اخبار لايتالأخبارالانتاجالصحة و البيئةالمحميات الطبيعيةالمياهبحوث ومنظماتحدائق نباتية و زهورحوارات و مقالاتمتفرقاتمصر

د قاسم زكي يكتب: ما لا تعرفه عن جوهرة أسوان الخضراء “جزيرة النباتات”

أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة المنيا

جوهرة جنوب الوادي الخضراء، هي أحد أهم المزارات السياحية في مدينة أسوان، ومن أقدم الحدائق النباتية بالعالم، تقع حديقة النباتات بأسوان على جزيرة بأكملها في النيل، جزيرة متوسطة الحجم بيضاوية الشكل، ترقد في أحضان مياه النيل الخالد؛ في الجانب الغربي من نيل أسوان المواجه لمدينة السحر والجمال نسمة الجنوب “أسوان”.

تتمدد الجزيرة لمساحة سبعة عشر فدانا (يبلغ طولها 650 مترا وأكبر عرض لها 115 مترا). تحوي قرابة الألف من الأنواع النباتية، جلها استوائية ونادرة وليس لها مثيل في مصر المحروسة. تكسو الخضرة الزاهية والزهور الملونة كل مساحتها، بينما تغرد الطيور بأنواعها المتباينة فوق اغصانها. تحوطها مياه النيل الزرقاء الصافية من كل جانب.

تطل عليها من الشاطئ الغربي الرمال الصفراء الذهبية، وترنو اليها مقابر نبلاء مصر الأقدمين، وقبة على أبو الهوا، كما ينظر لها من بعيد، من الجنوب الغربي ضريح أغا خان.

وتسبح معها من الشرق والجنوب في مياه النيل الرقراقة جزر اسوان المتلألأه، (أقربهن شرقاٍ جزيرة “أسوان” ويطلق عليها أيضا جزيرة إلفنتين)؛ جزر غنية بثرائها بالخضرة والصخور الجرانيتية الصلدة، ويسكنها أهل النوبة وتملأها الغابات الشجرية المميزة ومعابد مصر القديمة، وتتخللها فنادق العالم الحديث. بينما تطفو حولها قوارب النيل بأشرعتها البيضاء الناصعة.

سجل التاريخ:

هي واحدة من أقدم الجزر النيلية في مصر، تكونت عبر ترسيبات طمي النيل على صخور الجزيرة الجرانيتية عبر ملايين السنين. كان يستوطنها النوبيون منذ القدم، وقد سموها جزيرة “النطرون”، وكانت تبعيتها لوزارة الري المصرية.  ثم استخدمها الإنجليز لاحقا في أواخر القرن التاسع عشر كقاعدة عسكرية لتوطيد احتلال السودان، حين هبط عليها اللورد الإنجليزي ” هوراشيو كتشنر” وأتخذها نقطة ارتكاز لقواته المسلحة للهجوم على السودان (1898م) لإخماد الثورة المهدية في الجنوب.

فأصبحت مركزا لقيادة حملاته واستراحة له في آن واحد، حتى أصبحت تعرف ب “منزل اللورد”. وكان اللورد كتشنر مغرما إلى حد كبير بالنباتات، فحول الجزيرة إلى حديقة خلابة؛ حتى أنه قام باستيراد أنواع نادرة من النباتات من دول الشرق الأقصى، والهند وإفريقيا. لذا سموها جزيرة السرادار (أو جزيرة كتشنر)، فترة من الزمن.

لكن بعد رحيل اللورد كتشنر في 1928م، وانتقال ادارتها لوزارة الزراعة المصرية، قام الملك فؤاد الأول (حكم مصر من 1917-1936م) بتغيير اسمها لتصبح “جزيرة الملك”. إلى أن قامت الثورة المصرية في يوليو 1952م ليأمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتسميتها أخيرا بـ “جزيرة النباتات”. حاليا هي تتبع معهد بحوث البساتين، مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة المصرية. ويطلق عليها أهل اسوان جزيرة النباتات أو الحديقة النباتية، فهما يحملان نفس المعني لأهل أسوان.

فريدة في محتواها من النباتات:

تضم الحديقة مجموعة نادرة من الأشجار والنباتات الأخرى، والتي عمر بعضها تجاوز المئة عام، الجزيرة (الحديقة) مقسمة إلى 27 حوضا من خلال 4 ممرات طولية و9 ممرات عرضية. وتقسم تلك الأشجار والنباتات الى مجموعات طبقا لطبيعة نموها، أهمها مجموعة الأشجار الخشبية: مثل خشب الأبنوس، الماهوجني، والصندل.. تتلوها مجموعة أشجار الفاكهة الاستوائية: مثل الباباظ والجاك فروت.

وأيضا الحديقة غنية بالنباتات الطبية والعطرية: مثل السواك، التمر الهندي، الخروب، المورنجا، القرنفل، الحبهان، الكركدية، الزنجبيل، والبردقوش. أيضا تزدان بنباتات التوابل: مثل الشطة والفلفل الأسمر كما تزدان بنباتات الزينة: مثل الفل، الياسمين، الجارونيا، التيوليب، والبتونيا وتمتلئ بالأشجار الزيتية: مثل نخيل الزيت، نخيل جوز الهند، وأشجار الزيتون.

ويلفت نظر الزائر مجموعة أشجار النخيل: مثل نخيل الدوم، نخيل جوز الهند، ونخيل التمر، وأشجار النخيل الملوكي تصطف على جانبي المشايات في الحديقة بجذوعها المرتفعة ذات اللون الأبيض الرخامي في تناسق بديع.

وقد يتساءل البعض عن سبب التنوع الحيوي للنباتات بالجزيرة عن أي بقعة في مصر المحروسة. فيذكر أنه حينما جاء اللورد كيتشنر إلى موقع الحديقة (كما ذكرنا أعلاه) وجد فيها عددا من أهالي النوبة الذين يقومون بزراعة الحبوب والمحاصيل العادية، مثل الذرة والبرسيم والقمح والاعلاف ويقومون بتربية الماشية والاغنام والطيور.

قام كيتشنر بطردهم وبدأ في إنشاء مبنى لقيادة حملته العسكرية، وما زال هذا المبنى موجودا حتى الآن وتوجد فيه إدارة الحديقة حاليا. لم يكن في هذه الجزيرة سوى بعض أشجار الجميز ونخيل التمر ونخيل الدوم. ولكن مع دخول فصل الصيف والارتفاع الشديد في درجات الحرارة أصدر اللورد كيتشنر أوامره إلى الجنود الذين ينتمون إلى بلاد مختلفة مثل الهند ووسط أفريقيا وغيرها بأن يأتوا عقب عودتهم من الإجازة بنباتات مختلفة من أجل زراعتها في المكان لتخفيف حدة الشمس، ومن هنا كان التنوع النباتي في الحديقة.

طيور تصدح في الجزيرة:

حينما ترتفع الأشجار تأتي إليها الطيور من كل حدب وصوب لتغرد فوق أغصانها الوارفة. ومع قرب جزيرة النباتات من محمية جزر سالوجا وغزال، مما يتح تواجد بعض الطيور سواء المقيمة دوما في اسوان أو التي تزورها في طريق الهجرة الموسمية. أشهر هذه الطيور النوارس – والبلاشونات – الدجاجة السلطانية – دجاجة المياه – والواق الأبيض والأخضر- اللقلق الأبيض والأسود – والأوز المصري، والهدهد، وأبو فصادة، والغراب، والوروار، والعقاب النسارية وعصفور الجنة، والبلبل ودجاجة الماء الأرجوانية وأبو منجل الأسود واليمام والصقور والعصفور الدوري.

كما أنشأت إدارة الجزيرة في بعض السنوات منطقة لتربية البط في جنوب الجزيرة، عرفت بجزيرة البط، تواجد بها المئات من هذا الطائر المائي.

مزار العظماء والبسطاء:

فهي تعد أهم المزارات السياحية بأسوان؛ لتكتمل بها أجمل جولة نيلية تستطيع القيام بها في نهر النيل قاطبة. زارتها شخصيات عالمية عديدة مثل ملكة بريطانيا العظمى (الملكة إليزابيث الثانية) وقطبي منظمة دول عدم الانحياز (نهرو رئيس وزراء الهند وجوزيف بروس تيتو رئيس يوغسلافيا).

ولا تتم زيارة اى قادم إلى أسوان إلا بزيارة تلك الجزيرة والاستمتاع بمناظرها الخلابة. وتعتبر جزيرة النباتات في اسوان من الأماكن المناسبة لمحبي رياضة المشي والجري، حيث إنها تحتوي على ممرات خلابة محاطة بالأشجار. ويلجأ السكان المحليين إلى الجزيرة كمنتزه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وفترة الظهر في الأيام العادية بحثًا عن الهدوء بعيدًا عن ضجيج المدينة. وتزدحم الجزيرة كثيرا بالزوار خاصة في فصل الشتاء، حيث شمس أسوان الدافئة ومناخها المعتدل الجاف، فهي تعد أهم مشتى مصري منذ القدم.

يمكنك الوصول إليها من البر الشرقي عبر استخدام الفلوكة الشراعية (القارب النيلي الخشبي)، أو بواسطة زورق آلي أو العبارة الشعبية، في رحلة تستغرق قرابة 25 دقيقة فوق مياه النهر الخالد وبين الجزر الصخرية والمناظر الخلابة بتكلفة لا تتجاوز 20 جنيها مصريا (حوالي دولار امريكي واحد). تبدأ الحديقة النباتية في فتح أبوابها للزوار يومياً من الساعة السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساء.. يبلغ سعر تذكرة الدخول للحديقة 5 جنيهات مصرية فقط للمصريين، و20 جنيهاً مصريا للأجانب.

تطور في حياة جزيرة النباتات:

شهدت الجزيرة تطورات عديدة حديثا، فقد تم عمل تكسيه بالحجارة لحماية جوانب الجزيرة من الانجراف؛ كما تم عمل ممرات مغطاة بالجرانيت الأسواني الوردي كفاصل بين قطاعات الحديقة (مشايات). كذا زودت بصوب زراعية ومشاتل لإكثار النباتات؛ وكافتيريا لراحة الزوار وأيضا مسجدا (في الجزء الجنوبي للجزيرة)، ودورات مياه نظيفة، وتم تجديد مبني إدارة الحديقة ومعاملها ومعشبتها ومكتبتها (الجزء الشمالي للجزيرة).

وأصبح للجزيرة ثلاث مراس نيلية لاستقبال السفن والقوارب، تقع جميعها على الجانب الشرقي للجزيرة، أحدها خاص بالعاملين في الجزيرة ويقع في المنتصف، بينما المرسى الشمالي لاستقبال الزوار والجنوبي لوداعهم.

بدأت الحديقة تتحدث عن نفسها وخاصة حاليا، حين تولى إدارتها أنشط من اسندت إليه تلك المهمة، وهما ابني أسوان (أ.د. هشام الطيب، ود. عمرو محمود)، فقد ظهرت إعلاميا بشكل ملفت للنظر، ومارست دورها كمحمية طبيعية لحفظ التنوع الحيوي؛ وكمركز علمي وبحثي، يحوي مكتبة علمية وتعقد بها الندوات العلمية والدورات التدريبية؛ وبها معشبة نباتية تحوي عينات مجففة لكل أشجار الحديقة ومعلومات كاملة عنها.

وبها معامل حديثة كمعمل زراعة الأنسجة النباتية. مما جعلها مقصدا لكل المهتمين بدراسة الجيولوجيا والبيولوجيا القديمة. وأيضا للمهتمين بنباتات المناطق المعتدلة والاستوائية، ومركز تثقيفي للزوار حيث توضع لوحة رخامية على كل شجرة توضح اسمها العلمي والعربي والإنجليزي، ومناطق نموها الأصلية وأهميتها.

ولنا أن نهديكم فيديو (25 دقيقة) للتعريف بالجزيرة، أيضا اخرجه ابن أسوان (الأستاذ ياسر مفضل)، فقد أبدع في وصف الجزيرة ومحتواها.

يمكنكم مشاهدته على الرابط التالي:

https://youtu.be/0X5anuCFBfg

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى