اسماكالأخبارالانتاجحوارات و مقالات

د أحمد رمزي يكتب: القاعدة الذهبية للإستزراع السمكى

>>نظم التربية المغلقة هى أحدث النظم التى تنتهجها الدول المتقدمة بعد تكرار حوادث النفوق غير المتوقع للأسماك المستزرعة لديها

باحث مساعد – قسم بحوث أمراض الأسماك- معمل المنصورة الفرعى – معهد بحوث الصحة الحيوانية

إن القاعدة الذهبية للإستزراع السمكى تتجلى فى منع دخول المسببات المرضية على طول السلسلة الإنتاجية بشكل أساسى سواء فى مدخلات العملية الإنتاجية إلى داخل نظام التربية وسلاسل الإمداد حتي يصل المنتج بشكل آمن وصحى للمستهلك. ويمكن أن يحدث ذلك من خلال جعل بيئة التربية أقل عداء للأسماك.

يجب أن نعرف أولا حقيقة أن يرقات الأسماك تبدأ فى شرب الماء قبل حدوث إمتصاص كامل لكيس المح وتكون الإنزيمات الهضمية ضعيفة التركيز كذلك وبهذه الطريقة تتوطن الميكروبات الموجودة فى المحيط الحيوى داخل القناة الهضمية لليرقات وتستمر حتى بعد الحصول على الوجبة الأولى من الطعام. وتتأثر الأسماك ذات الحجم الأكبر بالميكروبات الممرضة التى تتواجد بصورة إنتهازية فى بيئتها كذلك عندما تتعرض للإجهاد.

فماذا نفعل للوقاية أو بمعنى آخر تطبيق شروط الأمان الحيوى وقواعد السلامة فى الإنتاج المستدام للأسماك وحوكمة صناعة الإستزراع السمكى وجعلها ضمن نشاط العمل المؤسسى بشكل أكبر. يمكن ذلك من خلال:

  1. دمج منظومات الإنتاج الزراعى المتكامل بداية من تصميم شبكات الرى بشكلها الهندسي المعروف منذ عهود بإستخدام مواد محلية الصنع حيث تكون القنوات ذات عمق غير كبير ويتم تبطينها بالحجر البركاني –مصدر للكربون والمعادن اللازمة لنمو الهائمات والطحالب (أنظر الشكل رقم ١) وتكون الجوانب أو الجسور لقناة الرى مصممة بشكل مائل مع وجود حافة تعرف بمسمي شط “طرح” النهر أو المجرى المائى مازالت مملوكة لوزارة الرى وتستخدم حتى وقتنا هذا فى الزراعات التقليدية للخضروات البسيطة ويمكن تطعيمها بديدان الأرض التى تتغذى على المواد الغذائية المتواجدة فى التربة وتنتج الأحماض العضوية مثل حمض الهيوميك.
  2. ولهذه الأحماض دور هام فى منع تسرب المسببات المرضية فى طبقات التربة وإعاقة إشارات التواصل بين الميكروبات لأن هذه الإشارات ذات أصل بروتينى وتعمل الأحماض على تغيير طبيعة البروتينات وبالتالى تؤثر على كفاءة عملها وتعمل الأحماض العضوية كحاجز يمنع تسرب المركبات النيتروجينية إلى طبقات التربة وخزانات المياه الجوفية مما يحفظ نقائها وعدم تلوثها وتقلل كذلك من نمو الفيلم الميكروبى أو الأغشية الحيوية (المعروفة بالمصطلح العامى الهلام وتنمو على المخاط الموجود على السطح الخارجى لجلد الأسماك) .
  3. ويمكن تصميم شبكات الرى هذه فى المناطق الإستوائية والمدارية الحارة والمعتدلة ويساعد العمق الصغير للمجرى المائى فى السماح بالتنفس الجيد لديدان الأرض ويمكن زراعة الأشجار مثل الأبنوس والأرو والزان وخشب الورد والصندل بالإضافة إلي أشجار الصفصاف والكافور والبلوط والجازورين لأغراض بيئية على ضفتي المجري المائي لقنوات الري تتشابك جذورها فتمنع من إنهيار ضفاف المجري المائي وكذلك توفير الإحتياج إلي التكريك.
  4. ويمكن إستخدام أخشابها من قبل الحرفيين في صناعة الأثاث ويجب الأخذ فى الإعتبار حاجة بعض الأشجار إلى معدلات رى أقل أو زراعتها ببعد نسبى معين عن المجرى المائى ولها دور كبير فى خفض الإنبعاثات الكربونية وعمليات التغير المناخى بوتيرة متسارعة .
  5. ويتم تصميم آليات الري الحديث بالرش والتنقيط وتشييدها في الأراضي المجاورة لقنوات الري حيث تكون المياة محملة بالأحماض العضوية والمغذيات. ويمكن إستنبات الطحالب والنباتات المائية حسب توصيات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) كل فى أحواض مستقلة تخضع لتطبيق شروط الأمان الحيوى بدقة وصرامة حتى يمكن التحكم فى المجتمع الميكروبى للمزارع من بداية التربية وضمان إستمراريته وعدم التعرض لإصابات مرضية فجائية.
  6. هندسة الأسطح فى نظم التربية فى تانكات مثل تأثير اللوتس أو تصميم الأسطح الفائقة التنافر أو الكراهية مع الماء أو ذاتية التنظيف وبالتالى تقلل من إمكانية إلتصاق ونمو الأغشية الحيوية على السطح الداخلى للحاوية أو التانك.
  7. وهذه التقنيات النانوية مستمدة من الشكل الخارجى لأوراق بعض النباتات مثل اللوتس وأجنحة بعض الحشرات شكل (2) و (3) وتلتهمها الأسماك كجزء من وجبتها أو حميتها الغذائية وعندما تتعرض الأسطح المخاطية الداخلية للأسماك إلى الميكروبات أو أجزاء (وحدات) منها دون مستوى الحمل الميكروبى الذى يسمح بحدوث العدوى يؤدى ذلك لحدوث مناعة التأقلم أو التعود مع المحيط الحيوى المعروفة إصطلاحا بإسم Adaptive immunity ولهذا السبب أيضا لا ينصح بإستخدام اللقاحات كإجراءات وقائية فى البيئات المفتوحة.
  8. تصميم المزارع السمكية بحيث تكون المياه المستخدمة فى الرى متجددة بصورة دائمة ولا تختلط بمياه الصرف الناتجة عن التربية وألا تتداخل مياه المزارع المتجاورة ويفضل أن تخضع مياه الرى للتنقية من الشوائب بطرق ميكانيكية مثل تركيب الشبك على مداخل فتحات الرى وكذلك للفلترة بالطرق البيولوجية مثل الفلتر الميكروبى والذى يمنع دخول المسببات المرضية التى تزيد أقطارها عن فتحات الفلتر فى نظم إعادة التدوير “Recirculating Aquaculture System” .
  9. وتتم صيانتها أو تغييرها كل فترة والطرق الفيزيقية مثل لمبات الاشعة فوق البنفسجية ويفضل إختزان المياة قبل إستخدامها فى التربية مدة 48 ساعة حتى تكون حركتها مستمرة دائما من المخزون. ويتم التحكم فى المجتمع الميكروبى للمزرعة عن طريق توطين الميكروبات النافعة المرغوبة المعروفة بإسم البروبايوتك فى اليرقات فى فترة اول أسبوعين بعد الفقس حتى عمر ثلاثة أشهر إلى حين إكتمال نضوج الجهاز المناعى وبداية تطور المناعة المستقلة.
  10. ويفضل أن يتم تقديم البروبايوتك فى شكل محاليل معلقة أو مستحلبات “Suspensions/Emulsions” تناسب فتحات الفم الصغيرة لليرقات وتساعد صياغتها السائلة نسبيا فى تسهيل توطين الميكروبات النافعة المرغوبة فى ذلك العمر إذا أخذنا فى الإعتبار قصر طول القناة الهضمية للأسماك عموما ولليرقات بشكل خاص مما يساعد فى إنتاج يرقات عالية الآداء والإنتاج ولها قدرة عالية أيضا على البقاء ولا يتطور الهضم عن طريق التخمر إلا فى الأسماك كبيرة العمر و وذلك فى الأسماك عشبية ومتنوعة الحمية الغذائية مثل أسماك المبروك والبلطى.
  11. ومن أمثلة الميكروبات النافعة خمائر “Rhodotorula mucilaginosa” والتي تمتاز بخصائص إخماد النصاب Quorum Quenching -(ويقصد بالنصاب هو الوصول أو تواصل الميكروبات الضارة إلى حمل ميكروبى معين يسمح بحدوث العدوى)- ضد ميكروب الإيروموناس وهو الميكروب الأكثر تواجدا بين أسماك المياة العذبة وتضاد هذه الخمائر نظام إفراز الحديد فى ميكروب الإيروموناس وبالتالى تضعف من حدوث ضراوة الميكروب بصورة كاملة حيث تستخلص الميكروبات الحديد من جسم المضيف لتساعدها فى إضعافه وإجهاده وبالتالى حدوث العدوى.
  12. وبكتريا “roseobacter clade” والتى تتوطن فى معدة وأمعاء الأسماك البحرية وتضاد عمل الميكروبات الممرضة وكذلك الطحالب البحرية الحمراء “Delisea pulchra” والتي تنتج مركبات الفيورانون المهلجن “halogenated furanones” والتي لها خصائص مضادة لإستشعار النصاب anti-quorum sensing ضد ميكروب الفبريو وهو الأكثر شيوعا فى أسماك المياه البحرية وتمنعه حين تتواجد فى الوسط من التواصل للوصول للحمل الميكروبى اللازم لإحداث العدوى ويمكن إستخلاص وإضافة هذه المركبات للمفرخات والمزارع السمكية بالإضافة إلى باقى الإجراءات مما يساهم فى أمانها الحيوى والتحكم فى المجتمع الميكروبى إلى حد كبير.
  13. من المفضل رش أوراق النباتات وتوطين البكتريا النافعة مثل “Bacillus subtilis” فى التربة والبيئة لما لها من أثر كبير فى تحسين الآداء و رفع نوعية المنتجات الزراعية.
  14. بعض العادات والتى يمكن التغلب عليها بالأسلوب المسئول للوسائل الترفيهية مثل الشيشة العربى حيث يذهب بعض الباحثين إلى أن إستخدام مواد مثل القنب الهندى والشيشة من نوع “jurak” وإختلاطهما بالماء بسبب السلوك غير المسئول للكافيهات الشعبية التى تتواجد على المجارى المائية إلي نمو فطر الزغب القطنى أو “Saprolegnia” وبالأخص فى فصل الشتاء مما يؤدى إلى ضعف الفقس والتفريخ لتسببه فى حدوث إختناق للبيض في هذا الموسم بالتالى نقص المخزون السمكى.
  15. منع وصول الحيوانات الضالة من أمثلة القطط والكلاب إلى الأحواض الترابية وكذلك يفضل تغطيتها لعدم السماح بوصول مخلفات الطيور البرية والمهاجرة إلى بيئة التربية وكذلك منع وتجريم إلقاء القمامة والحيوانات النافقة واختلاط صرف المصانع والصرف الزراعى والصحى بمياه الرى.
  16. عن طريق التغذية بإستخدام تركيبات سائلة للأعلاف مثل الطحالب من نوع الإسبيرولينا “Spirulina” الغنية بالمحتوى البروتينى ومركبات الأوميجا 3 مع إضافات الخميرة البلدى “sourdough” والتى تتكون فى مجملها من خمائر Saccharomyces ويمكن زيادة قيمتها الغذائية بإضافة أحماض أمينية وفيتامينات خلال تحضيرها ويتم التحكم في قوامها حسب نسبة الرطوبة بها ويمكن إضافة مادة “Butyrate” التى تعمل على نمو الخملات المعوية وبالتالى الحفاظ على الحاجز المعوى سليم ومقاوم للميكروبات الإنتهازية مما يرفع المناعة.
  17. بالنسبة للبحيرات وتسمى علميا بالمصايد الداخلية ينطبق عليها ما ينطبق على مجرى النهر من ناحية التحكم فى مصدر مياه الرى المستخدمة بها وألا تكون متصلة بمصدر مفتوح طوال الوقت دون تحكم كأن يكون هناك بوابات كالتى تتواجد على مداخل الترع لضمان التحكم الكامل فى فتحات دخول مياه الرى لأن مياه البحر تحتوى على كم هائل من الميكروبات الممرضة الإنتهازية المحتملة. وكذلك التبطين وتدعيم السدود والجسور حتى لا تنهار وتحتاج للتكريك وكى لا ينمو بها البوص والغاب والنباتات غير المرغوب بها فى عمق عمود مائى ضحل. ويتم رفع المياة بتقنية طواحين الهواء الرأسية لضخ المياة للتجفيف وإعادة التعبئة شكل رقم (4) وتوليد الطاقة لتستخدم فى تنقية المياة عند الحاجة أو لتشغيل بدالات التهوية.
  18. إختيار أسماك ذات خصائص بيولوجية تتناسب مع نوعية المياه قى بيئة التربية ومثال ذلك سلالة البلطى النيلى Oreochromis niloticus المعروف بصبغة أو ضى أصفر على جانبى الجسم وتعرف فى أوساط المربيين بإسم بلطى المانجو Mango Tilapia وتتغذى على الهائمات النباتية Phytoplanktons  والحيوانية Zooplanktons ويكون محتوى بيضه من المح كبير نسبيا فيعطى نجاح ملحوظ فى التفريخ مقارنة بباقى السلالات الهجينة مثل البلطى الأزرق Oreochromis aureus والذى يتغذى على الهائمات الحيوانية والتى بدورها تتغذى على الهائمات النباتية وبذلك يسبب إجهاد للسلسلة الغذائية الطبيعية لذلك تفضل سلالة البلطى النيلى.

وأخيرا فإن نظم التربية المغلقة هى أحدث النظم التى تنتهجها الدول المتقدمة بعد تكرار حوادث النفوق غير المتوقع للأسماك المستزرعة لديها.

وبتهيئة البيئة المناسبة يمكن العودة لإطلاق الزريعة فى قنوات الرى أو مساعدة الأسماك فى الطبيعة على إستعادة توازنها البيولوجى.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى