الأخبارالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د عبد السلام منشاوي يكتب: القمح المعدل وراثيا في مصر بين الحقيقة والإدعاء

برامج التربية للقمح في العالم تسعي لزيادة جودة القمح بزيادة نسبة البروتين

رئيس بحوث متفرغ ومربي قمح بمحطة بحوث سخا- قسم بحوث القمح- معهد بحوث المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية

لاحظنا في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تداول موضوع أن القمح في مصر الآن يختلف عن القمح زمان نظرا لأن القمح الحالي معدل أو محور وراثيا وأصبح به نسبة عالية من الجلوتين، وعليه فإن خبز القمح يسبب مشاكل صحية.

وقد حدث نقاشات كثيرة حول هذا الموضوع. فأردت أن أوضح في هذه المقالة، هل عندنا في مصر فعلا قمح معدل وراثي؟  أو هل هناك أي أصناف تجارية من القمح على المستوى العالمي معدلة وراثيا؟ وما هي أهمية القمح والقيمة الغذائية له.

في الحقيقة أن من يطرح موضوع أن القمح الحالي في مصر معدل وراثيا ليس لديه علم أو فهم للموضوع، والأولى له أن يسأل أهل التخصص قبل أن يخوض في كلام ليس له أساس من الحقيقة.

وهؤلاء يتعمدون إثارة البلبلة بين الناس ويجعلهم يكرهون كل شيء بالباطل وبدون علم، وهذا الإدعاء مخالف تما للحقيقة. فيجب علينا أولا أن نعرف الفرق بين التحسين الوراثي (الأقماح المحسنة وراثيا) والتعديل أو التحوير الوراثي (الأقماح المعدلة أو المحورة وراثيا وراثيا) مع التبسيط ودون الدخول في التفاصيل العلمية.

أولا التحسين الوراثي:

فهذا القسم ليس به أي مشاكل إطلاقا، حيث يقتصر تتدخل الإنسان (مربي النبات)  فيه من خلال طرق التهجين التقليدية بين الأصول الوراثية التي تحمل الصفات المرغوبة. ويهدف التهجين إلى إيجاد تباينات (اختلافات)  وراثية أو تراكيب وراثية جديدة. ويعرف التهجين بأنه عبارة عن تزاوج وتلقيح بين نباتين يختلفان في تركيبهما الوراثي وحدوث الإخصاب الخلطى بينهما. ويجرى التهجين لتجميع صفة أو أكثر موجودة في اثنين أو أكثر من السلالات أو الأصناف أو الأنواع أو الأجناس في سلالة واحدة.

ثم بعد ذلك في الأجيال القادمة يتم تداول مواد التربية بالانتخاب للتراكيب الوراثية المرغوبة بطريقة من طرق الانتخاب المعروفة في برامج التربية التقليدية.

ويستمر ذلك لسنوات محددة حتى يتم  الوصول إلى الثبات الوراثي وبعدها يتم إجراء تجارب التقييم  لتك المنتخبات. وهذا ليس عليه مشاكل في العالم كله حيث لا يتدخل مربي النبات في تغير التركيب الوراثي من خلال أحد تقنيات الهندسة الوراثية. وكل الأصناف المنزرعة في مصر تقع تحت هذا النوع من التحسين الوراثي، وبالتالي ليس لدينا أي مشاكل مما تثار في هذا الشأن والتي كلها مخالفة للحقيقة.

ثانيا التعديل الوراثي:

تعتبر النباتات المعدلة وراثيا موضوع آخر مختلف تماما، حيث يتم التعديل في التركيب الوراثي للنبات من خلال أحد  تقنيات التكنولوجيا الحيوية  للهندسة الوراثية عن طريق إدخال جينات جديدة للنبات أو تحوير في التركيب الجيني وذلك بهدف تحمل الإجهادات ( سواء كانت إجهادات حيوية أو غير حيوية) مثلا أو خلافه من الأهداف الأخرى.

وهذا النوع  عليه محاذير ومحرم في العالم كله وغير مسموح به دوليا وخصوصا مع المحاصيل التي يتغذى عليها الإنسان مثل القمح ولا يوجد أصناف قمح معدلة وراثيا في مصر ولا في العالم على مستوى الإنتاج التجاري.  وللعلم حتى التحرير الجيني  والذي يختلف عن التعديل الوراثي عليه محاذير ومحرم دوليا على الرغم أنه لا يقوم بإدخال جينات جديدة في النبات.

الادعاءات حول أضرار خبز القمح

توجد العديد من الادعاءات حول أضرار خبز القمح، إلا أن هذه الأضرار تكون نادرة لدى بعض الأشخاص من المصابين ببعض المشاكل الصحية.

ومن أهم هذه المشاكل ما يسمى بحساسية الجلوتين وهو مرض Celiac disease وهي حالة صحية يعاني المصابون بها من عدم قدرة بطانة الأمعاء لديهم على الامتصاص، وذلك نتيجة لتلفها بسبب تناولهم للأطعمة التي تحتوي على بروتين الجلوتين الموجود في محاصيل القمح والشعير والشوفان.

وهؤلاء الأشخاص وجودهم نادر وعليهم أن يأكلون الخبز المصنع من دقيق الذرة الصفراء والبيضاء والحمص والصويا والدخن والبطاطا وأمثالها، إذ أنها لا تحتوي على الجلوتين.  كما أن هناك حساسية القمح، والتي يبدأ ظهور أعراضها خلال الدقائق الأولى من تناول الخبز، إذ يلاحظ مصابي حساسية القمح الشعور بالحكة، والعطس، وظهور صوت صفير يسمى بالأزيز  ويجب التوجه إلى الطبيب‏ في حال حدوث هذه الأعراض.

أهمية القمح وقيمته الغذائية:   

القمح هو الغذاء الرئيسي للإنسان في معظم دول العالم، و يشكل القمح  أكبر مساحة منزرعة بالعالم بالنسبة لمحاصيل الحبوب الأخرى، و يزرع منه حوالي 220 مليون هكتار موزعة على كثير من مناطق إنتاجه في العالم، تنتج ما يقرب من 800 مليون طن قمح. وقد جعل الله  زراعة القمح متيسرة  في معظم بقاع الأرض من الشمال إلى الجنوب ومن شرقها إلى غربها و ذلك لأهميته في حياة البشر كلهم.

وقد اختص الله القمح بصفات وخصائص لا ينافسه فيها محصول آخر على وجه الأرض من حيث صفات الخبيز والقيمة الغذائية، وهناك مثل يقول “إن حبة القمح هي البيضة النباتية” حيث تحتوي على معظم العناصر الغذائية، وذلك يجعلنا لا نستغرب انه في العالم كله قلما توجد مائدة لا توجد عليها منتجات القمح. وقد أستعمل دقيق القمح منذ القدم في صنع الخبز وذلك بطحن القمح بين الحجارة والعجلات الصلبة.

الخبز طعام الأغنياء والفقراء، ويعد من الأطعمة الأساسية لمعظم فئات الشعوب حول العالم منذ زمن طويل، وقد يرجع ذلك إلى مذاقه الجيد، وفوائده الغذائيّة وسهولة نقله وتداوله. ويوجد العديد من أنواع الخبز، إذ يتم تصنيعه بطرق مختلفة وباستعمال مكونات مختلفة. أما حاليا فيعد القمح من أهم المكونات الأساسية المهمة لصناعة رغيف الخبز، وتختلف القيمة الغذائية للخبز حسب نوعه.

إن نوعية القمح في القابلية للطحن لعمل الخبز بمواصفات عالية من طعم ونكهة ونفاذية وسهولة هضم وغيرها محكومة بتركيب كيماوي معقد، حيث تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية وبنسب مختلفة هي النشا والبروتين والدهون.

إن أهم ما في ذلك عموما هو البروتين، إذ أن فيه الجلوتين، ومنه الجليادين والجلوتينين وكلاهما عبارة عن بروتين يتكون من عدة أحماض أمينية مشبعة. والجليادين والجلوتينين هما نوعي البروتين المهمين في حبة القمح حيث يتحكمان بالدرجة الأولى بنوعية الخبز, إذ يكونا مع الماء والملح ما يعرف بالجلوتين. يعطي الجلوتينين الصلابة لشبكة الجلوتين في حين أن الجليادين هو المسئول عن ربط تلك الشبكة مع بعضها ويعطي اللزوجة الجيدة للعجين. كما أن النسبة بين الجليادين والجلوتينين مهمة في تحديد جودة البروتين.

إن أفضل دقيق للقمح  من الناحية الصحية هو الدقيق الناتج من الحبة الكاملة Whole Kernel Wheat ، أي ليس منزوع الأجنة ودون إجراء عملية استخلاص، إذ أن نزع الأجنة وطحن بقية الحبوب واستبعاد النخالة هو تخريب شديد لصحة الإنسان، لكنه عمل تجاري لمنتجيه.

يحتوي هذا الدقيق على مجموعة كبيرة من مضادات الأكسدة، ويحوي كذلك على صبغة اللوتين التي تعطي اللون الأصفر الجذاب للخبز والمكرونة والشعرية،  ودقيق القمح مفيد جدا لبكتريا الهضم والنخالة مفيدة جدا في تحسين حركة الأمعاء وطرح الفضلات منها.

إن خبز القمح من الأغذية المفيدة في تجنب الإصابة بأمراض القولون التي يعاني منها ملايين البشر،  وذلك لما يحويه من ألياف نافعة.

والقيمة الغذائية لدقيق القمح كامل الحبة عالية حيث أن مقدار 100جم من دقيق القمح كامل الحبة الجاف تعطي معدل 340سعر حراري ويحتوي على 73 جم  كربوهيدرات و12جم ألياف و14جم بروتين وأكثر العناصر فيه هي البوتاسيوم 400ملجم والفسفور 345ملجم والمغنيسيوم 140ملجم، كما يحتوي على الحديد والكالسيوم والمنجنيز والصوديوم والزنك. ومن الفيتامينات  Cو E والثايامين والرايبوفلافين والنياسين وكلها بمعدلات جيدة مناسبة جدا  لتغذية الإنسان.

كما أن جنين الحبة غني بفيتامين  Eوالدهون وB-plex والفوليت، لذا لا تستغرب انك إذا تركت حبوب القمح في مكان معزول وأصابتها حشرات، ستجد كم هي ذكية تلك الحشرات التي أكلت الأجنة وتركت الأندوسبرم النشوي.

أما عن أغلفة الحبوب (النخالة) فهي غنية جدا بالألياف ومضادات الأكسدة وحامض الفيروليك والفايتك واللوتين والفلوفونويدات وغيرها من مركبات عدة. تمد مجموعة فيتامين B الجسم بالطاقة والحيوية، وبالأخص الدماغ، وكذلك مستوى الأداء العام للجسم. ويحوي القمح على مركبات نباتية أخرى تجعل الشخص يشعر بالشبع مدة أطول.

و للأسف الشديد، في مصر معظم دقيق الخبز يخضع لنسب استخلاص عالية مما يقلل من قيمة الخبز الغذائية. وهذا غير جيد للصحة لان ذلك يفقد كثيرا من صفات الخبز الأصلية.

ولمن يقول أن جلوتين القمح ضار أقول له، هل تعلم أن الجلوتين هو المحدد لجودة وسعر القمح؟ حيث انه المكون الأساسي لبروتين القمح، وكلما كان عاليا كان أفضل وأعلى سعرا.

وهل تعلم أن مصر قبل خمسينيات القرن الماضي كانت تزرع الأقماح الرباعية فقط؟ وهي أقماح مرتفعة في محتواها من الجلوتين حيث أنها من  أقماح المكرونة ثم بعد ذلك تم إدخال الأقماح السداسية وهي أقماح الخبز من الهند. وأيضا هل تعلم أن برامج التربية للقمح في العالم تسعي لزيادة جودة القمح بزيادة نسبة البروتين؟ لتساهم في حل مشاكل نقص البروتين في التغذية.

نحن نعلم أن هناك نسبة نادرة جدا لديها حساسية للجلوتين في القمح كما أن هناك نسبة نادرة جدا لديها حساسية من الفول وتسبب أنيميا الفول ولا تقاس الأمور على الحالات النادرة جدا ولكن تقاس على العموم .

إن محصول القمح ومهما كان سهلا وبسيطا في زراعته وإنتاجه، فان تحسينه للخبيز ولتحمل اجهادات الجفاف والملوحة والأمراض، عمل شاق جدا ويحتاج سنين طوال للتوصل لذلك، ولا يزال ألاف الباحثين يعملون من اجل هذه الأهداف الهامة فضلا عن نوعية الخبيز في الأصناف العالية الإنتاجية، كل ذلك لان الإنسان سيبقى دوما بحاجة إلى هذا الخبز الذي جعله الخالق سبحانه نعمة لا بديل لها.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى