الأخبارالاقتصادالانتاجالصحة و البيئةالمناخالمياه

د وائل غيث يكتب: تأخير قطف ثمار الزيتون في الزراعات المطرية “جريمة”

رئيس محطة شمال سيناء و مسئول التطوير والجودة بمركز التنمية المستدامة لموارد مطروح- مركز بحوث الصحراء -مصر

من الموروث السيئ والعادات التي لانعلم من اين أتت او هبطت علينا. عادة شاذة لا تستند علي اي قيم علمية مقبوله, عادة يلجأ لها مزارعي الزيتون تحت الظروف المطريه تحديدا في مناطق مثل الساحل الشمالي الغربي وشبة جزيرة سيناء وماشابه من مناطق وايضا قله من مزراعي حقول الزيتون المروية في بعض مناطق انتشار زراعته في مصر.
حيث يعمدوا الي تأخير بقاء ثمار الزيتون علي الاشجار حتي تذبل ويتجعد لحم ثمرتها وتجف وذلك لمفهوم خاطئ جدا لديهم الا وهو انهم بهذه المعامله سوف يحصلون علي زيت وفير رائع تام النضج عالي الجودة والنكهة يشبه الي حد كبير علي حد تعبيرهم “السمن البلدي” في تميزه وقوامة ورائحته الشهيرة.
وهذا عكس الحقيقه تماما فكلما إزدادت درجة نضج هذة الثمار وتعدت مرحله تمام النضج والتلوين دخلت طبيعيا في التدهور بقوة وتراجعت رتبة زيتها من الدرجة الممتازة فائقة الجودة حيث الحموضة المنخفضة والغني بمضادات الاكسدة لاسيما مادة الاولياوربيين البوليفينوليه والتي تعمل كل الاثار الطبية الجيدة الموصي بها طبيا من الحفاظ علي تبطين جدر الشرايين بتلك المادة السحرية وجعلها ملساء بالشكل الذي يمنع تماما ترسب الكوليسترول الضار علي هذه الجدر ومن ثم الحيلولة دون الاصابة بأمراض تصلب الشرايين والجلطات وكل مايترتب علي ذلك من امراض القلب والشرايين والعياذ بالله
اي انك بهذا التأخير تنتقل بجودة الزيت من رتبة الدواء الشافي الي رتبة مواد دهنية غير صالحة للإستهلاك الادمي لما آلم بها من ارتفاع في نسبة الحموضة والتزنخ مما يجعلها قد تصلح فقط لاغراض صناعة الصابون ومعاجين الحلاقة هذا فضلا عن إنخفاض قيمتها الاقتصادية والتصديرية الشديد جدا هذا من جانب.
اما من الجانب البستاني الفسيولوجي وهو الاهم في وجهة نظري، فمن المعروف ان اشجار الزيتون المطرية تعتمد كليا وجزئيا علي مياه الامطار في تدبير إحتياجاتها الرطوبية ويمكن في بعض الاحوال ان تتلقي بعض الريات التكميلية القليله من قبل بعض المزارعين القادرين علي ذلك اما السواد الاعظم منهم فلا يقدر علي هذة التكاليف لذا فالاشجار تحت الظروف المشابهة غالبا ستكون تحت إجهاد جفاف وتأثير عطش فسيولوجي حاكم لاسيما مع ظروف التغيرات المناخية الشديدة التي تجتاح العالم مؤخرا .

تزداد مع أزمة التغيرات المناخية مشكلة الإجهاد وتكون أكثر وضوحا لاسيما مع توالي اشهر الصيف وتعدي الثمار مرحلة تصلب النواة والدخول في مرحلة اكتمال النضج ومابعده وسيلاحظ الراصد هنا علي الاشجار علامات الاعياء الشديد وجفاف الاوراق وتساقطها بمعدلات كبيرة جدا اسفل الشجرة وكذلك جفاف اواخر الافرع واطرافها بشكل كبير وذلك امر منطقي بسبب قلة الرطوبة الارضية, وتتفاقم المشكلة فداحة كلما تعمد المزارع التأخر في جمع هذه الثمار طمعا في تجفيفها وتركيز المادة الدهنية فيها وتقليل تكلفة العصر وذلك لكونها تشكل عبئا كبيرا علي شجرة وصلت لشهري الجمع اكتوبر ونوفمبر بهذة الحمولة الثمرية الزائدة.
لذلك… تتضرر الشجرة بهذا التأخير وينعكس هذا بقوة علي إنتاج أفرع خضرية جديدة والتي سوف تحمل بالضرورة محصول العام القادم والتي يفترض ان تتكون خلال دورتي النمو الخضري الربيعية و الخريفية الحالية ويتركز الضرر اكثر في دورة النمو الخريفية المتأخرة، وهذا امر متوقع فكيف للنبات المجهد بيئيا اصلا ان يقوم بالمهمتين الثقيليتين معا دون إخلال (الدفع الثمري والدفع الخضري) فيضطر النبات ان يتجه للإهتمام بما يحمله من ثمار ولايتبقي لديه اي جهد او غذاء مخزون او رطوبة لدفع وتكوين النموات الخضرية الجديدة والشحيحة اصلا من دورة الربيع السابقة تحت ظروف الجفاف العامة في الصحاري المصرية.

وعليه ينعدم تماما محصول العام القادم في تمثيل اسطوري وواضح جدا لظاهرة المعاومة او تبادل الحمل وقد تتعدي هنا سنوات الحمل الخفيف او المنعدم فترة الموسم الواحد لتصل لموسمين او اكثر في نمط متطرف من انماط المعاومة الشاذة التي تتفرد بها الزراعات البعلية الصحراوية.
ومن الجدير بالذكر انه ليس من المنطقي ابدا ان ننشئ مزرعه وننفق عليها آلاف الجنيهات وعظيم الاستثمارات لنأخذ منها محصولا واحدا بائسا كل سنتين اوثلاثة في ظل ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية الرهيب واحتياجنا الشديد لكل قدر ولو قليل من انتاج اراضينا المستهدفة بإجراءات التنمية المستدامة, ومما يحزنك اكثر ان اخواننا المزارعين يرتكبون هذه الجريمة النكراء وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ويساعدون انفسهم للأسف الشديد ؟؟!!
مع ان إكتشافهم لفشل هذة السياسة لن يذهب أبعد من محصول الموسم القادم والذي سيلمسونه بأنفسهم ويرونه بأم أعينهم .

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى