الأخبار

د. حسام الإمام يكتب : دكتور ولا مهندس ؟

على الرغم من التغيرات الكبيرة التى يشهدها العالم ، والتى ألقت بظلالها بشكل مباشر على سوق العمل ، وأدت إلى ظهور تخصصات جديدة شديدة الاهمية ، ما زالت ثقافة “دكتور ولا مهندس” تسود مجتمعاتنا وتعكر صفو أبنائنا .

وأتذكر فى طفولتى عندما كان يسألنى أحد : نفسك تكون إيه لما تكبر ؟ أجيب على الفور : دكتور .. وعندما كبرت فكرت هل كنت أريد فعلاً أن أكون دكتور ، أم أنها كانت رغبة أبى وأمى ؟ نعم كانت رغبتهما زرعوها فى عقلى لأحقق لهما أمنية خاصة ، أو ربما لأن المجتمع كان قد زرع بدوره تلك الفكرة فى العقول حتى أصبحت موروثاُ فكرياً . وأقر بمنتهى الصراحة أن حصولى على درجة الدكتوراة كان أحد أسبابه الرئيسية وعداً قطعته على نفسى لأمى عندما التحقت بكلية الحقوق ، بأننى سوف أحقق حلمها وأكون “دكتور”.

لذلك عاهدت نفسى ألا أفرض شيئاً على أبنائى ، وصدقت فى عهدى ولم أجبر ابنى على دخول كلية الهندسة وتركت له حرية الاختيار . واحترمته إلى أقصى درجة عندما كنت أقول له : إذا قال لك أحد زملائك أن كلية التجارة أقل من الهندسة ، أخبره أنه كان بإمكانك دخولها وأنك أنت الذى اخترت التجارة . قال يا أبى ولماذا أقول ذلك ، أنا لست بحاجة لأن أبرر لأحد اختياراتى ، لأننى على قناعة بأن الحياة ليست فقط “دكتور و مهندس” ولو كانت كذلك لانتهى الجنس البشرى من زمان.

الغريب أن أتحدث إلى أحد الزملاء وهو على درجة علمية كبيرة ، وأسأله عن الكلية التى اختارتها ابنته ، فيقول: احنا فى عيلتنا الواحد لازم يبقى دكتور أو مهندس !! قلت له ما معنى لازم ؟ ولماذا لا تتركها تختار ؟ أجاب : هو كده .

لقد تناولت اليوم هذا الموضوع وأنا أعلم أن الوضع تغير كثيراً ، وأن الكثيرين من أبنائنا – ولا أقول جميعهم – يختارون بأنفسهم بالفعل . لكن ما يعكر صفوهم هو استمرار عملية تحقير وظائف ومهنات بعينها مع إعلاء وظائف أخرى . أن يتم تصنيف البشر وفقاً للسلطة التى تعطيها لهم وظيفتهم ، أو المجموع الذى حصلوا عليه فى الثانوية العامة . لا شك أن استمرار ذلك سوف تترتب عليه عواقب خطيرة . ويكفينا أن نرى مهنة المعلم وطريقة التعامل معه ، وينسى من يحقرون تلك المهنة أن هذا المعلم هو المصدر والأصل لكل التخصصات الأخرى . وبالمثل حرفة الزراعة ، وتملص الأبناء منها حتى لا يقال عنه “فلاح” …

ما يجب أن يترسخ فى عقولنا أنه لا توجد وظيفة تعلو على أخرى ، ولا مهنة أفضل من مهنة ، يجب أن تسود بيننا ثقافة أن المجتمع متنوع بطبيعته ، وأنه بحاجة إلى كل الوظائف والمهن ، وإلا فسدت أحوال البشر . ماذا يحدث لو اختفت مهنة الطب ، وماذا أيضاً يحدث لو اختفت مهنة السباك ؟ أزمات وكوارث بكل تأكيد .

المطلوب هو احترام كل شخص يقوم بعمله بجد واجتهاد وأمانة ، وإدراك أن عمله هام وضرورى مهما كان بسيطاً ، فما نراه بسيطاً قد يكون شديد الأهمية . إذا تأخر عامل القمامة يوماً واحداً عن عمله ، كيف يكون حالنا بين أكوام القمامة ؟ وقد جربنا ذلك بالتأكيد ، ومع ذلك كيف ننظر إلى هذا العامل ؟ وإذا عاملناه باحترام ، نعتبر ذلك تواضعاً وكرم أخلاق !!!

انتبهوا أيها السادة .

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى