اسماكالأخبارالانتاجالصحة و البيئةالعالمالمياهالنيلمصر

المصانع الصينية تحول إستكاوزا النيل إلي مشروع إقتصادي عملاق

مفهوم جديد للعلاقات الصينية العربية: المصانع الصينية تحول إستاكوزا النيل في مصر إلى قيمة اقتصادية

انطلق يحيى عبد الله مع زملائه الصيادين بقواربه الأربعة في نهر النيل في مصر بحثا عن “إستاكوزا  المستنقعات الحمراء أو ام يطلق عليها أستاكوزا المياه العذبة”، التي كانت تعتبر في السابق من الكائنات الغازية غير المرغوبة فيها في النهر، لصيدها وتوريدها إلى مصنع صيني كمصدر جديد للدخل.
وفي الوقت نفسه، كانت زوجته وابنته الصغيرة وأفراد الأسرة الآخرون يقومون بالفرز ووزن الإستاكوزا وتخزينها في صناديق بلاستيكية بيضاء مغطاة بالثلج في فناء منزلهم، المطل على النيل في إحدى قرى محافظة المنوفية، شمال القاهرة.
وقال عبد الله، البالغ 40 عاما أثناء رحلة الصيد، إن “العمل في مشروع الإستاكوزا غير حياتي وحياة العديد من الصيادين والعمال في القرية، بعد أن فتحت الشركات الصينية مصانع في مصر لمعالجة وتصدير إستاكوزا المستنقعات الحمراء، التي اعتدنا أن نتخلص منها في الماضي، باعتبارها نوعا ضارا وغير مرغوب فيه”.
وظهرت إستاكوزا المياه العذبة لأول مرة في مصر في منتصف التسعينيات، حيث تم جلبها من الخارج لاستزراعها من قبل مستثمر مصري لديه مزرعة أسماك ظنا منه أنها جمبري.
وعندما كبرت هذه الكائنات بأرجل أمامية شبيهة بالمخالب التي يمكن أن تقطع شباك الصيد، قام الرجل بالتخلص منها بإلقائها في نهر النيل، حتى انتشرت في النهاية على طول النهر من محافظتي دمياط والبحيرة شمالا إلى محافظة أسوان جنوبا.
وظن الجميع في البداية أنها من الأنواع الغازية الضارة، واشتكى الصيادون أنها تهاجم شباك الصيد وتأكل بيض السمك، وطالبوا بإيجاد طريقة للتخلص منها.
وأوضح عبد الله، أن الصينيين نشروا الوعي حول إستاكوزا المستنقعات الحمراء في مصر على مدار العقد الماضي، مضيفا أنه بدأ العمل في مشروع الإستاكوزا في عام 2013 مع مصنع صيني في مدينة العبور بمحافظة القليوبية، شمال القاهرة.
وتابع أنه “مع نمو حجم العمل أصبحت موردا للإستاكوزا بدلا من مجرد صياد، فأنا الآن أقوم بجمع الإستاكوزا من الصيادين وتوريدها للمصنع الصيني الجديد الذي أتعامل معه حاليا في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية” شمال شرق القاهرة.
ويورد عبد الله، الذي اشترى مؤخرا سيارة جديدة بفضل ازدهار العمل، حوالي ثلاثة أطنان من إستاكوزا المستنقعات الحمراء للمصنع الصيني يوميا خلال الموسم الذي يمتد لستة أشهر.
وقال شقيقه الأكبر سامي عبد الله، إنهم يتركون شباك صيد الإستاكوزا المصنوعة على الطريقة الصينية لمدة 24 ساعة في النيل، حيث يضعونها كل صباح ويجمعونها في صباح اليوم التالي.
وأكد أن صيد الإستاكوزا له فائدة مزدوجة “حيث أنه يعطي الفرصة لنمو الثروة السمكية، لأن الإستاكوزا تأكل بيض السمك، وأيضا يأتي بمنتج جديد يتم بيعه وتصديره، وهو ما يعد فائدة اقتصادية لمصر”.
وبين الصياد، أن تجارة إستاكوزا المستنقعات الحمراء أحدثت فارقا كبيرا في حياة العديد من المصريين، ووفرت فرص عمل للكثير من الصيادين والموردين وعمال المصانع وسائقي الشاحنات وغيرهم.
وفي فناء المنزل المطل على النهر، كانت يارا، ابنة عبد الله البالغة من العمر 13 عاما، ترتدي قفازات أثناء فرز الإستاكوزا والتخلص من الميت وصغير الحجم منها قبل نقلها إلى والدتها لوزنها داخل الصناديق البلاستيكية.
وقالت الفتاة الصغيرة، “نحن نتخلص من الإستاكوزا الميتة بينما نعيد الصغار إلى النهر”.
وأضافت بحماس، “لا أخاف من الإستاكوزا، وأستطيع أن أمسكها بيدي بدون قفازات، أذهب إلى المدرسة لكني أحب هذا العمل مع عائلتي أيضا”.
وأشارت يارا إلى أنها تحب طعم الإستاكوزا بعد طهيها.
وعلى بعد أقل من مائة كيلو متر، في مدينة العاشر من رمضان بالشرقية، يوجد مصنع “هوت لايف” الصيني الضخم لمعالجة الاستاكوزا وتصديرها إلى الصين، حيث يتكون المصنع، الذي يتبع شركة “بكين سبايس سبيريت فود المحدودة”، من طابقين وتم بناؤه على مساحة تبلغ حوالي تسعة آلاف متر مربع.

وبدا المصنع كأنه خلية نحل، حيث يوجد حوالي 300 عامل في خط الإنتاج، من بينهم 160 مصريا، يعملون على فترتين لمدة 22 ساعة يوميا خلال موسم صيد الإستاكوزا من إبريل إلى سبتمبر من كل عام.
وتمر إستاكوزا المستنقعات الحمراء بالعديد من العمليات داخل الأقسام المختلفة في المصنع، منها عمليات الفرز والغسيل والقلي والتبريد والتعبئة والتغليف، ثم يتم تجميدها بعد ذلك في ثلاجات عند درجة حرارة -18 درجة مئوية لتصبح جاهزة للتصدير، حسب مدير مراقبة الجودة المصري كريم محمد.
وقال هان دونغ، رئيس ومدير عام لشركة “بكين سبايس سبيريت فود المحدودة”، إن الشركة قررت إنشاء قاعدة إنتاج في مصر تتضمن سلسلة صيادين مصريين يوردون مباشرة إلى العملاء الصينيين، مؤكدا أن ذلك يضمن جودة أعلى وتكلفة أقل في نفس الوقت.
وأوضح المدير الصيني أن “جميع الماكينات الموجودة بالمصنع تم جلبها مباشرة من الصين، حيث استغرقنا حوالي أربع سنوات لتصميمها وفقا لمعاييرنا واحتياجاتنا”.
وأشار إلى أن المصنع تم بناؤه في عام 2015، وبدأ الإنتاج في عام 2018، كما أن الشركة لديها مصنع آخر في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، شمال غرب القاهرة.
ويصدر مصنع “هوت لايف” وحده أكثر من ثلاثة آلاف طن سنويا من إستاكوزا المستنقعات الحمراء المعالجة.
ويمكن لصناعة الإستاكوزا في مصر توفير نحو 50 ألف فرصة عمل، بما في ذلك الصيادون وعمال خط الإنتاج.
ويرتدي جميع العاملين بالمصنع معاطف بيضاء وقفازات وأحذية السلامة وكمامات وأغطية الرأس.
وقال محمد عبد المنعم البالغ من العمر 22 عاما، الذي جاء من محافظة البحيرة للعمل بالمصنع في محافظة الشرقية، إن العمل مع الصينيين جعله أكثر طموحا وقدرة على تحقيق أهداف أكبر في حياته.
وأضاف للصحفي من داخل قسم القلي بالمصنع، أن “هذه هى السنة الثالثة لي فى هذا المصنع، حيث بدأت هنا كعامل ثم ترقيت إلى مشرف مساعد ثم إلى مشرف والآن أنا مشرف عام”.
وأردف الشاب بحماس، “لقد غير العمل هنا دخلي وجعل حياتي أفضل، كما أن الشركة توفر لنا سكنا مريحا داخل المصنع، لذلك أتنازل أحيانا عن عطلتي الشهرية التي أقضي فيها بضعة أيام في بلدتي وأحصل على مكافأة جيدة جدا بدلا منها”.
وكانت وسائل الإعلام المصرية تصف في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إستاكوزا المستنقعات الحمراء التى غزت النيل وقتها بـ”حشرات” أو “عقارب” أو حتى “صراصير” النهر، وكانت رخيصة جدا في السوق المصرية في ذلك الوقت حيث كانت تستخدم في الغالب كغذاء للقراميط.
وفي محاضرة عقدت في جامعة عين شمس بالقاهرة.

قال الدكتور مجدي خليل الأستاذ بكلية العلوم إنه عندما بدأوا دراسة إستاكوزا المياه العذبة في بيئتها الأصلية وجدوا أنها تعتبر موردا قوميا في البلدان أو المناطق التي توجد فيها، مثل أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا وغيرها.
وأوضح خليل أن “الصينيين كانوا أول المستثمرين الأجانب في إستاكوزا المياه العذبة في مصر، فقد جاءوا إلى هنا وأجروا دراسات لتقييم مخزون الإستاكوزا في مصر لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم بناء مصانع لتجهيزها وتصديرها”.
وأضاف أن الصينيين قاموا ببناء أول مصنع في مصر لمعالجة وتصدير الإستاكوزا في عام 2003، حتى زاد العدد تدريجيا إلى حوالي عشرة مصانع في الوقت الحالي.
ومع ظهور صناعة الإستاكوزا، بدأت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بمصر في الاهتمام بها وأصدرت لوائح تمنع صيدها في غير موسمها وتحصيل رسوم لتصديرها.
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 80% من إستاكوزا المستنقعات الحمراء التى استوردتها الصين بين عامي 2014 و2017 جاءت من مصر.
وأكد خليل، أن “التعاون مع الصين في معالجة وتصدير إستاكوزا المياه العذبة مربح للجانبين، فهو يساعد المصريين على الاستفادة من هذه الأنواع الغازية وتحويلها إلى ميزة اقتصادية، ويساعد الصينيين على إنشاء الأعمال التجارية المربحة هنا والاستمتاع ببروتين الإستاكوزا”.

نقلا عن CGTN Arabic

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى