الأخبار

د محمد داود يكتب: مستقبل المياه والزراعة والغذاء في مصر… الأرقام لا تكذب ولا تتجمل (الأمطار)

الأستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه، ومستشار الموارد المائية بدولة الإمارات العربية المتحدة

يوصف المناخ في جمهورية مصر العربية بشكل عام بأنه مناخ مداري جاف وهو ما يميز المناطق الصحراوية الجافة. وهو مناخ حارّ في فصل الصيف ومعتدل ممطر في فصل الشتاء. الرياح السائدة قادمة من جهة البحر الأبيض المتوسط تهب باستمرار فوق الساحل الشمالي دون أية إعاقة من سلسلة جبال أو مرتفعات  ولهذا فإن هذه الرياح تجعل درجات الحرارة معتدلة على مدار السنة. وتستقبل مصر ما بين 20 مم إلي 200 مم من معدلات هطول الأمطار السنوي على طول الساحل البحر الأبيض المتوسط . وينخفض هذا المعدل إلى ما يقرب من 5 مم في الوسط والجزء الجنوبي من الدولة. الأكثر غيوماً، وأكثر الأماكن غزارةً في الأمطار متواجدة داخل وحول الإسكندرية ورفح.

وبالرغم من أن الأمطار لا تمثل مصدرًا رئيسيًا للمياه فى مصر لقلة الكميات التى تسقط شتاءا إلا أنها تستخد في بعض المناطق الساحلية الشمالية في الزراعات البعلية لزراعة بعض المحاصيل مثل الشعير والزيتون والفواكه مثل التين وأشجار النخيل. وقد قامت الحكومة ممثلة في وزارة الموارد المائية مؤخرًا بانشاء مجموعة من السدود على الوديات لتخزين مياه الأمطار والإستفادة منها ومنها على سبيل المثال لا الحصر سد وادى العريش. كما أنشأت الدولة مخرات للسيول تنحدر نحو الوادى وتصب فى نهر النيل. وتشير الأحصائيات الرسمية إلي أن كميات المياه التي يتم استغلالها من الأمطارحاليا تتراوح من 1.3 إلي 1.8 مليار متر مكعب سنويًا. وقد أشارت الأرصاد إلي أن المتوسط السنوي من الأمطار التي تساقطت على البلاد منذ بدء موسم المطر في عام 2020 تخطت معدل 250 مم، وهي معدلات غير مسبوقة لم تشهدها البلاد من قبل.

وقد أظهرت نتائج أحد الدراسات التي نُشرت حديثاً في عام 2019 بمجلة Environmental Science and Pollution Research أن الحجم السنوي لمياه الأمطار التي يمكن حصادها تصل إلى 142.5 مليون متر مكعب في 22 مدينة تم دراستها في مناطق مختلفة من الدولة، شريطة أن يتم جمع كل الأمطار التي تسقط على تلك المدن. وتشير نفس الدراسة إلي أنه يمكن أن تلبي المياه المحتملة من الأمطار على مدينة الإسكندرية -على سبيل المثال- حوالي 12٪ من الاحتياجات المنزلية التكميلية للمياه في المدينة، مع الأخذ في الاعتبار أن هطول الأمطار على المدن الواقعة في وسط مصر وجنوبها ضئيل للغاية، مقارنةً بمدينة ساحلية كالإسكندرية.

وتشير بعض الدراسات إلي أهمية حصاد مياه الأمطار في ظل التغيرات المناخية والنمو المطرد للسكان. وفي ظل هذه التغيرات المناخية والنمو العمراني المتزايد الذي يعوق الدورة الطبيعية للمياه مما أدى إلي أن مياه الأمطار التي لها كان لها دورًا مهمًا في شحن الخزانات الجوفية أصبحت تشكل خطرًا على المنشآت وأعمال البنية الأساسية المناطق الحضرية نتيجة تكون السيول لهطول هذه الأمطار في فترات زمنية محددة وقصيرة نسبيًا، ويتم التخلص منها دون الاستفادة الحقيقية بها نتيجة عدم وجود شبكة لصرف مياه الأمطار. ومن ثم فإن حصاد هذه الأمطار سوف يساهم أيضًا في تقليل النفقات الرأسمالية والإستثمارية في إنشاء وتركيب شبكات صرف الأمطار وكذلك نفقات تشغيلها وصيانتها، في حين أن استخدامتها سوف تكون مقصورة على فترات زمنية محددة في أوقات هطول الأمطار.

وتشير أحدث تقارير وزارة الموارد المائية والري (يناير 2020) إلي أنه تم الانتهاء من تنفيذ كثير من أعمال الحماية من السيول وحصاد مياه الأمطار كما هو موضح في الجدول رقم (1) وهو ما يجب أن نشكر القائمين عليه من وزارة الموارد المائية لإنجاز هذه الأعمال.

جدول رقم 1: نماذج من مشاريع السدود والحماية من السيول التي قامت بها وزارة الموارد المائية والري.

وتحتجز هذه السدود وأعمال الحماية من السدود كميات لا بأس بها من المياه يمكن استغلالها في التنمية المحلية سواء بتغذية الخزانات الجووفية أو الإستخدام المباشر إذا سمحت ظروف وطبيعة الموقع والكميات المخزنة وأثبت الجدوى الفنية ذلك. وأذكر هنا مثالا واحدًا هو امتلاء مفيض سد الروافعة فى وسط سيناء العام الماضي 2019 بعد ملء بحيرة السد عن آخرها بمياه السيول بسعة تخزينية 5.3 مليون متر مكعب من مياه الأمطار. ويعتبر سد الروافعة هو الحاجز لمياه الأودية التى تصب فى مجرى وادى العريش. وبتقدير بسيط مع الأخذ في الإعتبار طبيعة التربة وصلاحيتها للزراعة والمقننات المائية اللازمة للمحاصيل الزراعية كما هي موضحة بالجدول رقم (2) في مثل هذه النوعية من التربة والتي تزرع في فترات هطول الأمطار على هذه المناطق. وهذه الأرقام بالطبع هي أرقام تقديرية تخضع للمراجعة حسب كل موقع ومدى سهولة الوصول إلية وتوافر الآراضي الصالحة للزراعة والجدوى الإقتصادية للزراعة في هذه المواقع. لكني أطرحها هنا كفكرة يمكن دراستها بدقة حسب كل موقع فإن وجدت أنها مقبول فنيًا وإقتصاديًا من قبل الخبراء والمختصين فلما لا يتم الأخذ بها.

الجدول رقم 2: الإحتياجات والمقننات المائية وفترات الزراعة لبعض الخضر في مصر.

وبالأخذ في الإعتبارهذه  الأرقام الإسترشادية وعلى إعتبار أن نصف كمية المياه سوف تفقد بالبخر أو التسرب في طبقات التربة وتغذي الخزانات الجوفية (وهي ما يمكن استخدامها أيضًا من خلال مجموعة من الآبار حول السد والبحيرة حسب طبيعة الخزان الجوفي لكنه لم يتم أخذها في الإعتبار هنا ويمكن تحسين كفاءة التخزين بطرق كثيرة يمكن سردها في مقال مخصص لذلك لاحقا) فإن كميات المياه المحتجزة التي يمكن استغلالها في الري في السنوات المطيرة عند امتلاء بحيرة السد هي حوالي 2.5 مليون متر مكعب خلال فترة ثلاث إلي أربعة شهور. وبالتالي فإنه في المتوسط يمكن زراعة ما لا يقل عن 600 فدان لعروة زراعية واحدة للمحاصيل التي تناسب فترة التخزين أخذًا في الإعتبار الفواقد. وكما ذكرت فإنه بطرق كثيرة يمكن تقليل الفواقد واستغلال المياه الجوفية حول البحيرة  لتحسين الوضع أو زراعة عروة زراعية أخرى حسب ظروف وطبيعة الخزان الجوفي في هذه المناطق.

وقد ضربت هذا كمثال تقريبي وليس المقصود منه إقرار حقائق عن هذه الحالة الخاصة ببحيرة سد الروافعة. إن حصاد مياه المطار سواء في الوديان أو المناطق الحضرية والمدن لها أهمية كبيرة ويجب أن يتم الإهتمام به في ظل ما نشهده من زيادة معدلات الهطول المطري ويجب تقييم أبعادة الإقتصادية والبيئية والإجتماعية من قبل المختصين والخبراء حسب ظروف وطبيعة كل منطقة وسوف يساهم ذلك في التنمية الريفية المحلية وحماية البنية الأساسية والمنشآت أثناء فترات المطر. وقد يكون لنا مقال آخر حول أفكار ومبادرات حصاد مياه الأمطار.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى