الأخبارالصحة و البيئةامراضحوارات و مقالاتصحةمصر

د حسام الإمام يكتب : أنا مش خايف من كورونا !

بصراحة كانت أول مره أرى فيها شخصاً يقول بمنتهى الصدق : أنا مش خايف من كورونا ، والله العظيم مش خايف . ويؤكد مصداقيته أن تجده لا يرتدى كمامة ولا جوانتى ، ولا يتجنب الزحام ، وحتى لا يتابع أخبار الوباء . الأمر برمته لا يشغله !

اقتربت منه وتعرفت عليه فرأيته إنساناً تحيط به المئات من علامات الاستفهام والتعجب ، يحملها على كتفيه وفوق رأسه شاء ذلك أم أبى . يراها واضحة ولامعة فى عيون كل من يعرف ظروفه . كان يطيل الاستماع إلى عبد الحليم حافظ وهو يتساءل بمرارة : جئت لا أعلم من أين ولكنى أتيت ، ولقد أبصرت طريقا للدنيا فمشيت ، وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت ، كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقى؟ لست أدرى .

هو الوحيد فى هذا العالم الذي قد يحسد اليتيم ، لأنه يمتلك شيئاً كبيراً لا يمتلكه ، حتى ولو كان مجرد ذكرى وصورة معلقة على الحائط . وسواء كانت تلك الذكرى حلوة أو مرة ، طيبة أم شريرة فهى نعمة كبيرة لا يدركها أحد غيره . هو الذى يحمل ذلك الختم الأبدى الذى يراه منعكساً فى عيون الناس فى جميع المواقف خيرها وشرها ، فإذا غضبوا منه أهانوه وعايروه لأنه (….) ، وإذا أحسنوا إليه وعطفوا عليه ، أيضاً لأنه (….).

المهم أنه جاء إلى هذه الدنيا ، وحيث أنه سيبقى سائراً إن شاء هذا أم أبى ، ولأنه كائن حى له احتياجات ، فلابد من الوفاء – على الأقل – باحتياجاته اليومية . قد نرى الأمر عادى وطبيعى . لكن بالنسبة له الأمر مختلف ، دعونا نتخيل شخص يعيش عمره كله فى مكان يظنه بيته ، برفقة مجموعة من الأطفال يقولون له أنهم إخوته ، ويصدقهم ببراءة الأطفال ، ثم يكبر شيئاً فشيئاً ليصطدم فجأة بواقع لا يجيد ترتيب الكلمات ، بل يرسلها كطلقات الرصاص ليغتال تلك البراءة ولتتعرى أمامه حقيقة الوضع بمنتهى القسوة . لا الإخوة إخوته ولا البيت بيته ، وفى لحظة معينة عليه أن يترك هذا المكان ويتحمل مسئولية نفسه . إلى هنا مفيش مشكلة ، المشكلة فى قبول العالم الخارجى له سواء فى بحثه عن سكن أو عمل أو بناء علاقات مع الآخرين …إلخ ، طبعاً لن أتحدث عن قبول أى أسرة له كزوج ، لأنه أمر لم يجرؤ على التفكير فيه حتى هذه اللحظة .

حدثنى مرة قائلاً : الصعب قوى بقى لما تلاقى حد يكلمك بنية سليمة وقلب طيب ويقولك أنا زى أبوك ، يعنى إيه ؟ قصدى يعنى إيه أبوك ؟ أنا ما أعرفهاش وما أعرفش مستلزماتها ومتطلباتها ! علشان كده لما تلاقينى موجود فى مكان ومش فاهم أصول احترام المكان وأصحابه اعذرنى ، لأننى لم أعش تلك الحياة . أشياء كثيرة أفعلها وألفاظ كثيرة أقولها تعتبر عادية وطبيعية بالنسبة لى ، لكننى أجدها غير طبيعية إطلاقاً بالنسبة للآخرين بل أنها غالباً ما تزعجهم وتثير غضبهم ، ولا أفهم لماذا !.

قال لى : صدق أو لا تصدق أننى تعودت – بمرور الوقت – على التعامل مع هذا الوضع بشئ كبير من اللامبالاة . يعنى اتعودت ما اشغلش بالى هآكل إيه ولا أنام فين ، وأصبح ده الأمر الطبيعى بالنسبة لى ، وتعودت على نظرة الآخرين وتعاملهم . لكن فى أحد الأيام كلفت بنقل أشياء إلى مؤسسة رعاية خاصة أنشأتها طبيبه ليس عندها أولاد ، وذهبت ورأيت وعرفت لأول مرة معنى كلمة “الأم” التى تحافظ على أولادها وتحميهم ، تربيهم وتعلمهم ، توفر لهم العمل بل وتزوجهم . رأيت كيف يتعامل هؤلاء الأولاد مع الآخرين وكيف يتقبلهم الآخرون بشكل يختلف تماماً عن أسلوب تعاملهم معى أنا وأخوتى . ووجدتنى غصباً عنى أتساءل لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟

لقد هيأ عقله لقبول فكرة أن العيب فيهم ، أعنى  هو وإخوته ، وأن المشكلة تكمن فى جيناتهم وأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان . وتعامل مع الأمور على هذا الأساس ، إلى أن رأي ما رأي ، وبدأ يتساءل: إذا كان العيب فى الجينات والظروف ، لماذا أصبح الآخرون فى تلك المؤسسة – وهم فى نفس الظروف – على هذا الوضع الرائع ؟ وهل معنى ذلك أنه لو كان لنا حظهم وتواجدنا معهم فى نفس المكان هل كان وضعنا يصبح مثلهم ؟

… أعتقد أن سؤاله هام ومشروع ، للحفاظ على كل من ينتمى لنفس الجينات والظروف .

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى