الأخبارالانتاجالصحة و البيئةالعالمالمناخالمياهبحوث ومنظماتمصر

د أحمد شوقى يكتب: استخدامات الموارد المائيه: مؤشرات الندره و تحديد الميزان المائي

 خبير أول المياه بإحدى مؤسسات التمويل الدوليه

على مدار ال 30 سنه الأخيره تناقلت الحكومات و الجهات المعنيّه بالأمن المائى ما يعرف بمؤشرات الشح المائى Water Security Index، و أشهرها هو حد الندره المائيّه 1000 م٣/نسمه/عام و حد الفقر المائي 500 م٣/نسمه/عام.

تعود مؤشرات ال WSI ـلدراسات سريعه صدرت فى 1986 و 1989 و ركّزت على استخدام المياه فى إسرائيل، و اقترحت أن أى دوله غير مطيره semi-arid و تصبو لكى تكون دوله صناعية أو متقدمه يلزمها موارد مائيه على الأقل تساوى 500 م٣/نسمه/عام.

ومن ذلك يكفى 50 م٣/نسمه/عام للإستخدام المنزلى و الصناعى (130 لتر/نسمه/يوم)، و 50 للتوازن البيئى، و الباقى 400 تذهب للزراعه/الرى أى بنسبة 80%.

و من النسبه الأخيره المرتفعة يتبين لنا أن أكبر قدر من التعايش مع الندره coping سوف يحدث عندما يتطور المجتمع من مجتمع زراعى إلى مجتمع متنوع الاقتصاد (خدمى، صناعى، زراعى)، فيستطيع اقتصاده أن يستورد المنتجات كثيفة استهلاك المياه من الدول المطيره.

ذلك يعرف بمفهوم المياه الافتراضية Virtual Water، و يصل فى تطوّره الأمثل إلى تعظيم الميزان التجارى net exports لوحدة المياه، مع الإبقاء على حد أدنى مقبول من نسبة الاكتفاء الذاتي (مثلاً 50%) فى إنتاج سلع زراعيه محدّده. بينما أن البلدان التى تحصل على مؤشر 1250 م٣/نسمه/عام على الأقل، هى وحدها التى ستقدر على “ترف” الإكتفاء الذاتي فى انتاج الغذاء و معظم منتجات الزراعه.

اللافت أن إسرائيل تستخدم المياه حالياً بمعدل حوالى 285 م٣/نسمه/عام وذلك انخفاضاً ب 25% عن حقبة الثمانينات، نتيجة الاستثمارات الجاده فى تقنيّات الترشيد و التدوير، مع تنوّع الاقتصاد و عدم تركيزه على الزراعه. عالمياً مؤشّر الاستخدام يبلغ فى المتوسط average حوالى 500 م٣/نسمه/عام كمتوسط لدول العالم؛ بينما أن ال median (الرقم الذى تزيد عنه 50% من الدول) هو فقط 340. إذ أنه من مجموع 170 دوله نجد 110 دوله تستخدم أقل من 500 م٣/نسمه/عام؛ و 40 دوله تستخدم بين 500 إلى 1000؛ و فقط 20 دوله تحظى بإستخدام أعلى من 1000 م٣/نسمه/عام.

لاحظ أن كل الأرقام أعلاه تحسب مستوى استخدام المياه لوحدة الفرد أى ال water use، و ليس الوارد الكلى للموارد المائيه resource availability، و الذى قد يكون أكبر عدة مرات فى الدول المطيره.

وصلت مصر إلى حد الفقر المائى، حوالى 500 متر مكعب من المياه، للفرد سنويا، مما يحتم علينا بترشيد ما هو موجود من موارد مائيه، شاملاً التدوير reuse (أو ما يعرف حديثاً بال circular economy وهو تدوير العوادم و المخلفات)، و الحفاظ عليها من التلوّث، علاوه على تطوير موارد مائيه جديده. واقعياً تبدو وفورات الترشيد والتدوير و التطوير مقيّده بمحدودية الاستثمارات الماليه فى أى دوله محدوده/متوسطة الدخل، إيراداتها الماليه مثقله بأولويات الاستثمار فى الطاقه و الطرق و الصحه و التعليم والمياه و البنيه التحتيه الخ.

و بديهياً فإن استثمارات الطاقه قد تكون مقدّمه على استثمارات موارد المياه، لأن من يملك الطاقه يستطيع تحلية المياه المالحه و معالجة المياه العادمه.

التنفيذ لابد أن يسبقه التخطيط، ومنه يمكن تحديد ميزانيه تشمل إنفاق مرصود من المال العام زائد تمويل خاص مستهدف. فإذا كانت دول متقدّمه تكيّفت مع مستوى استخدام 500 م٣/نسمه/عام أو أقل، و هو حد الفقر المائى، فما هى أدوات التخطيط التى تساعد متخذ القرار فى تحديد أولويات الإنفاق على قطاعات الطاقه و المياه و قطاعات الاقتصاد الأخرى،

مثلاً لحساب القدر المطلوب للاستثمار فى ميكنة/تحديث الرى و الزراعه، و تنويع الاقتصاد بتحويل الزراعه لصناعه (الصوبات وال soil-less farming)،

و حساب المستوى المستديم للتوازن بين الاكتفاء الذاتى و الإستيراد virtual water ؟ منذ عشرين سنه تطّور موضوع ال WSI إلى موضوع أكثر جدّيه و هو “المحاسبه المائيه” WA Water Accounting؛

و قد كتب الزميل الدكتور أسامه سلام عنها فيما يسمى بأبحاث “البصمة المائيه”، والتى أحدثت تطوّر ممتاز فى كيفية فهم استخدامات المياه المختلفة. و يتطلب ال WA أولاً ضبط حساب الميزان المائى (و يساعد ذلك على حساب الكفاءه الفنيه فى استخدام و تدوير المياه)، وثانياً ربط الميزان المائى بالإقتصاد الكلى من خلال النمازج الاقتصاديه القطريّه CGE أو على الأقل نماذج قطاعيّه Partial Equilibrium كنماذج الاقتصاد الزراعى، و ذلك لدراسة كفاءة التخصيص/التوزيع allocative efficiency لموارد المياه و الأرض و العماله و المال.

الأشمل هو ربط هذين من خلال تطوير برامج دعم اتخاذ القرار DSS تسمّى hydro-economic models. وبدون ذلك الشمول فى الحسابات قد يكون الحديث عن البصمه المائيه منقوصاً، لا يفيد متخذ القرار. ويمكن توضيح ذلك بمثال بسيط كيف؟

حسابات البصمه المائية فى مصر قد تشير إلى أن بصمة الأرز أعلى ثلاثة مرات من بصمة الحمضيات والزيتون والبطاطس، أى أن الأخيرة أكثر ترشيداً للمياه بنسبة ٣:١؛ ولكن بعد اختبارها فى نماذج CGE، متضمناً ميزان مائى مظبوط و دوال ميزان المدفوعات و تحوّط الفلاح من المخاطر و المساحه المطلوبه لغسيل الدلتا و دفع التداخل الملحى، قد نستخلص أن التركيب المحصولى الأمثل يحتاج مساحات أرز بحوالي 800 ألف فدان مثلاً، أى أكبر من مساحات المحاصيل السالفة.

فماذا استفاد مُتَّخِذ القرار بمعرفة نسبة ال ١:٣ بمعزل عن تحليل باقى مدخلات/مخرجات الإقتصاد، اللهم إلا مجرد توعية عامة الناس بأن طن الأرز يحتاج كمية مياه ثلاثة مرات قدر طن الزيتون، والكلام المكرّر عن المياه الإفتراضية الذى سمعناه منذ عشرين سنه (سمعته فى عام 2002 من المهندس عبد الوهاب مطاوع رئيس قطاع مياه النيل سابقاً)؟.

لا توجد فائده من ال WA بدون التخطيط الشامل من خلال دمج نمازج التحليل المائية و النماذج الاقتصاديه. و حديثاً قامت الدول التى تواجه تحديّات تخطيط الموارد المائيه كالمغرب و باكستان بتطوير ال Hydro-economic models، و يمكن أن نتناول ذلك فى حديث لاحق.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى