الأخبارالمياهالنيلبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمشروعات الريمصر

د خالد وصيف يكتب:البنت دخلت طب !

خبير موارد مائية

بعد انتهاء صلاة الفجر مباشرة، وقبل ان تتسلل أشعة الشمس لتضيئ ظلام الليل، تبدأ نغمات اجهزة المحمول فى الدق بشكل رتيب، تتبادل تحية الصباح والتهنئة على برنامج التيليجرام، مجموعة تضم ارقام تليفونات عشرين قيادة من المهندسين العاملين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء، لتسهيل التواصل فيما بينهم، هى نوبة صحيان يومية لا يستثنى منها أحد.
تلك الليلة لم يعرف الباشمهندس للنوم سبيلا بسبب الثانوية العامة. هو لديه بنتين، الكبرى طالبة فى كلية الطب، والثانية انتهت من امتحانات الثانوية العامة وتنتظر النتيجة المقرر اعلانها اليوم.
الباشمهندس كان احد أوائل دفعته بقسم الميكانيكا والتحق بالعمل في مصلحة الميكانيكا والكهرباء مسؤولا عن احد محطات شمال الدلتا، ثم تدرج فى السلك الوظيفى ليصبح مديرا عاما لمنطقة واسعة تضم اكثر من 20 محطة حيوية تقع على اطراف البحر المتوسط.
محطات الرفع تتعامل مع مياه الصرف الزراعى بعد ان استنفذت اغراضها في الرى عدة مرات.
لابد ان تعمل وحدات الرفع بكفاءة كاملة. اى تعطل ولو لدقائق يؤدى الى ارتفاع المياه في المصارف مما قد يتسبب فى خطر محدق، كما ان اى تأخير في طرد المياه قد يؤدى الى هجوم مياه البحر على المحطة.
عمل صعب محفوف بالتحديات. وكثيرا ما سائل الباشمهندس نفسه عن أسباب استمراره في هذا العمل الشاق.
كانت امامه فرص متعددة وهو شاب لتحسين وضعه، الالتحاق بشركة خاصة بمرتب مجز، او السفر للخارج مثلما فعل بعض زملائه. ماذا سيفعل لو اضطر لادخال ابنته الصغرى كلية خاصة ومرتبه محدود. وكيف سيدبر نفقات زواج البنتين ولا يفصل بينه وبين سن التقاعد الا سنوات معدودات.
أقبل عليه ساعى المكتب وهو يحمل صينية معدنية فوقها كوب شاى زجاجى بينما الملعقة الالمونيوم تصطدم بجدران الكوب محدثة صوتا أخرج الباشمهندس من الافكار التى استولت عليه. مد يده ممتنا وهو يرشف الشاى بينما يطالع البوستة الواردة التى انتهى من تأشيراتها بسرعة.
القلق ينتابه.
قرر ان يمضى اليوم فى المكتب انتظارا للنتيجة التى سيخبره بها صديق له بوزارة التربية والتعليم. دق تليفونه ودق قلبه مع النغمات. رقم غريب ربما سيخبره بنتيجة الثانوية. فتح الخط فى لهفة ثم هدأت نبرة صوته. حاضر حاضر. سأذهب الان.
لقد كان اخطارا من مشرف احد المحطات بتعطل وحدة الرفع وارتفاع مناسيب المياه. استقل سيارته مسرعا واتجه الى المحطة، والقى نظرة على مدخل المحطة والشبك الواقى امامها.
اعتاد الباشمهندس على التعامل مع كميات القمامة الهائلة التى تلقى فى مجرى المصرف. قمامة تحمل اكياسا بلاستيكية وحيوانات نافقة وتقوم المعدات برفعها دوريا. لكن هذه المرة كانت هناك شكائر بلاستيك مملؤة بدجاج نافق ملقاة فى المصرف.
افلتت من الشبك الواقى وانحشرت داخل قلب وحدة الرفع. قرر الباشمهندس بخبرته الطويلة التصرف بسرعة. سيقوم بعملية تشبه عمليات القلب المفتوح.
امر بتنزيل بوابات الحجز، وردم ما بينها بالاتربة لتدعيمها، ثم احضر وحدات نقالى لنزح المياه من بيارة الوحدة التى يبلغ عمقها تسعة امتار. القى نظرة وتأكد من جفاف البيارة ثم وجه احد الفنيين بالنزول من خلال الهواية لقاع البيارة. وتبعه ثان وثالث.
استخدموا ايديهم لسحب الشكائر لكنها كانت قابعة فى عناد ومستقرة فى قلب الوحدة. اضطروا لاحضار جرار زراعى واستخدموا حبالا ربطوها فى الشكائر وسحبوها بقوة الجرار. تقطعت الشكائر من قوة سحب الجرار فاتجهوا الى السحب اليدوى مرة اخرى. استمر العمل حتى مغيب الشمس. حيث تمكنوا من استخراج كل الشكائر ورفع الردم وازالة البوابات.
وعادت الوحدات للعمل. بدل الباشمهندس “الاوفرول” وغسل وجهه ويديه من الشحم والاتربة ثم ارتدى ثيابه مرة اخرى.
انتابه شعور هائل بالتعب والجوع، لكن كان هناك ايضا شعور غامر بالسعادة لنجاحه فى انقاذ وحدة الرفع، لولا ما بذله والفنيون من جهد لتكبدت الدولة اكثر من ربع مليون جنيه نتيجة تلف الوحدة والاحتياج لعمل عمرة لها.
فجأة تذكر الباشمهندس البنت والثانوية العامة. تحسس جيبه وبحث عن التليفون الذى تركه فى جيب الجاكيت. وجد عددا من المكالمات التى لم يرد عليها واتجه الى اولها يطلب فى عجلة.
ارتسمت على وجهه علامات الارتياح وهو يردد فى لهفة: الله يبارك فيك. الف شكر…
لقد نجحت البنت فى الثانوية العامة بتفوق وستلحق باختها فى كلية الطب.

 

Chat conversation end

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى