الأخبارالمياهبحوث ومنظماتمصر

محمد عبدالمنصف يكتب: سيول السودان.. «إنذار خطر لحوض النيل»

>> تذبذب الأمطار والفيضانات يشكل خطورة علي مستقبل إدارة الموارد المائية بالمنطقة

 

لم تكن سيول السودان الحالية الانذار الأول لشرق أفريقيا بخطورة تغيرات المناخ، فقد سبق وأن ضربت السيول جنوب شرق أفريقيا في ابريل من عام 2019، مؤدية الي وفاة 602 مواطن واصابة 1641 بالكوليرا، وتدمير 239 الف منزل وهلاك محصول نحو 1.5 مليون فدان في موزمبيق.

فيما تسببت في مصرع 344 فرد وتشريد 16 ألف أسرة، واصابة 250 الف نسمة بالأمراض الخطيرة في زيمبابوي، وسبق وأن  اجتاحت الفيضانات موزمبيق عام 2000 مسببة وفاة آلاف الأشخاص وتدمير منازلهم وهلاك محاصيلهم ، نتيجة إزالة 99% من مسطح الغابات المقامة علي نهر الليمبوبو.

وتعاني أفريقيا من ارتفاع معدلات البخر من التربة والنتج من النبات، الأمر الذي أدي الي ظهور الصحاري علي خط الاستواء في الصومال، وهو تحد يواجه مشروعات التنمية في القارة، يضاف الي ذلك القطع غير الرشيد للغابات الشجرية، التي تمتص قو ة الرياح وتقوم بتشتيتها، كما تعد العامل الرئيسي لمنع انجراف التربة نتيجة قيامها بخفض سرعة الرياح، فضلا عن الدور الذي تلعبه جذورها في تماسك التربة ومنع انجرافها مع الفيضانات.

الخطير في  الأمر انها تعاني من عدم انتظام دورة سقوط الأمطار علي أراضيها حيث يتغير أماكن تساقطها من عام لآخر، فضلا عن هبوطها بغزارة عنيفة في فترات زمنية محدودة، فالأمطار في أفريقيا اما أن تكون عنيفة فتدمر كل شئ أمامها أو أن تكون شحيحة،  فتهلك الإنسان والحيوان والنباتات عطشا.

ومن الواضح أن السيول الأخيرة لم تضرب السودان وحده بل امتدت لتشمل اثيوبيا، لارتباطهما جغرافيا ببعض،  حيث أدت السيول في اثيوبيا الي تشريد اكثر من 63 الف شخص، ونزوح عشرات الاف، ويقدر اجمالي المضارين حتي الان بنحو500 الف نسمة، ولولا ان 80% من السكان يقيمون في الجبال المرتفعة، لكانت الكارثة أكبر بكثير.

وبصرف النظر عن اقامة السدود في اثيوبيا والسودان من عدمه فاننا أمام واقع خطير ينذر بتكراره من وقت لآخر ولو علي فترات زمنية متباعده، الأمر الذي يتطلب انشاء خطة اقليمية تمتد لتشمل كل دول شرق أفريقيا، تتضمن اقامة مشروعات مشتركة، حفاظا علي الموارد الطبيعية من الإنهيار.

لذلك يجب تصميم برامج دورة زراعية مكثفة تضم دول حوض النيل مجتمعة، لتنظيم عمليات الزراعة وربطها بالاحتياج الفعلي للمواطنين،لتعظيم العائد الاقتصادي للمواطنين من المياه، فالأمطار المتساقطة علي الهضبة الاثيوبية تقدر بنحو 400 مليار متر مكعب،يصل منها مصر والسودان 40 مليار متر مكعب وتفقد هذه المياه في الوديان العميقة أو في المستنقعات دون ان تحقق فائدة ملموسة، والنتيجة أن الدول الثلاث تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها الغذائية.

نحن اذن أمام واقع خطير يفرض علي شعوب حوض النيل التكامل شئنا أم أبينا  فالسيول ستؤدي حتما الي انتشار الأمراض وبصفة خاصة الملاريا التي تنتهي عادة بالوفاة، وربما أدي انتشار البرك والمستنقعات بصورة غير متوقعة الي ظهور أمراض اكثر خطورة بالكوليرا والطاعون وخلافه، بخلاف نفوق آلاف الماشية.

ولابد من توعية المواطنين بخطورة ملف المياه علي مستقبل حياتهم اليومية، حتي يتغير سلوكهم تجاه المجاري المائية فقد أدي بناء المواطنين لمنازلهم علي ضفاف النيل الي تراجع السعة الاستيعابية للمياه مما نتج عنه غرق الأراضي المجاورة له وهو ما نحذر منه بشده في مصر فاصرار المواطنين علي بناء المباني ضمن حرم مجري النيل سيمنع تدفق المياه عند الحاجة، وهو خطر سنعاني منه مطلع الشهر القادم.

أعود فأكرر ما طالبت به في مؤتمر التكامل بين مصر والسودان عام 2009، من ضرورة وضع خطة اقليمية لاعادة زراعة الغابات، واعادة بناء القري في دولتي شمال وجنوب السودان واثيوبيا بفكر جديد وربطها بقري مصر، مثل ربط انتاجية المحاصيل الاسترايجية في دول الثلاث ببعض، وربط برامج استيرادها  من الخارج ببعض.

وانشاء شبكات طرق قوية تسمح بسهولة نقل السكان عند الشدة، وربط الخدمات الطبية بعضها ببعض، لاسيما و أن كلا من السودان واثيوبيا سيعيدان بناء القري التي تهدمت بعد توقف الأمطار، وهذا هو أنسب وقت لتنفيذ الفكرة،التي تحقق النفع المباشر لكل شعوب المنطقة.. فما قيمة مشروعات التنمية اذا هلك الإنسان وتصحرت الأراضي وعاني آلاف  البشر  من التشرد.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى