اسماكالأخبارالانتاجالصحة و البيئةالمياهامراضبحوث ومنظماتصحةمصر

د علاء الدين عيسي يكتب: الفيروسات أخطر المخلوقات واكثرها وبائية على وجه الأرض

أستاذ ورئيس مجلس قسم طب ورعاية الأحياء المائية –كلية الطب البيطرى جامعة القاهرة
استشارى الطب الوقائى بشركة قناة السويس للإستزراع السمكى والأحياء المائية
خبير بيطرى دولى بمشروع تنمية الأستزراع البحرى بمصر MADE 2
مدير المكتب العلمى والدعم الفنى لشركة مكة لصناعة اعلاف الأسماك

فى عالم متغير الملامح ومتلاطم الاحداث بدت جائحة فيروس كورونا الجديد التى اصبحت كابوس عالمى يهدد ملايين البشر بالفناء وربما يصل الى مرتبة غير مسبوقة من تهديد الجنس البشرى كله بالإندثار لا قدر الله ومن خلال تتبع كل التقارير العلمية العالمية الواردة من الصين و كل الدول المعنية بالفيروس هناك تاكيدات بأن مصدر الفيروس هو التداول الخاطئ للحيوانات البرية والتعايش العشوائى مع كائنات ليس من المفترض ان تكون فى جوار دائم للبشر كما هو الحال فى سوق “ووهان” للحيوانات البرية بدولة الصين .

منذ اسابيع اشارت تقارير علمية بأن الخفافيش والثعابين وغيرها من كائنات برية مضطلعة بدور فى تحور فيروس الكورونا الذى تخصص سابقا فى اصابة القرود والجمال ومنها الى البشر حتى وصل الى هيئته الجديدة القاتلة novel corona virus بل تطور الأمر الى انتقال الفيروس القاتل من البشر الى البشر .

تطور الأمر لترد تقارير حديثة بمعاودة الإصابة بالفيروس فى بعض البشر باليابان بعد التصريح بالشفاء منه والأغرب هو التقرير الأحدث الذى اكد التقاط احد الكلاب للعدوى من صاحبه المصاب بالفيروس وهو امر عجيب حقا واذا كانت الكلاب لديها القدرة على الإصابة بالفيروس بمعنى اصح لديها مستقبلات العدوى بالفيروس.

اذا هناك احتمالية كبرى لزيادة معدلات الإصابة بالفيروس فى الصين التى تعتبر الكلاب احدى مصادر اكل البشر هناك حيث تروج تجارة لحوم واحشاء الكلاب التى تطهى وهى حية بمنتهى الوحشية هناك وستكون هناك احتمالية اخرى لتفشى وباء الكورونا الجديد فى الدول التى تستخدم الكلاب بكثرة فى التربية المنزلية Companion animal وهى حلقة جديدة فى تطور المسيرة الوبائية للفيروس.

وهو ما قد يفسر بدأ انتشار الفيروس بصورة ملحوظة فى الدول الغربية التى يكثر بها تربية الكلاب منزليا مثل الولايات المتحدة اليابان كوريا الجنوبية و ايطاليا وفرنسا والحلقة الأخطر فى وبائية المرض هو لا قدر الله ان ينتقل الفيروس بصورة او بأخرى من خلال الطيور المهاجرة التى تحط فى الصين ومنها الى العديد من دول العالم البعيدة جدا عنها من خلال ممرات هجرة الطيور العالمية ومنها الى عوالم جديدة من الحيوانات او البشر.

ونظرا للإرتباط الوثيق بين ممرات الطيور العالمية و الأراضى الرطبة wetlands و البحيرات و البحار و المحيطات فهناك احتمالية مرور العدوى بالفيروس بصورة ميكانيكية من خلال الأحياء المائية التى تبدوا على ارتباط وثيق بهذه الطيور المائية.

لذلك فمن المؤكد حدوث احد احتمالين اولهما اصابة كثير من الكائنات البحرية الثديية مثل الحيتان والدلافين وكلاب وعجول البحر بالفيروس بصورة اكلينيكية كاملة بحكم كونهم ثدييات كما حدث من قبل فى اصابتهم بفيروس انفلوانزا الخنازير وسلالات اخرى من الأنفلوانزا القاتلة التى انتقلت اليهم من خلال طائر النورس sea gull او احتمالية ان تحمل الطيور المائية الفيروس فى جهازها الهضمى بلا اعراض ومن ثم نقله الى الحيوانات البحرية التى بدورها ستحمله بصورة ميكانيكية الى اماكن ودول اخرى اثناء هجرتها وتنقلها فى البحار والمحيطات.

وليس ذلك فحسب ولكن تضيف حركة الشحن من خلال السفن منظور اخر لبعد وبائى محتمل ايضا وما يعضد هذه الفرضية هو ظهور وباء انفلوانزا الطيور الذى حصد ملايين من الطيور فى دولة الصين فى 2003 و 2004 ثم انتقل ليصبح وباء عالميا اجتاح تجمعات الطيور بدول عديدة تقع تحت مرمى ممرات هجرة الطيور العالمية مثل اندونيسيا وجنوب اوروبا ومصر حيث ضرب وبمنتهى قسوة صناعة الدواجن بتلك الدول بالتأزر مع اخطاء ادارية وسياسية كبرى ادت الى دخول لقاحات غير محكمة المعايرة ادت الى توطن سلالات الفيروس H5N1 الصينى بتلك الدول حتى الأن.
وفى دراسة بحثية امتدت لفترة الثلاث سنوات من 2009-2012 بقسم أمراض ورعاية الأسماك بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة قام فريق بحثى بقيادة الأستاذ الدكتور علاء الدين عيسى أستاذ ورئيس قسم طب ورعاية الأحياء المائية حاليا بنفس الكلية بتحديد فيروسات H5N1 فى دم بعض الأسماك مثل القراميط المغذاه عشوائيا على وجبات كبيرة من دجاج نافق القى بصورة غيرشرعية بأحد الممرات المائية ببعض محافظات مصر، و فى كلى بعض اسماك الأرنب Puffer fish فى خليج ابوقيروكذلك فى السوائل الليمفاوية لبعض الكائنات القشرية مثل استاكوزا المياه العذبة.

وبمناقشة هذه النتائج فى بحث منشور دوليا سنة 2012 حذر الفريق البحثى من تحور هذا الفيروس ليصبح بصورة او بأخرى قادرا على اصابة الاسماك والكائنات المائية الأخرى او تحور الفيروس ليصبح قادرا على اصابة البشر من خلال عمليات تداول وتشفية وتنظيف تلك الأسماك اذا لا قدر الله وصل بصورة غير متوقعة الى ملتحمة العين او الأغشية المخاطية للأنف والفم وهو ما لم يحدث حتى الأن بفضل الله ولكن اكد الفريق البحثى على الدور الوبائى للأحياء المائية فى نقل وانتشار انفلوانزا الطيور فى البيئة المصرية.
ولعقود طويلة أكد علم الوبائيات الفيروسية على قدرة كثير من الكائنات البحرية الثديية مثل الدلافين والحيتان و عجول وكلاب البحر على الإصابة بفيروسات مختلفة للأنفلوانزا جميعها تعتبر فتاكة وقاتلة للثدييات البحرية والبشر معا مثل عترات H1, H3, H4, H7, H13 وجميعها انتقلت من طائر النورس sea gull الى تلك الثدييات البحرية واحدثت عدوى اكيلنيكية تتفق تماما مع اعراض الفيروس مثل الألتهاب الرئوى و الألتهاب السحائى والمخى.

ليس هذا فحسب بل تم عزل الفيروس وتحليله وراثيا حيث اثبت التحاليل الوراثية بتبعيته للسلالة الموجودة بطائر النورس ومن العجيب ايضا وجود اكثر من15 عترة فيروس انفلوانزا تبدأ من H1 وتنتهى ب H 15 تستطيع اصابة البط والأوز المهاجر بدون ظهور اى اعراض واثبتت قدرتها على نقل العدوى لكائنات اخرى بحرية وارضية وهو ما يؤكد دور الطيور المائية والمهاجرة فى نقل وانتشار الفيروسات من خلال ممرات هجرة الطيور العالمية.
وفى عام 2014 اعلنت دولة الكيان الصهيونى ” اسرائيل” عن ظهور وباء فيروسى جديد ينتمى لعائلة الأورثوميكزوفيروس Orthomyxoviruses التى تحتوى ايضا على سلالة الأنفلوانزا بأنواعها المختلفة وقد اكتسح الفيروس الجديد اسماك البلطى النيلى المستزرعة ببحيرة الجليل هناك وسمى انذاك Tilapia LaKe Virus (TiLv) أو ما يسمى بفيروس بلطى البحيرات وبمرور الوقت تم تحليل الفيروس وراثيا ليجد العلماء المفاجئة بأن الفيروس له صلة وراثية بفيروسى الأنفلوانزا A وB من خلال تحليل التتابع الأمينى لبروتينات تلك الفيروسات.

وبمرور الوقت تم تسجيل حالات من النفوق الجماعى لأسماك البلطى فى دول العالم المختلفة مثل الأكوادور وتايلاند و اندونيسيا والصين و اخيرا بحيرة فيكتوريا بأعالى النيل حيث عانت ثلاث دول هم تنزانيا وكينيا واوغندا من اصابات ونفوق جماعى فى كل من اسماك البلطى المستزرعة وتلك من المياه المفتوحة وبتشخيص المسبب المرضى اثبت انه ايضا فيروس بلطى البحيرات.

ولكن هذه المرة ظهر الفيروس بأعراض هضمية و مناعية تختلف تماما عن الأعراض العصبية والعينية التى ظهرت فى الأسماك المصابة بأسرائيل وباقى الدول وقد اصبح الفيروس من الأمراض التى تهدد صناعة استزراع البلطى النيلى فى فصل الصيف فى العالم بأسره ومن العجيب ربط انتشار الفيروس وبائيا ايضا بخطوط هجرة الطيور المائية عبر العالم .
ومما سبق اكاد اجزم بأن عالم الفيروسات سيكون هو اللاعب الأساسى فى تحديد بقاء الكائنات الحية سواء الأنسان او الحيوانات الأرضية او الأحياء البحرية فى العقود القادمة وربما يلعب التغير المناخى الحاد وظاهرة الأحتباس الحرارى فى نشوء وتطور انواع جديدة من الفيروسات لديها القدرة على اصابة اكثر من عائل او عوائل جديدة من شأنها تقويد جهود التنمية المستدامة فى معظم دول العالم وانعكاس ذلك بصورة سلبية ستلقى بظلالها على الوضع الأقتصادى والتنمية والرخاء فى دول العالم خصوصا الدول النامية والفقيرة والأكثر فقرا.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى