الأخبارالمياهالنيلمصر

د حسام مغازي يكتب: إتفاق إعلان المبادئ … الإطار القانوني والسياسي والفني لحل مشكلة سد النهضة

وزير الموارد المائية والري السابق رئيس قسم هندسة الري والهيدروليكا- كلية الهندسة – جامعة الإسكندرية

يعتبر إتفاق المبادئ الموقع فى مارس ٢٠١٥ بالخرطوم بين رؤساء الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا هو الإطار القانونى والسياسي والفنى لحل أى خلافات فى مفاوضات سد النهضة الاثيوبى للحفاظ علي حقوق الدول الثلاثة في نهر النيل وعدم التسبب في ضرر ملموس في إيرادات نهر النيل لدول المصب. ومن هنا تظهر أهمية هذا الإتفاق الذى يعد الوثيقة الوحيدة والأولي في العصر الحديث التى تربط بين الدول الثلاث بخصوص سد النهضة. وتنبع أهميته فى كونه وضع ما يسمى إطارأو برواز حاكم للدول الثلاثة على آلية التفاوض بداية من الديباجة والتي نصت علي إلتزام الدول الثلاثة بالمبادئ الواردة في الإتفاق (عدد 10 مبادئ). يليه البند الأول الذي يشمل مبدأ التعاون علي أساس حسن النوايا ومبادئ القانون الدولي الحاكمة للأنهار العابرة للحدود. ثم يليه البند الثاني الخاص بتعريف الهدف من إنشاء السد وهو توليد الطاقة النظيفة من أجل التنمية الإقتصادية والتكامل الإقليمي. ثم البند الثالث الذي وضع مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن والتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً. ثم البند الرابع والخاص بالإستخدام المنصف والمناسب مع الأخذ في الإعتبار كافة العناصر الجغرافية والمائية والمناخية والإحتياجات الإجتماعية والإقتصادية والإستخدامات الحالية للموارد المائية.

ثم يأتي البند الخامس وهو في منتهي الأهمية والذي يشمل تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية وإحترام المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية للخبراء حول الدراسات الموصي بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع، والإتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة بالتوازي مع عملية بناء السد، وأيضاً الإتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي للسد وإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد. وأضاف البند الخامس أيضاً أن تنشئ الدول الثلاث آلية تنسيقية مناسبة من خلال الوزراء المعنيين لضمان إستمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة. ويأتي البند السادس الخاص ببناء الثقة وأولوية دول المصب في شراء الطاقة المولدة من السد. ثم البند السابع الخاص بتداول المعلومات والبيانات لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنين بروح حسنة النية وفي الوقت الملائم. ثم البند الثامن الخاص بأمان السد وإستكمال أثيوبيا التوصيات الخاصة بأمان السد الوارد في تقرير لجنة الخبراء الدولية.

ويأتي البند التاسع والخاص بمبدأ السيادة وتعاون الدول الثلاثة علي أساس السيادة المتساوية والمنفعة المشتركة بهدف تحقيق الإستخدام الأمثل للنهر. وتختتم الوثيقة بالبند العاشر والذي ينص علي بنداً هاماً وهو عند حدوث أي خلافات قد تنشأ أثناء المفاوضات يمكن حلها من خلال المشاورات أو التفاوض، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلافات فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول. وقد أكد زعماء الدول الثلاثة في كافة المناسبات واللقاءات التي تمت علي المستوي الثنائي أو الثلاثي وفي المحافل الدولية علي الإلتزام بإتفاق إعلان المبادئ بإعتباره الوثيقة الوحيدة التي أتفقت عليها الدول الثلاثة في هذا الشأن.

وقد شرفت أثناء فترة تولى وزارة الموارد المائية والرى وبالتنسيق الكامل مع السيد وزير الخارجية فى إعداد صياغته مع الوزراء المناظرين بالإضافة إلي الوفود المشاركين في لجان التفاوض من الدول الثلاث. واستمرت المفاوضات عدة أيام وليال ممتدة فى الخرطوم لإعداد مسودته، عكفنا خلالها على إخراج مسودة هذه الوثيقة والتى جاءت بعد شهور من جولات التفاوض التي بدأت من أغسطس ٢٠١٤ وحتى مارس ٢٠١٥ وتمخض عنها هذه الوثيقة الحاكمة بعد مراجعتها من فقهاء القانون الدولي والمتخصصين في الإتفاقيات الدولية والأنهار العابرة للحدود. ويعتبر إتفاق المبادئ الوثيقة الأولي التي تضْع أرضية صلبة يمكن أن يترتب عليها وضع إتفاقية شاملة مستقبلاً تنظم آلية تشغيل السد لضمان عدم تأثر دول المصب بهذا السد. ويضاف لإيجابيات هذا الإتفاق أنه يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين الثلاث الدول مبنية علي الحوار المتبادل وبناء الثقة. وجاءت هذه الوثيقة في توقيت هام حيث كانت الأجواء مشحونة بالتوتر وعدم الثقة بين مصر وأثيوبيا وتأثيرها علي العلاقات بين البلدين وأثر الإتفاق الهام علي إزالة الشكوك والقلق السائد في تلك الدول. وأيضاً تأكيد أثيوبيا إحترامها لنتائج الدراسات وإنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاثة للتعاون في تشغيل السد.

و قد ظهرت أهمية هذا الإتفاق مؤخراً عند حدوث تعثر في مسار المفاوضات ودعوة مصر لطلب وسيط دولي بناءاً علي ما ورد في إتفاق المبادئ في حالة وجود إختلافات في التفاوض، وما أعقبه دعوة الحكومة الأثيوبية لجلوس الأطراف مرة آخري وحل نقاط الخلاف.

إن تجارب التعاون السابق بين الدول المشتركة في أحواض الأنهار الدولية أثبت أن الأسلوب الوحيد لتحقيق المكاسب المشتركة هو الحوار والتفاوض ثم التوصل لإتفاقيات دولية مثل إتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، نهر الراين في اوروبا وغيرها.

و جدير بالإشارة أن المفاوضات التي بدأت منذ تولي السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي مهمته في عام 2014 ووضع ملف مياه النيل في صدارة الملفات الهامة والتوجيه بكسر الجمود الذي إستمر فترة طويلة أنقطعت فيها المفاوضات تماماً، وتم كسر هذا الجمود في أولي جلسات المفاوضات الفنية بالخرطوم في أغسطس 2014 وما تلاها من جلسات متعددة. ومن هنا كانت الاولوية في هذه المفاوضات هو بناء الثقة المفقودة بين الأطراف الثلاثة وهو ما تم تتويجه بهذا الإتفاق والذي يعتبر الإمساك بطرف الخيط الذي يمكن علي أساسه فك التعقيدات والإختلاف في المفاهيم بعد ميراث طويل أمتد عقود من السنين من عدم الثقة.

كلنا ثقة مطلقة في قيادتنا السياسية في الوصول بهذا الملف الهام والوصول به إلي بر الأمان بروح التعاون والمثابرة وإستمرار المفاوضات من أجل الحفاظ علي حقوق الأجيال القادمة في مياه النيل. وقد عبر عنها سيادته بكلماته في البرلمان الأثيوبي بأننا نحترم حق أثيوبيا في التنمية ولكن لنا أيضاً الحق في الحياة.

حفظ الله مصر وشعبها وقائدها ونيلها من كل سوء.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى