الأخبارالانتاجالصحة و البيئةالعالمالمناخبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د عبدالسلام منشاوي يكتب: تأثير التغيرات المناخية على محصول القمح والأمن الغذائي

رئيس بحوث بقسم بحوث القمح في سخا-معهد المحاصيل الحقلية

الزراعة هي عصب الحياة وصمام الأمان للأمن الغذائي وهي الحل الأمثل لمشكلة الغذاء.تعد مصر حالياً من البلدان التي تعاني من معدلات منخفضة للغاية من الاكتفاء الذاتي للسلع الغذائية وتعتبر دولة مستوردة للغذاء إذ تعتمد على الخارج في استيفاء احتياجاتها الغذائية. تغير المناخ يشمل الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي من توافر الغذاء، وقدرة الوصول إليه، وقدرة استخدامه، واستقراره.

تُعد قضية تغير المناخ Climate Change هي القضية الملحة الأكثر تداولا حالياً على المجتمع الدولي عامة ومصر خاصة وذلك نظراً لما قد يسببه تغير المناخ من تأثيرات وتداعياتمستقبلية خطيرة. ولقد تمتصنيف مصر في بعض التقارير على إنها واحدة من 5 دول على مستوى العالم هي أكثر تعرضا للآثار السلبية للتغيرات المناخية سواء بارتفاع سطح البحر أو غرق أجزاء من الدلتا وما يسببه ذلك من أضرار اجتماعية واقتصادية. واتضح إن اتخاذ تدابير للتكيف قد تكون ضرورية من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي في مصر في ظل تغير المناخ.

تعريف التغيرات المناخية:

يعرف التغير المناخي بأنه أي تغير مؤثر وطويل المدى في معدل حالة الطقس يحدث لمنطقة معينة، (تحول في نمط الطقس لمدة لا تقل عن ٣٠عاماً). وعليه فإن سنة حارة أو باردة لا تدل على التغير المناخي ولكن ميل درجة الحرارة إلى الارتفاع لسنوات عديدة يشير إلى تغير المناخ. وفي الواقع هناك تباين كبير في الآراء حول موضوع التغير المناخي.

يوجد فريق يستخدم الموضوع للترويع والتخويف بسبب المبالغة في التأثيرات الناتجة عن التغيرات المناخية ويصورها بأنها شيء مؤكد وحتمي بل يعزو كل المشاكل والكوارث الكونية (انخفاض إنتاجية المحاصيل الموارد المائية وتفشي الأمراض وارتفاع منسوب سطح البحر) لها ويعتبرها فزاعة للتخويف.

وعلى النقيض نرى طرف أخر ينفي ذلك معللا لرأيه بأن هذه التوقعات المناخية يشوبها الشك أو عدم اليقين حيث تتم وفق نماذج محاكاة وافتراضات سيناريوهات تغير المناخ وعلية نجد اختلاف بين المخرجات في السيناريوهات المختلفة من نموذج لأخر. وهناك الرأي الوسط الذي يقول علينا أن نهتم بالظواهر والأحداث المناخية بعيدا عن التهويل والتهوين وتسخير البحث العلمي والاستفادة منه في معالجة تلك الظواهر والأحداث ومواصلة البحث والتطوير والتحديث بمنهاج علمي.

أسباب التغيرات المناخية:

هناك أسباب عديدة للتغيرات المناخية، فمنها أسباب طبيعية والتي تشمل ثورات البراكين وقلة الزراعة وظاهرة البقع الشمسية والأشعة الكونية، ومنها أسباب غير طبيعية وهي تشمل المسببات الناجمة عن الأنشطة الصناعية ونواتج الأنشطة والغازات المنبعثة من مياه الصرف الصحي خاصة الميثان. كل العوامل السابقة تتسبب في انبعاث أربعة غازات حرارية وهى: ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز و الميثان والكربون الهالوجينى (الهالوكربونات(.

ملامح التغيرات المناخية :

تشير بعض التقارير إلى أن هناك تغير في درجات الحرارة والجفاف الشديد والأمطار سواء بالزيادة أو النقصان. تظهر دراسات مناخية حديثة أن درجات الحرارة باتت تتجاوز المستويات القياسية سواء بالزيادة أو بالنقص بوتيرة أكثر تكرارا. كما يتوقع أن تشهد مصر بصورة أساسية انخفاضات في معدل الأمطار، حيث من المتوقع أن يكون الانخفاض بنسبة 20% في غرب البلاد، بالإضافة إلى حدوث تغيرات طفيفة على المناطق الجنوبية.

أثر التغيرات المناخية علي مصر:

على الرغم من التفاوت الكبير في تقدير الخسائر المتوقعة إلا أن معظم الدراسات اتفقت على أن
تأثير التغيرات المناخية ينعكس على جوانب عديدة. المناطق الساحلية ودلتا النيل من المتوقع تعرض أجزاء من الدلتا تقدر بنحو١٥ % للغرق نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري. كما قد تؤدي إلى زيادة معدلات تمليح الأراضي الساحلية وارتفاع مستوى المياه الجوفية وازدياد معدلات البخر وانخفاض مستوى الترسيب مما سيؤثر على النظام الزراعي.

تشير الدراسات أن البيئة البحرية تبدي قابلية تأثر عالية بارتفاع منسوب سطح البحر. كما يتوقع زيادة معدلات التصحر، حيث يقصد بالتصحر “انخفاض في القدرة الإنتاجية للأراضي الجافة وشبة الجافة. قد تتأثر الصحة العامة للبشر من خلال موجات الحرارة المتطرفة والتي ستشكل تحدياً ملموسا لصحة البشر.

تأثير التغيرات المناخية على المياه وقطاع الزراعة:

أجريت بعض الدراسات لتقييم أثر التغيرات المناخية على تدفقات المياه في نهر النيل وقد اختلفت هذه الدراسات فيما بينها اختلافاً واضحاً من حيث النتائج التي توصلت إليها، مما يشير إلى أن هناك درجة كبيرة من الشك تحيط بهذا التأثير. وفي حالة تأثر نهر النيل سوف تتأثر المياه الجوفية بدلتا النيل. في حين أن المياه الجوفية الصحراوية من المتوقع عدم تأثرها حيث أن معظمها غير متجددة ولا تتأثر بالتغيرات المناخية. وقد تزداد ملوحة مياه الخزانات الجوفيةالساحلية نتيجة طغيان البحر.

قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات المناخية. الزراعة هي مفتاح التقدم الاجتماعي والاقتصادي في مصر فهي تلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد القومي المصري.تناولت العديد من الدراسات قياس التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية على إنتاجية عدد من المحاصيل الزراعية. تتوقع بعض الدراسات أن يكون هناك نقص في محصول القمح نتيجةللتغيرات المناخية بنحو ١٨% خلال عام ٢٠٥٠. كما تشير بعض الدراسات باستخدام عدد من النماذج والاحتمالات والمعادلات، إلى زيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل الرئيسية بمنطقة الدلتا فوق المعدلات الحالية بحلول عام ٢٠٥٠حيث تزداد الاحتياجات المائية القمح ٢٨%.

عدم اليقين في تقييم أثر تغير المناخ

هناك أوجه كثيرة للشك في التوقعات المستقبلية لتغير المناخ والتأثيرات المترتبة عليها. والعديد من هذه الأوجه معروفة تماماً، غير أن البعض لم يزل غير معروف. وينشأ أحد أوجه عدم اليقين بسبب عدم معرفتنا حتى الآن بالكيفية التي سوف يغير بها البشر المناخ في المستقبل. وهناك وجه آخر من أوجه عدم اليقين يتعلق بالفهم التام للنظام المناخي أو عدم القدرة على نمذجة بعض ملامح هذا النظام على نحو مناسب. كما أن تقلب المناخ كثيراً في العمليات الطبيعية من عام إلى عام ومن عقد إلى عقد يعتبر وجه من أوجه الشك في أثر التغيرات المناخية.

ومع هذا، فمع خضوع هذا الأمر للدراسة الوافية في ظل الظروف التجريبية، فإن مدى تأثير التغيرات المناخية على أداء إنتاجية القمح يظل غير مؤكد ومحل خلاف. ومن ثم ينبغي العناية بالدراسات التي تجرى على أثر تغير المناخ على المحاصيل والنظم البيئية من أجل تحديد الافتراضات التي بنيت على أساسها.

الجهود المصرية لمواجهة التغيرات المناخية:

هناك جهود مبذولة من الدولة، منها التصديق على اتفاقيات الأمم المتحدة للتغيرات المناخية وبدء مشروع الخطة القومية لمواجهة أثر التغيرات المناخية وقد وقعت مصر على بروتوكول كيوتو وتم إعداد إستراتيجية آلية التنمية النظيفة وتم تشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة و تم إعادة تشكيل اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية.

إن الحاجة لتهيئة المحاصيل الزراعية للتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة أصبحت
واحدة من أهم التحديات التي تواجه التطوير في قطاع الزراعة. يجب أن تكون هذه التهيئة متكاملة وفعالة ومستمرة ومخطط لها على المدى البعيد. قد يواجه القطاع الزراعي انخفاضا في الناتج الزراعي أذا لم يتم اتخاذ تدابير كافية للتكيف. إن التكيف مع تغير المناخ قد يكون فعل تلقائي (وذلك بالتربية لاستنباط الأصناف تحت نفس الظروف التي من الممكن أن يكون حدث بها تغير)، أو مخطط له.

ولتخفيف المخاطر يجب إحداث تغيرات جذرية في السياسات الزراعية والمائية الحالية تركز على إعطاء قدر أكبر من الاهتمام للإسراع بمعدل النمو في الإنتاجية الزراعية بالإضافة إلى مضاعفة الإنفاق على البحوث الزراعية خصوصا البحوث المتعلقة باستنباط وتطوير الأصناف وخاصة الأصناف المتحملة للملوحة والحرارة والجفاف والأصناف قصيرة العمر والمقاومة للأمراض والآفات. إن زراعة أصناف من القمح تتحمل درجات الحرارة المرتفعة بالإضافة إلى مقاومتها للجفاف إلى جانب زراعة القمح في الميعاد المناسب مع الالتزام بالسياسة الصنفية لأصناف القمح على المناطق الجغرافية من الممكن أن يمنع التأثيرات السلبية المتوقعة أو على الأقل يخففها.

بالرغم من الجهود المصرية الكثيرة المبذولة لمجابهة قضية التغيرات المناخية مازلنا
نحتاج إلى العديد من الدراسات والبحوث المتخصصة. كما أننا نحتاج للكثير من الدراسات التطبيقية التي تطور نظم جديدة للتخفيف من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية أو التكيف مع هذه التأثيرات عند حدوثها.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى