اخبار لايتالأخبارالانتاجمتفرقاتمصر

د خالد وصيف يكتب: حمار يبحث عن وظيفة

خبير موارد مائية

أمضيت اجازتى السنوية فى قريتى. استمتعت بالناس والخضرة والارض لكننى افتقدت وجودها بعينيها الكحيلة الواسعة وهدوئها وأدبها الجم وسيرها المتبختر على جسر الترعة. اختفت الحمير وانتشر التروسيكل على حافات الاراضى..
فى القاموس المحيط الحمار جمعه حمير وأحمرة وانثى الحمار اسمها أتان وكنية الحمار أبو صابر. اما الحمارة فكنيتها أم نافع، وأم تولب، وأم جحش.
تاريخ الحمير فى مصر يعود للعصر الفرعونى، وكان لها تقدير واحترام كبيرين، وتم التعبير عن الاله ست بصورة حمار على جدران المعابد القديمة. ولاتوجد احصاءات حديثة باعدادها حاليا، لكن بعض جمعيات الرفق بالحيوان تشير الى 1.5 مليون حمار منتشرين فى الريف المصرى ذو الستة مليون فدان. لكن تلك الاعداد تتقلص بشكل لافت حاليا ويلحظها كل من زار الريف مؤخرا..
الحمار جزء من التراث الريفى المصرى، لا يستغنى عنه الفلاح نظرا لقائمة مهامه المتعددة. كانت تتضمن نقل الروث من ارضية حضائر الماشية للحقل، ثم المشاركة فى الحرث والزراعة والحصاد، والمشاركة فى تدوير ساقية المياه للرى. كل تلك الاعمال تقلصت بعد ان حلت محلها الآلة، اختفت الساقية وحلت محلها ماكينة الرى، واختفى النورج والمحراث وحل محلها الجرار الزراعى والكومباين الذى يجرى عمليات الحصد والدرس فى ساعات بدلا من ايام، توقفت عملية نقل السماد العضوى والتتريب من الحظائر بعد ان تم تبليطها واصبح الفلاح يعيش فى شقة حديثة لا تختلف عن غيرها من شقق المدينة
دفعت تلك التطورات الى تغيير الوظائف القديمة وجرت عملية (شفت كاريير) اجبارية للحيوانات، تحول الجمل من وسيلة نقل لوسيلة تربية وذبح لتوفير لحم، واقتصر دور الماشية على ادرار اللبن بالاضافة الى دورها التقليدى فى توفير اللحوم.. وبالرغم من تواضع احتياجات الحمار من الطعام، فهو يأكل اى حاجة والسلام خبز او سرس او حشائش، مقارنة بالحصان الذى يفضل العليق مع الشعير والفول والا تنهار قوته العظيمة فى الشد، لكن الحصان هو البديل الافضل للنقل عند الفلاحين. حصان واحد يستطيع شد حمولة لايقدر عليها عشرين حمارا مجتمعة، فيستخدمه البعض فى شد العربات المحملة بالمحاصيل والبرسيم وغيرها..
البدائل ضيقة امام الحمار، فهو لايؤكل لحمه مثل الماشية او الجمل ولا يستطيع منافسة الحصان فى شد العربات، ولا منافسة الماشية فى ادرار اللبن بالرغم من ان لبنه مستساغ وتصنع منه جبن فاخرة فى بعض دول اوروبا الشرقية، فلم يتبق له الا وظيفة بسيطة هامشية هى نقل صاحبه لمسافات قصيرة لا تتعدى حدود القرية. وهى وظيفة ستتعرض للانقراض برحيل الجيل الكبير من الفلاحين الذين لا يجيدون قيادة التروسكل. البديل الجديد للنقل فى الريف والذى انتشر مثل النار فى الهشيم بسعره الرخيص وتكلفة وقوده الاقتصادية..
لم تكن التكنولوجيا الحديثة هى المصيبة الوحيدة التى اصابت جنس الحمير، فقد حلت بها كارثة اخرى حينما اكتشفت الصين القيمة النادرة لجلود الحمير، فاصابتها نقمة حيث يجرى ذبح الملايين من الحمير سنويا، بسبب جلودها، التى تحتوى على مادة “الجيلاتين” ويعتقد أنها تحسن الدورة الدموية وتعالج حالات فقر الدم. هناك تحذيرات ان عدد الحمير في العالم، والمقدر بحوالي 44 مليون حمار، ستنخفض إلى النصف خلال السنوات الخمس المقبلة..
على مدار تاريخها، تعرضت الحمير لاشكال مختلفة من الاستغلال نتيجة طيبتها المفرطة ورغبتها فى العيش بسلام، هى مطيعة لمن يقودها ولا تفرق بين من يستغلها فى أعمال خارجة عن القانون او داخله، البعض استغلها فى تهريب الاسلحة والمواد الغذائية والمخدرات كما يحدث فى افغانستان. وفى احيان اخرى فى حمل متفجرات مثلما يقع فى العراق، ومن فرط الطيبة هى غير معنية بمن يقودها، لذلك تنتشر سرقة الحمير حيث تذهب بلا صخب مع من يسحب مقودها، ولا تلقى بالا لاعتبارات العشرة ذات القيمة العالية عند الحصان والجمل..
حاول البعض الانتصار للحمير وابراز صفاتهم الحميدة من صبر وعمل شاق وهدوء، فانتشرت جمعيات الرفق بالحيوان وبالذات الحمير، ووجدنا الكاتب الكبير توفيق الحكيم يضع مؤلفات عن حوارات عميقة مع حمار حول قضايا فلسفية. لكن الواقع فرض نفسه على النظرية وانتصر التروسيكل على الحمار فى النهاية. ولو لم ينجح الحمار فى البحث له عن دور ايجابى مفيد فلن تنفعه السنوات الطويلة التى حمل على ظهره اثقالها، وسيجد نفسه جلدا يتم سلخه من جسمه لبيعه لشركات المنتجات الدوائية..

أمضيت اجازتى السنوية فى قريتى. استمتعت بالناس والخضرة والارض لكننى افتقدت وجودها بعينيها الكحيلة الواسعة وهدوئها وأدبها الجم وسيرها المتبختر على جسر الترعة. اختفت الحمير وانتشر التروسيكل على حافات الاراضى.. 

فى القاموس المحيط الحمار جمعه حمير وأحمرة وانثى الحمار اسمها أتان وكنية الحمار أبو صابر. اما الحمارة فكنيتها أم نافع، وأم تولب، وأم جحش.

تاريخ الحمير فى مصر يعود للعصر الفرعونى، وكان لها تقدير واحترام كبيرين، وتم التعبير عن الاله ست بصورة حمار على جدران المعابد القديمة. ولاتوجد احصاءات حديثة باعدادها حاليا، لكن بعض جمعيات الرفق بالحيوان تشير الى 1.5 مليون حمار منتشرين فى الريف المصرى ذو الستة مليون فدان. لكن تلك الاعداد تتقلص بشكل لافت حاليا ويلحظها كل من زار الريف مؤخرا..

الحمار جزء من التراث الريفى المصرى، لا يستغنى عنه الفلاح نظرا لقائمة مهامه المتعددة. كانت تتضمن نقل الروث من ارضية حضائر الماشية للحقل، ثم المشاركة فى الحرث والزراعة والحصاد، والمشاركة فى تدوير ساقية المياه للرى. كل تلك الاعمال تقلصت بعد ان حلت محلها الآلة، اختفت الساقية وحلت محلها ماكينة الرى، واختفى النورج والمحراث وحل محلها الجرار الزراعى والكومباين الذى يجرى عمليات الحصد والدرس فى ساعات بدلا من ايام، توقفت عملية نقل السماد العضوى والتتريب من الحظائر بعد ان تم تبليطها واصبح الفلاح يعيش فى شقة حديثة لا تختلف عن غيرها من شقق المدينة 

دفعت تلك التطورات الى تغيير الوظائف القديمة وجرت عملية (شفت كاريير) اجبارية  للحيوانات، تحول الجمل من وسيلة نقل لوسيلة تربية وذبح لتوفير لحم، واقتصر دور الماشية على ادرار اللبن بالاضافة الى دورها التقليدى فى توفير اللحوم.. وبالرغم من تواضع احتياجات الحمار من الطعام، فهو يأكل اى حاجة والسلام خبز او سرس او حشائش، مقارنة بالحصان الذى يفضل العليق مع الشعير والفول والا تنهار قوته العظيمة فى الشد، لكن الحصان هو البديل الافضل للنقل عند الفلاحين. حصان واحد يستطيع شد حمولة لايقدر عليها عشرين حمارا مجتمعة، فيستخدمه البعض فى شد العربات المحملة بالمحاصيل والبرسيم وغيرها..

البدائل ضيقة امام الحمار، فهو لايؤكل لحمه مثل الماشية او الجمل ولا يستطيع منافسة الحصان فى شد العربات، ولا منافسة الماشية فى ادرار اللبن بالرغم من ان لبنه مستساغ وتصنع منه جبن فاخرة فى بعض دول اوروبا الشرقية، فلم يتبق له الا وظيفة بسيطة هامشية هى نقل صاحبه لمسافات قصيرة لا تتعدى حدود القرية. وهى وظيفة ستتعرض للانقراض برحيل الجيل الكبير من الفلاحين الذين لا يجيدون قيادة التروسكل. البديل الجديد للنقل فى الريف والذى انتشر مثل النار فى الهشيم بسعره الرخيص وتكلفة وقوده الاقتصادية..

لم تكن التكنولوجيا الحديثة هى المصيبة الوحيدة التى اصابت جنس الحمير، فقد حلت بها كارثة اخرى حينما اكتشفت الصين القيمة النادرة لجلود الحمير، فاصابتها نقمة حيث يجرى ذبح الملايين من الحمير سنويا، بسبب جلودها، التى تحتوى على مادة “الجيلاتين” ويعتقد أنها تحسن الدورة الدموية وتعالج حالات فقر الدم. هناك تحذيرات ان عدد الحمير في العالم، والمقدر بحوالي 44 مليون حمار، ستنخفض إلى النصف خلال السنوات الخمس المقبلة.. 

على مدار تاريخها، تعرضت الحمير لاشكال مختلفة من الاستغلال نتيجة طيبتها المفرطة ورغبتها فى العيش بسلام، هى مطيعة لمن يقودها ولا تفرق بين من يستغلها فى أعمال خارجة عن القانون او داخله، البعض استغلها فى تهريب الاسلحة والمواد الغذائية والمخدرات كما يحدث فى افغانستان. وفى احيان اخرى فى حمل متفجرات مثلما يقع فى العراق، ومن فرط الطيبة هى غير معنية بمن يقودها، لذلك تنتشر سرقة الحمير حيث تذهب بلا صخب مع من يسحب مقودها، ولا تلقى بالا لاعتبارات العشرة ذات القيمة العالية عند الحصان والجمل.. 

حاول البعض الانتصار للحمير وابراز صفاتهم الحميدة من صبر وعمل شاق وهدوء، فانتشرت جمعيات الرفق بالحيوان وبالذات الحمير، ووجدنا الكاتب الكبير توفيق الحكيم يضع مؤلفات عن حوارات عميقة مع حمار حول قضايا فلسفية. لكن الواقع فرض نفسه على النظرية وانتصر التروسيكل على الحمار فى النهاية. ولو لم ينجح الحمار فى البحث له عن دور ايجابى مفيد فلن تنفعه السنوات الطويلة التى حمل على ظهره اثقالها، وسيجد نفسه جلدا يتم سلخه من جسمه لبيعه لشركات المنتجات الدوائية..

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى