الأخبارالاقتصادالانتاجحوارات و مقالاتمصر

د عاطف كامل يكتب: تأثير الأسلحة البيولوجية «الأوبئة الفتاكة» على البيئة والتنوع الحيوي

>> تستخدم عمدا لتدمير البيئة والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية

رئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان-كلية الطب البيطرى-جامعة قناة السويس

مدير المركز الإقليمي التدريبي والبحثي للمحميات الطبيعية بجامعة قناة السويس

 

تعرف الحرب البيولوجية أو الجرثومية أو الميكروبية بأنها الإستخدام المتعمد للجراثيم أو الميكروبات أو الفيروسات بهدف نشر الأمراض الخطيرة والأوبئة الفتاكة، بما ينجم عنه حصد أعداد كبيرة من البشر إلى جانب فناء الكائنات وتدمير الحياة على نطاق معين ويؤدى فى النهاية إلى تدهور التنوع الجيني في الحيوانات والنباتات.

تدخّل الانسان في التنوع الحيوي مسئول عن الأوبئة القاتلة

وتعد الأسلحة البيولوجية (الأمراض) من أشد الأسلحة المعروفة فتكاً وتدميراً، حيث أنها تستخدم للتسبب المتعمد في نشر الأوبئة بين البشر وفي تدمير البيئة من ماء وهواء وتربة، كما أنها تستخدم ضد المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والتي هى اساسيات اقتصاد كثير من الدول. ومن أشهر أنواع الأمراض المستخدمة في الحروب البيولوجية: الجمرة الخبيثة، الجدري، الطاعون ,الإيبولا, الكوليرا, إنفلونزا الطيور, وأمراض الفم والقدم.

وبالإضافة إلى الآثار الكارثية للأسلحة البيولوجية، فإن خطورتها تكمن في إنخفاض تكلفتها وسرعة وسهولة تحضيرها بالمختبرات ونقلها واستخدامها مقارنة بأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وعلى العكس من القنابل النووية والكيمائية، فإنه يسهل إحاطة الأسلحة الحيوية بالسرية التامة، حيث أنها تنتشر بشكل خفي عبر الهواء فهي بلا لون ولا رائحة وبالتالي لا يمكن اكتشافها أو تحديد مصدرها. ومن مخاطر السلاح البيولوجي أنه يصيب الكائنات البرية الحية البرية والمستأنسة غير المقصودة بأخطر الأمراض، كما ويصعب التفريق بينه وبين الحالات المرضية الطبيعية التي قد تشترك معه في بعض الأعراض. ومع التقدم العلمي فإن الهندسة الحيوية زادت من خطورة إستخدام السلاح الجرثومي من الدول المتقدمة لقدرتها على تحضير أسلحة جرثومية لأهداف عسكرية محددة.

الحرب البيولوجية والتلوث البيئي

يخلف إستعمال الأسلحة البيولوجية مثل جراثيم الأمراض الملوثة للهواء، والماء، والغذاء، والبيئة بشكل عام, مسببة بذلك أمراض وبائية للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء. حيث أن هذه الجراثيم المرضية لا تظل ساكنة بصورة وبائية في الطبيعة ولعدة سنوات فحسب، بل وتقاوم الظروف البيئية الصعبة.

هنالك عدد كبير من الأمراض الملوثة للهواء والمستخدمة في الحرب البيولوجية وتعد الفطريات من أشهرها، حيث أنها تنتقل بالهواء لمسافات بعيدة لتصيب النباتات السليمة بأمراض كالصدأ وغيره. أما تلوث الأغذية فهو من أقوى الطرق المستخدمة في تنفيذ هجمات الحرب الجرثومية، حيث تنقل العدوى إلى الإنسان مباشرة من خلال تناول الطعام أو الشراب الملوثين، أو بطرق غير مباشرة بوساطة عائل وسيط.

أما المياه فتنقل عدداً من الأمراض الفتاكة, فمثلاً يعتبر سـم بكتيريا  Clostridium tetaniمن أقوى السموم المستخدمة حربياً, حيث يستطيع  جرام واحد من هذا السم قتل ثمانية ملايين نسمة خلال ستة ساعات فقط وفي الحال. وليكون الضرر مزدوجاً على الحيوان والإنسان معاً، تستخدم ميكروبات الأمراض المشتركة كالحمى المالطية، الحمى القلاعية، جدري الأبقار، القراع، الحمى القرمزية وغيرها كثير.

خطورة الحرب البيولوجية على التنوع الحيوي

هنالك اعتراف علمي متزايد بأهمية مكافحة الأمراض للحفاظ على التنوع الحيوي والسلالات الحيوية المهددة بالانقراض.  وبالرغم من وجود اللقاحات والأدوية المضادة لمعظم الأمراض المستخدمة فى الحرب البيولوجية, إلا أنها قد لا تتوافر بكميات مناسبة لمواجهة التفشي الوبائي للأمراض. إن من أهم أسباب الانقراض في الأنواع المهددة بالانقراض هو الإصابة بالمرض, حيث تشكل هجمات الأسلحة البيولوجية خطراً على النباتات والحيوانات البرية النادرة بشكل طبيعي والأنواع التي انقرضت اوقل عددها أو تدهورت موائلها الطبيعية بسبب الأنشطة البشرية. ومن الجدير بالذكر أن الأمراض التي استطاع البشر تطوير مناعة لها في الأنواع المحلية قد تكون مميتة في الحيوانات البرية.  إن الأسلحة البيولوجية ليس لها تأثيرات مباشرة على التنوع الوراثي للنباتات والحيوانات الأهلية فحسب، بل إن لها أيضاً آثاراً كارثية مباشرة وغير مباشرة على المجتمعات الحيوية من النباتات والحيوانات.

خطر الأسلحة البيولوجية على التنوع الحيوي الحيواني (Biodiversity )

تعتبر المحافظة على سلالات المواشي أمراً أساسياً للحفاظ على التنوع الجيني المهم بدوره لزيادة قدرة الكائنات الحية على ممارسة دورها فى السلسلة الغذائية والتكيفات البيئية وتوفير المقاومة للآفات المختلفة وتأثيرات المناخ وغيرها. تتمثل خطورة الأسلحة البيولوجية على التنوع الحيوي الحيواني في أربعة جوانب رئيسية:

  1. خطر الأمراض الحيوانية على الأنواع البرية (Diseases of Animal Origin)

تتمثل خطورة الأسلحة البيولوجية في أن بعض الأمراض المميتة في البشر أو الحيوانات الأليفة، قد تصيب الحيوانات البرية دون ظهور علامات سريرية للإصابة بالأمراض. يتجلى الضرر المدمر لانتشار الوباء على الأنواع البرية المهددة بالانقراض في آثار انتشار مرض  Canine distemper, وهو مرض فيروسي يصيب الكلاب الأهلية والحيوانات البرية المنتمية الى نفس الفصيلة، كما وطور هذا المرض في مختبرات الأسلحة البيولوجية, فخلال العقد الماضي، أدى تفشي هذا الداء إلى فقدان الموائل وانقراض عدد كبير من الأنواع البرية المعروفة في أمريكا الشمالية والقضاء على ما يقارب ثلث مجتمعات الأسود في تنزانيا, كما ويشكل هذا المرض تهديداً خطيراً على العدد القليل المتبقي من الفهود المهددة اساسا بالانقراض.(Red Data List 2015)

  1. خطر الأنواع الدخيلة (Invasive Species)

يقدم تاريخ مرض الطاعون البقري في أفريقيا نموذجاً للتنبؤ بالآثار المحتملة لانتشار أمراض  فتاكة على الأنواع البرية والماشية, ففي عام 1887, أدخل فيروس الطاعون البقري إلى أفريقيا بوساطة الماشية عن طريق الجيوش الاستعمارية الأوروبية, مما أدى إلى تفشي الطاعون البقري بين سلالات الأبقار المحلية والأنواع البرية في أقل من عقد من الزمان، مما أسفر عن مقتل ما يقدر بـ 90-95٪ من الماشية والجاموس الأفريقي في شرق أفريقيا في غضون 3 سنوات, وللسيطرة على الوباء دمرت قطعان الماشية والجاموس الإفريقي في معظم مناطق أفريقيا. وعلى الرغم من جهود مكافحة مرض الطاعون البقري المكثفة على مدى القرن الماضي، فإن المرض لا يزال حيوياً داخل شرق أفريقيا ويحدث تفشياً دورياً بين الماشية والحيوانات البرية في المنطقة.

  1. القضاء على الأنواع الحيوانية والعوائل الوسيطة وناقلات المرض

قد تتعرض الأنواع المهددة بالإنقراض إلى الإتلاف في المناطق التي تعرضت لهجمات بيولوجية بهدف استئصال المرض. فمثلاً, في الولايات المتحدة، أدت برامج مكافحة مرض البروسيلا في الماشية إلى إعدام حيوانات برية كالثيران الأمريكية, والأيل, والغزال الأبيض.

  1. التدخل البشرى والتغير المناخي

إن دراسة الزيادة في مسببات الامراض ذات المصدر الحيواني توحي بإن مثل تلك الامراض والتى اصبحت أسلحة بيولوجية مدمرة يمكن ان تنتج من تغييرات يتسبب فيها البشر للبيئة الطبيعية . ان التطوير الحضري وتحويل الاراضي الرطبه لاراضي زراعية والتلوث وازالة الغابات والتغير المناخي تعتبر من العوامل الرئيسية . ان الابحاث المتعلقة بايبولا ربطت تفشي المرض بالممارسات الزراعية حيث عندما تمت ازالة الغابات لزرع المحاصيل اختفت الخفافيش التي تقتات على الحشرات بينما تضاعفت اعداد خفافيش الفاكهة والتي تعتبر المضيف الطبيعي لفيروس الايبولا.

ومن العوامل التى تهدد الحيوانات البرية وتغير مواطنها، قطع أشجار الغابات لأغراض الزراعة وتربية الحيوانات بشكل مكثف، التي قد تشكل بدورها “جسرا” مع الانسان (ولاسيما من خلال تطوير مقاومة على المضادات الحيوية المستخدمة كثيرا في الزراعة الصناعية)، وتوسع المدن وتشرذم المواقع الطبيعية ما يؤثر على التوازن بين الأنواع. ويضاف إلى ذلك التغير المناخي الذي قد يدفع بعض الحيوانات الناقلة للمرض إلى الانتشار في أماكن لم تكن تقيم فيها سابقا. ويمكن توعية الأفراد بخطورة الحرب البيولوجية أو الجرثومية أو الميكروبية من خلال الأتى:

  1. نشر التوعية اللازمة فيما يتعلق بمخاطر الحروب البيولوجية لما لهذة الأمراض أو الأوبئة الفتاكة قدرة فائقة على العدوى لسهولة انتشاره بالملامسة أو الاستنشاق، كما أن معظم سكان العالم قابلون للعدوى بهذا الفيروس.
  2. تصل بشاعة فيروس مثل الجدري لدرجة أن الجرام الواحد من اللقاح النشط يكفي لإصابة مئات الأفراد، إذا ما تم رش رذاذ اللقاح في الهواء ويصبح هؤلاء مصدراً للعدوى ناقلين للفيروس من مكان لآخر فترتفع أعداد المصابين لتصل لمئات الملايين من البشر، وهذا يماثل في فعله قوة أسلحة الدمار الشامل مثل القنبلة النووية.
  3. البكتريا الممرضة للإنسان، من أخطر أنواع تلك البكتريا الجمرة الخبيثة ويعتبر هذا المرض من أقدم الأمراض التي عرفها الإنسان، ويقال إنه المقصود في القرآن الكريم بكلمة الدم في الآية 133 من سورة الأعراف. قال تعالى (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين) وقد اجتاح مرض الجمرة الخبيثة أوروبا عام 1613م، وأدى إلى موت نحو 600 ألف نسمة.

 

الخلاصة

تتعالى الأصوات في المجتمع الدولي لضرورة السيطرة على الأسلحة المدمرة لما تشكله من خطرٍ فادح على البشرية والبيئة على حدٍ سواء, يمكن أن يؤدي الإخفاق في منع الهجمات البيولوجية إلى تدهور التنوع الجيني في الحيوانات والنباتات، وانقراض الأنواع المهددة بالإنقراض وما يتبعه ذلك من عواقب وخيمة على الطبيعة، كما وسيؤول الأمر إلى استبعاد السكان الأصليين، وتدمير سبل العيش البشرية والثقافات التقليدية, وفي كل الحالات السابقة ستكون البيئة بعناصرها المتعددة الخاسر الأكبر، حيث يؤدي السلاح البيولوجي إلى اختلال التوازن البيئي.

وبالرغم من أن تطورات التقنيات الحيوية قد زادت القيمة الاقتصادية للتنوع الوراثي للكائنات الحية، إلا أنها زادت أيضاً من خطر القضاء على التنوع الجيني من خلال إستخدام الكائنات الحية المعدلة وراثياً كأسلحة دمار شامل.

ليس من السهل وضع حداً لسباق التسلح البيولوجي، لذلك، فإنه يجب توحيد الجهود العالمية لمكافحة هذه التهديدات, فعلى الدول أن تعزز قدرتها على الكشف المبكر عن المرض, كما ويجب على المختصين بالصحة وبالعلوم الحياتية والاقتصاديين التواصل مع المشرعين لإقناعهم بأهمية تطوير جهاز دفاعي لمواجه الآثار غير المباشرة للأسلحة البيولوجية على النظم البيئية والقطاعات المهمة في الاقتصادات الوطنية. وبالتأكيد، يتحتم نشر التوعية اللازمة فيما يتعلق بمخاطر الحروب البيولوجية.

ان التنوع البيئي القوي يعتبر بمثابة حاجز في مواجهة انتقال الامراض للبشر. لقد استنتجت فيليسيا كيسينج و 12 باحث اخر في مقال نشرته مجلة نايتشر “الطبيعة” سنة 2010 ان المحافظة على الانظمة البيئة السليمة وتنوعها البيئي وحمايتها تقلل من الاتصال بين البشر والحيوانات وظهور مسببات امراض جديدة وانتشار الأمراض المعدية.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى