الأخبارالصحة و البيئةالمحميات الطبيعيةالمياهبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د قاسم زكي يكتب:  محمية سالوجا وغزال في أسوان لؤلؤة النيل ومعشوقة أمير اليابان

أستاذ الوراثة بكلية الزراعة –  جامعة المنيا – مصر

ربما الكثير منا لم يسمع عنهما…. حتى أن اسمهما غريب بعض الشيء…ونادر جدا من يزورهما منا…على الرغم من أنهما قريبتين جدا لكل من زار أسوان…فهما على مرمى حجر من شاطئ نيل أسوان؟ …تقعان في وسط النيل حيث أجمل منظر يمكن أن تراه عيناك في نيل مصر المحروسة، الأشجار والحشائش الخضراء، والمياه الزرقاء الصافية، ورمال الشطان الذهبية الصفراء والصخور الجرانيتية الملونة وتسبح حولهما المراكب بأشرعتها البيضاء الزاهية. كان أشهر عشاق المحمية الأمير الراحل “تاكامادو” ولى عهد اليابان.

تقع محمية سالوجا وغزال في قلب النيل الخالد بجزر الجندل الأول (الشلال الأول كما يسميه البعض خطأ) على بعد 3 كيلومترات تقريبا شمال خزان أسوان. وجنوبا منها توجد جزيرة سهيل، اما شمالا فتوجد جزر أسبونارتي وأمون وجزيرة النباتات (الحديقة النباتية). وتتسم المحمية بسحر خاص بما تحتويه من مناظر طبيعية خلابة تأخذ قلوب روادها. ويتيح موقعها المتميز في وسط النيل الفرصة لمشاهدة تدفق نهر النيل من الجنوب إلى الشمال كما كان يحدث منذ آلاف السنين.

وتعد المحمية غابة أفريقية صغيرة، ولها مكانة رفيعة بين المحميات الطبيعية بمصر، وأيضا على مستوى العالم، وذلك للمحتوى الثرى الذي تضمه المحمية من طيور وأشجار ونباتات نادرة، فضلا عن موقعها الفريد في قلب الجندل الأول بنهر النيل. الحياة النباتية في المحمية أكثر تنوعاً ووضوحاً حيث تتميز المحمية بمناظر طبيعية خلابة تجمع ما بين الغطاء النباتي الهادئ غالباً والصخور الصلدة والمسطح المائي لنهر النيل مما جعل منها مزارا سياحيا مهما.

تحظى محمية سالوجا وغزال بأهمية كبيرة نظرا لوقوعها في أحد مسارات الهجرة الدائمة للطيور من أوربا لأفريقيا والعكس في فصل الشتاء لذلك أصبحت مقصدا لجميع الباحثين والعاشقين لرصد الطيور على مستوى العالم. وتعتبر محمية جزر سالوجا وغزال أصغر المحميات الطبيعية في مصر من حيث المساحة، حيث لا تتعدى مساحتها نصف كيلو متر مربع (55 فدان)، وهي عبارة عن مجموعة جزر صخرية تتخللها كثبان طمي النيل، وتصنف ضمن محميات الأراضي الرطبة.

الاسم مأخوذ من أهم جزيرتين في المحمية. جزيرة سالوجا وتعني (الشلال) باللغة النوبية، بينما يبدو أن اسم جزيرة غزال يشير إلى أحد النباتات القديمة التي كانت تنمو على هذه الجزر. أعلنت المنطقة محمية طبيعية بقرار من السيد رئيس مجلس وزراء مصر عام 1986م. بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي للحيوانات والنباتات والثدييات المهددة بالانقراض.

 حيوانات الجزيرة والثعلب الأحمر:

يوجد في المحمية تنوع كبير من الكائنات الحية من المملكتين الحيوانية والنباتية رغم صغر حجمها ووجودها في وسط النيل. من بين الحيوانات التي توجد بها، الزواحف كالثعابين والسحالي والبرمائيات كالضفادع والورل النيلي وأنواع مختلفة من الأسماك، وأنواع عديدة من الحشرات والديدان. كما يسكن الجزر الثعلب الأحمر (الثعلب المصري) والذي على الرغم من انه لا يعيش أساساً في جزر المحمية، لكنه يعيش في الضفة الغربية للنيل ويعبر النهر سباحة ليبني جحوراً على جزر المحمية، ويتوالد فيها.  وبالمحمية مساحة 5 أفدنة تقوم أسرة مصرية بزراعتها والعناية بها منذ فترات طويلة ويتوارثونها، في تناغم عجيب مع الحياة الطبيعية بجزر النيل منذ القدم.

طيور تسكن الجزيرة وأخرى تزورها:

إن رصد هجرة الطيور هي أبرز مميزات محمية سالوجا وغزال حيث يتراوح مجمل عدد الطيور في مصر ما بين 500 إلى 520 نوعاً، ويوجد في محافظة أسوان وحدها حوالي 230 نوعا من الطيور أي ما يعادل نصف الطيور الموجودة في مصر تقريباً. بينما يبلغ عدد الطيور التي تم رصدها في سالوجا وغزال حوالي 140 نوعا، نظراً لوجود البيئة المناسبة للطيور وتوافر الغذاء في الأراضي الرطبة المحيطة بالمحمية. ومن أشهر هذه الطيور النوارس – والبلاشونات – الدجاجة السلطانية – دجاجة المياه – والواق الأبيض والأخضر- اللقلق الأبيض والأسود – والأوز المصري، والهدهد، وأبو فصادة، والغراب، والوروار، والعقاب النسارية وعصفور الجنة، والبلبل ودجاجة الماء الأرجوانية وأبو منجل الأسود (الذي اتخذ رمزاً للمحمية). لذا فإن العديد من هواة رصد الطيور والباحثين الأجانب خارج مصر يدركون الأهمية الكبيرة لمحمية سالوجا وغزال في مجال رصد الطيور لذلك يتوافدون عليها في موسم الشتاء لرصد هذه الأنواع المختلفة من الطيور المهاجرة؛ من أجل ذلك تم إنشاء محطة ترقيم الطيور بالتعاون مع الخبرة البولندية في هذا المجال لدراسة الطيور وذلك منذ عام 2003 .

نباتات وأشجار نادرة:

تتميز جزر سالوجا وغزال بطبيعة خاصة وهي تباين تربتها ما بين مناطق رملية وصخور جرانيتية وترسيبات طينية مما يثرى التنوع البيولوجي، فتتميز كل منطقة بالمحمية بأنواع معينة من الكائنات الحية التي تعيش فيها. كما أن هذه المحمية تحتوي على البقية الباقية من نباتات وادي النيل التي ذُكرت في الأساطير القديمة والمرسومة على جدران المعابد المصرية. يبلغ عدد الأنواع النباتية فيها أكثر من 120 نوعاً من أهمها خمسة أنواع من أشجار السنط (وهي “القرض- والسيال- والخشب- والطلح- والخروب)، واللويث، والطرفة، والهجليج، والكلخ، والحنظل، والسينامكي، والسواك (الأراك)، والحرجل. بالإضافة إلى أشجار الحنة والنبق والعبل والبوص الذي يعتبر بيئة موائمة لسكنى الطيور المهاجرة. علاوة على شجرة “الست المستحية” التي تتميز بالإحساس الشديد، حيث تنكمش أوراقها حينما يلمسها أي شخص كنوع من أنواع الدفاع عن النفس، ويفسر ذلك بأن النبات يسحب الماء من الأوراق إلى الساق حينما يشعر بالخطر”.

 صخور عمرها 500 مليون سنة:

المحمية تقع ضمن صخ+ور الجندل الأول من نهر النيل من بين ست جنادل موجودة في مصر والسودان، وتعتبر المحمية بمثابة مرحلة الشباب والنضوج لنهر النيل نظرا لقوة وسرعة اندفاع المياه وضيق المجرى المائي ووجود عدد كبير من الجزر الصخرية في هذه المنطقة. إن تاريخ الصخور الجرانيتية الموجودة بالمحمية يعود عمرها إلى أكثر من 500 مليون سنة وتتميز بوجود ظاهرة “الورنيش النهري” وهي لمعان الصخور بشكل واضح وكأنها ملساء وبراقة علاوة على وجود العديد من الحفر الوعائية بالمكان والتي تمثل قيعان نهر النيل. علاوة على أن أحد مميزات المحمية هو وجود محجر قديم تم استخدامه في بناء التعلية الثانية من خزان أسوان عام 1934م.

حكاية عشق ولى عهد اليابان للمحمية:

كل العوامل السابقة التي ذكرناها صنعت من الجزيرة موقعاً فريداً، باعتبارها واحدة من أهم المراكز السياحية لمراقبة ورصد الطيور التي تجذب كل عشاق هذا النوع من السياحة. ومن الأشياء الطريفة في تاريخ المحمية، هي قصة عشق ولي عهد اليابان الراحل للمحمية ومداومته لزيارتها. كان الأمير تاكامادو ابن شقيق الإمبراطور واحداً من أكثر أفراد العائلة الإمبراطورية شهرة وشعبية وثقافة؛ وكان أيضا الرئيس الفخري للاتحاد الياباني لكرة القدم.  كان الأمير الراحل “تاكامادو”، يعشق ممارسة هوايته المفضلة في مراقبة الطيور النادرة فوق الجزيرتين، وظل سنوات يكرر زيارته لهما، كان أخرها عام 2001 م قب وفاته. حتى أصبح وجوده بها نوعاً من العلاقة الخاصة.

تم رصد حوالي 140 نوعاً من الطيور بهاتين الجزيرتين وذلك من إجمالي 230 نوعاً من الطيور المهاجرة التي تمتاز بها محافظة أسوان والتي تستضيف حوالي نصف أنواع الطيور المهاجرة التي تزور مصر تقريباً. لذا حرصت دولة اليابان بعد وفاة الأمير عام 2003م على تخليد ذكراه من خلال إقامة أكبر مركز للزوار يحمل اسم الأمير تاكامادو بهاتين الجزيرتين والذى تم افتتاحه في يوليو 2009م في مهرجان احتفالي كبير حضرته زوجة الأمير تاكامادو ، بجانب السفير الياباني في ذلك الوقت “كاورو أشاكاوا” وقيادات محافظة أسوان وممثلي قطاع المحميات بوزارة البيئة المصرية. وقد أقيم المركز على مساحة 460 مترا بمنحة من الحكومة اليابانية تصل إلى 2 مليون جنيه.

تم تصميم المركز على طراز يجمع بين الفن المعماري المصري والياباني وروعي فيه أن يكون صديقاً للبيئة بإدارته بالطاقة الشمسية. والمركز يشمل متحف خاص بالطيور والحيوانات البرية المحنطة التي تعيش بالمحمية، بالإضافة إلى قاعة عرض للتنوع البيولوجي النادر الذي تشتهر به محمية سالوجا وغزال، بجانب صالة عرض مقتنيات مصورة للأمير تكامادوا، علاوة على معامل للبحث العلمي واستراحات. ليكون هذا المركز علامة بارزة وسط صفحة النيل الخالد وليصبح في المستقبل القريب قبلة للسائحين الزائرين لأسوان من مختلف دول العالم من المهتمين بسياحة مشاهدة الطيور.

وأكدت زوجة الأمير تاكامادو أن إنشاء المركز يعتبر تخليداً لذكرى زوجها الأمير الراحل والذي كان محباً للإنسان والطبيعة، وليكون أيضاً رمزاً لمجهودات جمعية الصداقة المصرية اليابانية والتي تم إنشائها من أجل الحماية والحفاظ على البيئة، وتتولى هي رئاستها الفخرية. مشيرة إلى أن المركز هو خير دليل على عمق الروابط والعلاقات المصرية اليابانية. كما إنه سيساهم في دعم السياحة البيئية وسياحة المراقبة بأسوان وليكون المركز نقطة هامة لجذب الحركة السياحية الوافدة بوجه عام وخاصة اليابانية. وسوف يساهم المركز بدور كبير في رفع الوعي البيئي لطلاب المدارس الزائرين له بجميع المراحل التعليمية والجامعية.

لمزيد من المتعة، ندعوكم لمشاهدة الفيديو الاتي

https://youtu.be/H3u_s3x0-WE

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى