المعلومات الخاصة بالأمطار وإستخدامات الأراضي وإستهلاك الغطاء الخضرى من زراعات مطرية وفواقد البخر والزحف العمراني على الأراضي الزارعية وتأثير ذلك على إستخدامات المياه. 

إن مالا يقاس لايدار، فلا نستطيع أن ندير ما لا نقيسه، ولابد من الحصول على المعلومات اللازمة لإدارة المياه بالكفاءة المطلوبة. 

فدعوني في السطور القادمة أشارككم أهم ملامح ومؤشرات التقرير الثالث  للوضع المائي في المنطقة العربية.

يشير التقرير الثالث للوضع المائى فى المنطقة العربية، إلى أن الموارد المائية الزرقاء (السطحية والجوفية) المتجددة العذبة الداخلية تقدر بحوالى 91 مليار مترمكعب في العام (م3/عام)، وأن المياه التى تنبع من خارج المنطقة العربية تصل إلى حوالى 145 مليار م3/عام، وأن المياه الخضراء التى ساهمت مباشرة فى الزراعات المطرية والغطاء الخضري وصلت لحوالى 150 مليار م3/عام.

وصلت الموارد المائية غير التقليدية لحوالى 74 مليار م3/عام، وتشمل 7.55 مليار م3من المياه المحلاه، 18 مليار م3 من الصرف المنزلى، 6.7 مليار م3 من الصرف الصناعي، 28 مليار م3 من مياه الصرف الزراعي، وحوالى 13.75 مليار م3 من المياه الجوفية المعاد إستخدامها والمياه الجوفية شبة المالحة.

ويستخدم من هذه الموارد المائية غير التقليدية حوالى 29 مليار م3/عام، بالإضافة إلى ما تستخدمة الدول العربية من المياه العذبة التى تصل لحوالى 235 مليار م3/عام.

ونتيجة للشح المائى فى المنطقة فقد وصل متوسط نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة لحوالى 565 متر مكعب/فرد/عام، أى تحت حد الفقر المائى المعروف بحوالى 1000 متر مكعب/فرد/عام.  وهناك حوالى 17 دولة عربية تحت حد الفقر المائى.

وصل الزحف العمرانى على الغطاء الخضرى الى حوالى 188 ألف هكتار أدت الى إستبدال إستخدام المياه المستهلكة فى الغطاء الخضرى المقدرة بحوالى مليار متر مكعب/عام، بإستخدامات منزلية مقدرة بحوالى 1.7 مليار م3.

وبلغ عدد المحرومين في الدول العربية من خدمات مياه الشرب النقية الى حوالى 63 مليون نسمة، وعدد المحرومين من خدمات الصرف الصحى الاَمن لحوالى 79 مليون نسمة.

أدت التغيرات المناخية إلى تواتر الأحداث المناخية الحادة كالسيول والتي تتفاقم اَثارها بسبب التوسعات العمرانية غير المخططة، حيث وصلت عدد أحداث السيول الحادة إلى حوالى 90 حدث فى الفترة من 2012- 2015 أدت الى حوالي 660 حالة مسجلة من الخسائر البشرية بتلفيات مادية مسجلة تقدر على الأقل بحوالي 840 مليون دولار.

وقد أوضح مؤشر إنتاجية المياه في الصناعة (شاملة الصناعات الإستخراجية مثل البترول والغاز) متوسط حوالى 753 دولار/م3 على مستوى الدول العربية، ومتوسط حوالى 1.16 دولار/م3 لإنتاجية إستخدام المياه فى الزراعة.

وحول مؤشر العمالة والتوظيف وعلاقته بإستخدامات المياه أشار متوسط التوظيف فى الزراعة إلى حوالى 900 وظيفة لكل مليون م3 مستخدمة فى الزراعة وحوالى 17000 وظيفة لكل مليون م3 مستخدمة فى الصناعة.

وبالنظر إلى المؤشرين السابقين قد يرى متخذى القرار أن توجيه المياه إلى قطاع الصناعة يعطى عائداً إقتصادياً أكبر وتوظيف لعدد أكبر من توجيه المياه إلى الزراعة فى المنطقة العربية، مما يدعو إلى ضرورة وأهمية النظر إلى تأثير ذلك على الأمن الغذائي فى المنطقة العربية إذا ما أنتهجت الدول هذه السياسة في  ظل شح الموارد المائية المتجددة.

وبالنظر لمؤشرات المياه الإفتراضية (المستوردة لسد الفجوة الغذائية) ودورها في تحقيق الأمن الغذائي نظرا لقلة الموارد المائية المتاحة، فقد قامت الدول العربية باستيراد ما يقدر بحوالى 288 مليار م3/عام من المياه الافتراضية من المنتجات الزراعية الغذائية تقدر قيمتها بحوالى 70 مليار دولار.

كما قامت بتصدير حوالى 33 مليار م3/عام من المياه الافتراضية فى صورة منتجات زراعية غذائية مقدرة بحوالى 57 مليار دولار.

وبمقارنة حجم الإستيراد والتصدير من المياة الإفتراضية والقيمة الإقتصادية لتلك المياة الإفتراضية نجد أن الدول العربية تلجأ إلى تصدير المنتجات ذات القيمة الإقتصادية العالية والأقل إستهلاكاً للمياه وتستورد المنتجات ذات القيمة الإقتصادية الأقل والأكثر إستهلاكاً للمياه، والذي يعكس سياسات الدول فى إستغلال الميزة النسبية لزراعة المنتجات محليا مقارنة بإستيراد إحتياجاتها الأخرى .

ومن جانب آخر أشارت مؤشرات حوكمة المياه إلى أن الدول العربية تفقد حوالي 5.8 مليار م3 من شبكات المياه المنزلية والحضرية نتيجة لتهالك الشبكات والحاجة للإحلال والتجديد، كما بلغت الفواقد التجارية من الإمداد بالمياه المنزلية والحضرية حوالي 3.2 مليار م3 من المياه لم يتم المحاسبة عليها نتيجة الوصلات غير الرسمية أو الفواتير غير المحصلة من المستخدمين.

كما تم تقدير متوسط مؤشر الكفاءة الكلية لاستخدام المياه على مستوى الدول العربية بحوالي 73%، ومتوسط مؤشر إستنزاف الموارد المائية المتجددة بحوالي 136% والذي يعكس ندرة الموارد المائية المتجددة ولجوء الدول العربية لاستخدام المياه الجوفية غير المتجددة. 

كانت هذه بعض مؤشرات التقرير الثالث للوضع المائي في المنطقة العربية والذي يصدره سيداري والمجلس العربي للمياه كل ثلاث سنوات.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى