الأخبارالاقتصادالصادرات و الوارداتالعالمبحوث ومنظماتمصر

د جمال صيام: إجراءات واجبة لمواجهة آثار كورونا علي السوق الدولية للقمح

أستاذ الاقتصاد الزراعى – جامعة القاهرة – مصر

الوضع الحالي لإنتاج واستهلاك القمح في مصر

يبلغ الإنتاج المحلى من القمح حوالى 8.3 مليون طن يتم حصادها اعتبارا من منتصف أبريل وحتى مايو.دأبت الحكومة على استلام نحو 3.5 مليون طن سنويا من خلال عملية التوريد الاختيارى عند سعر تحدده الحكومة .

كان هذا السعر في العام الماضى نحو 685 جنيه/إردب ، وهناك بعض الأخبار الصحفية أن الحكومة سوف ترفع السعر ب 15 جنيه ، أي أن سعر التوريد لهذا الموسم يبلغ 700 جنيه/إردب.

يبلغ إجمالي استهلاك القمح في مصر نحو 19.7 مليون طن ، وعلى ذلك تستكمل هذه الكمية باستيراد نحو 11.4 مليون طن ، ألجزء الأكبر منها من روسيا مصدر رئيسى ، والباقى من أوكرانيا وكمية أقل من فرنسا.نحو نصف الكمية المستهلكة الكلية أي 9.5 مليون طن ) يتجه لصنع الخبز البلدى المدعوم من قبل الحكومة بسعر 5 قروش للرغيف (بينما يتكلف نحو 50 قرش للرغيف) ويتولى إدارة الخبز البلدى (إنتاجا وتوزيعا) وزارة التموين والتجارة الداخلية .وعلى ذلك تقوم الحكومة باستيراد نحو 6 مليون طن من المصادر المذكورة لكى يتم خلطها بالقمح المحلى (3.5 مليون طن) لصناعة الخبز البلدى.

الأثر المتوقع للوباء على سوق القمح العالمى

والآن ونحن بصدد أزمة وباء كورونا ، دخل الاقتصاد العالمى –باعتراف البنك الدولى – مرحلة من الركود الاقتصادى ، بعد أن ضرب الوباء اقتصادات العالم الكبرى.ما يعنينا هنا هو أثر الأزمة على واردات مصر من القمح التي تمثل نحو 58% من إجمالي الاستهلاك.فى ظل هذا الركود وحالة اللايقين ، قامت الدول المصدرة الرئيسية للسلع الغذائية وفى مقدمتها القمح ، بتقييد صادراتها منها تحسبا للظروف اللايقينية السائدة هادفة للاحتفاظ بإنتاجها كله أو الجزء الأكبر منه لتعزيز المخزون الاستراتيجي وتلبية احتياجات الاستهلاك المحلى.وقد أعلنت كل من روسيا وأوكرانيا بالفعل تعليق صادرات القمح كلية (أوكرانيا).

كما حذرت منظمة الغذاء والزراعة (الفاو) من توقات بحدوث أزمة غذاء عالمية بسبب إغلاق الدول لحدودها وارتباك سلاسل الإمدادات العالمية من الغذاء.ورغم أن باقى الدول المصدرة للقمح ، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكندا وأستراليا ، لم تعلن عن نواياها بعد ، فأغلب الظن أنها سوف تقوم بالتقييد الجزئى لصادراتها.المحصلة النهائية في جميع الحالات هي احتمال حدوث انخفاض جوهرى في العرض العالمى المتاح للتصدير .

وفى جانب الطلب العالمى ، فيتوقع في الأغلب أن أن يظل على ماهو عليه ومع ذلك هناك دوافع لزيادة الطلب من قبل الدول المستوردة بهدف تعزيز مخزوناتها الاستراتيجية  من السلع الغذائية، وهناك عوامل أخرى قد تدفع لنقص الطلب ومن أهمها تناقص معدلات النمو في الناتج المحلى الإجمالى في الدول المستوردة كأحد ظواهر الركود. ويذكر في هذا الصدد أن الانخفاض الجوهرى في أسعار النفط (من 60 ألى 30 دولار للبرميل) بسبب أزمة الوباء من جانب وحرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا من جانب آخر، قد يكون له تأثير مثبط لسعار الغذاء العالمية باعتباره عاملا من عوامل تخفيض تكلفة  الإنتاج ( تخفيض تكلفة الوقود وأسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى) ، فضلا عن تخفيض تكلفة الشحن والنقل الدولى.

ما يتوجب على مصر أن تطبقه من إجراءات وسياسات

في ضوء الخبرات المتعلقة بالأويئة العالمية تتراوح سيناريوهات الركود الكورونى ما بين 6 شهور إلى عام كامل ، وعلى ذلك فالوضع الصحيح لمصر أن يكون لديها مخزون استراتيجى يكفى لعام على الأقل.ولأسباب عديدة يتعلق أهمها بمحدودية الطاقة التخزينية وشح العملة الصعبة اللازمة للاستيراد ، دأبت الحكومات المصرية المتتالية على الاحتفاظ بمخزون من القمح يكفى فقط لاستهلاك ما بين 4 شهور، الأمر الذى يعرض البلاد لمخاطر جمة اخذا في الاعتبار أن مصر تعتمد على الخارج في توفير أكثر من نصف استهلاكها.فى ضوء هذه الظروف يتوجب على مصر بالدرجة الأولى ان تؤمن الكمية الكافية لتغطية احتياجات البلاد من الخبز البلدى المدعوم.

فإذا كان من المتوقع أن تواجه مصر مشكلات بالنسبة للواردات ، فإنه يتوجب عليها أن تعمل على زيادة معدلات توريد القمح المحلى من 3.5 مليون طن (وهو معدل السنوات السابقة) إلى نحو 6 مليون طن.السعر الذى أعلنته الحكومة للتوريد هذا الموسم وهو 700 جنيه للأردب (وهو يزيد عن سعر الموسم الماضى ب 15 جنيه فقط) لن يكون كافيا لتحفيز المنتجين لتوريد الكمية المقترحة.ولذلك يقترح رفع الحكومة لسعر التوريد بنسبة 20% على الأقل أي إلى نحو 840 جنيه للأردب.هذه الزيادة مبررة في ضوء الأسعار العالمية المتوقعة حال حدوث الأزمة.وإذا كان سعر القمح الروسى حاليا في حدود 220 دولار للطن وهو أقل من أسعار الأقماح الأمريكية والفرنسية، فمن المتوقع أن يرتفع إلى 350 دولار للطن .

نذكر في هذا السياق أن سعر القمح العالمى قد تصاعد إلى 500 دولار للطن أثناء ازمة الغذاء العالمية في 2008. ونذكر أيضا أن هذه الزيادة عن سعر القمح الروسى (ال 20%) كانت فيما قبل المواسم الثلاثة الماضية، سياسة تحفيزية ( دعم سعرى)  اتبعتها الحكومة المصرية في سياق تحقيق الأمن الغذائي ورفع معدل الاكتفاء الذاتي من القمح.

ولكن مصر توقفت عن هذه السياسة منذ بدات تطبيق روشتة صندوق النقد الدولى (موسم 2016/2017) وما تبعها من إلغاء الدعم بجميع أنواعه بما في ذلك دعم الأمن الغذائي.فإذا تم تأمين هذه الكمية من القمح المحلى لحساب الخبز المدعوم ، فسوف يكون على الحكومة لاستكمال حصة هذا الخبز ،استيراد نحو 3.5 مليون طن من السوق العالمى حتى لو بأسعار عالية. وبطبيعة الحال سوف يكون على القطاع الخاص أن يرفع وارداته من القمح لتعويض ما تخفضه الحكومة من وارداتها (2.5 مليون طن).

هذا الإجراء لا يغنى بطبيعة الحال عن اتباع إجراءات أخر ضرورية لمواجهة الأزمة ومن أهمها خلط دقيق الذرة البيضاء مع دقيق القمح بنسبة 20% ، وضبط الفاقد في التخزين والذى يصل إلى 10% . وهناك إجراءات وسياسات أخرى يلزم اتباعها في المدى المتوسط والطويل ، من أهمها تعزيز الطاقة التخزينية لصوامع الغلال ، وزيادة إنتاج القمح من خلال 1) زيادة الرقعة المنزرعة قمحا (حاليا 3.3 مليون فدان) إلى 4 مليون فدان ، ويمكن أن يتحقق ذلك الموسم القادم في ضوء الزيادة السعرية المقترحة للتوريد ن 2) زيادة الإنتاجية الفدانية التي لم تتزحزح عن 18 إردب للفدان (2.8 طن للفدان) على مدى العقدين الماضيين.ويتحقق ذلك من خلال تعميم استخدام التقاوى المنتقاة ، ونشر الأصناف عالية الإنتاجية (بحوث القمح)  ،وتحسين العمليات الزراعية (خدمات الإرشاد الزراعى). وإذا تم تنفيذ هذه السياسات  والإجراءات تقدر الكمية المتاحة من القمح بنحو 15.7 مليون طن سنويا ، وهو مايرفع معدل الاكتفاء الذاتي إلى 80% ويجعل البلاد في وضع آمن في مواجهة كورونا وغيرها من الأزمات العالمية.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى