د فوزي يونس يكتب: إستراتيجيات التحويل الحاكمة لتغير المناخ
استاذ فسيولوجيا الأقلمة – مركز بحوث الصحراء – مصر
هناك الآن شبه إجماع في الأوساط العلمية الدولية على أن تغير المناخ سوف يشكل أحد التحديات الكبرى في القرن الحادي والعشرين. وقد بات من الواضح أكثر فأكثر خلال السنوات الأخيرة أن عواقبه الوخيمة ستتجلى في شتى أنحاء العالم وأن ضررها سيضرب في المقام الأول أكثر سكان الكوكب حرماناً وفقراً، أي أقل الناس استعداداً لمواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ.
إن مناخ كوكبنا آخذ في التغيُّر ولطالما كان المناخ متقلباً، غير أن القضايا التي يطرحها تغير المناخ في يومنا هذا تثير قلقاً متنامياً، ربما لأن هذا التغير بلغ على ما يبدوحجماً غير مسبوق، ولكن الأهم من ذلك هو أن هناك دلائل قوية تشير إلى أن البشرية قد تكون ضالعة في تغير المناخ ضلوعاً مباشراً.
ومن شأن أي تغير في المناخ أن يفضي إلى زعزعة الأوضاع البيئية والإجتماعية في العالم أجمع. وبإمكان الإضطرابات الناجمة عن ذلك أن تقوض عملية صون النظم الإيكولوجية الطبيعية واستدامة النظم الإجتماعية والإقتصادية. ويحتفظ كوكبنا بدفئه الطبيعي من جراء ما يعرف بتأثير الغازات الدفيئة (تقوم بفعل يشبة فعل الصوبة البلاستيكية) .
ويعني هذا احتباس الطاقة التي تشعها الأرض في الغلاف الجوي بدلاً من رحيلها وتبددها في الفضاء الخارجي. وفي العادة توجد الغازات الدفيئة المتعلقة بهذه الآلية التنظيمية بتركيزات ضعيفة جداً.
جزيئات ثاني أكسيد الكربون وتغير تركيزاتها في الغلاف الجوي:
جزيئات ثاني أكسيد الكربون لا توجد أبداً بتركيزات تتجاوز بضع مئات في المليون، إلا أن لها بالرغم من ذلك أهمية كبيرة في التوازن المناخي للكوكب. وكانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون قبل الثورة الصناعية تتراوح ما بين ٢٧٠ و ٢٩٠ جزءاً في المليون على مدى عدة آلاف من السنين. أما في الوقت الراهن فإن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تتجاوز ٣٦٠ جزءاً في المليون وهو مستوى غير مسبوق منذ سنوات عديدة.
وليس هناك أدنى شك في أن تغير تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سوف يؤثر في النظام المناخي، غير أن عمليات التأثير هذه متعددة الأوجه ومعقدة ومتفاعلة فيما بينها. وتجري بحوث مكثفة وواسعة النطاق على الصعيد العالمي من أجل فهم أفضل لتأثيرنا نحن البشر في مناخ كوكب الأرض الآخذ في التغير.
وفي إطار الإستجابة لهذا الوضع ككل تم إنشاء الهيئة الحكومية وبرنامج (WMO) تحت رعاية المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (IPCC) الدولية المعنية بتغير المناخ من أجل تقييم وجمع وتوليف المعلومات العلمية والتقنية والإجتماعية (UNEP) الأمم المتحدة للبيئة والإقتصادية الخاصة بفهمنا لتغير المناخ وآثاره المحتملة وكذلك من أجل تحديد الخيارات فيما يتعلق بالتكيف مع هذا التغير وتخفيف وطأته. وتمثل تقارير التقييم الدورية للهيئة أفضل خلاصة لما يتم التوصل إليه بشأن تغير المناخ.
الشكل رقم (1) يبين التغيرات في درجة حرارة سطح الأرض: من عام ١٠٠٠ إلى عام ٢١٠٠ يظهر هذا الشكل الاختلافات في متوسط درجة الحرارة السطحية من عام ١٠٠٠ إلى عام ١٨٦٠ في نصف الكرة الأرضية الشمالي مجمعة من البيانات غير المباشرة (حلقات جذوع الأشجار، والمرجان، وباطن الجليد، والسجلات التاريخية).
ويبين الخط متوسط الخمسين عاماً، .٪ بينما تمثل المنطقة الرمادية حد الثقة في البيانات السنوية البالغ ٩٥ كما يظهر الشكل، انطلاقاً من التسجيل باستخدام الأجهزة، الإختلافات في عمليات رصد متوسط درجة الحرارة السطحية العالمية والسنوية من عام ١٨٦٠ إلى عام ٢٠٠٠.
ويبين الخط أيضاً المتوسط العقدي. وتظهر في الشكل تقديرات المتوسط العالمي لدرجة الحرارة السطحية للفترة الممتدة من عام ١٠٠٠ إلى عام ٢١٠٠ والواردة في مختلف سيناريوهات الإنبعاثات [المعروفة بسيناريوهات التقرير الخاص باستخدام نموذج ذي حساسية مناخية متوسطة. وتبين *[(SRES) مختلف النماذج الواردة في » المنطقة الرمادية الموصوفة بعبارة نطاق النتائج المستمدة من المجموعة الكاملة من السيناريوهات والنماذج « سيناريوهات التقرير الخاص (٢٠٠١ ,IPPC) .
* N. Nakicenovic et al., 2000, IPCC Special Report on Emissions Scenarios, Cambridge University Press, Cambridge, United Kingdom and New York, NY, USA, 599 pp.
ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ازداد متوسط درجة الحرارة في العالم خلال القرن العشرين ليصل إلى ٠٫٦± ٠٫٢ درجة مئوية. وانحسرت الكتل الجليدية الجبلية انحساراً واسع النطاق في المناطق غير القطبية، وتقلصت مساحة الجليد البحري في النصف الشمالي من الكرة الأرضية خلال فصلي الصيف والشتاء بنسبة تتراوح بين ١٠ ٪ و ١٥ ٪ منذ خمسينيات القرن الماضي.
سناريوهات الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ:
تقوم الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ بوضع سناريوهات بشأن الإنبعاثات الناجمة عن الأنشطة البشرية من أجل التنبؤ بالإتجاهات المناخية في المستقبل. وبناء على هذه السيناريوهات تتوقع النماذج المناخية أن تصل تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى كمية تتراوح بين ٥٤٠ و ٩٧٠ جزءاً في المليون بحلول عام ٢١٠٠ .
ويتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة العالمية لسطح الأرض بمعدل يتراوح بين ١٫٤ و ٥٫٨ درجة مئوية. كما يتوقع أن يرتفع متوسط منسوب مياه البحر في الفترة الممتدة من عام ١٩٩٠ إلى عام ٢١٠٠ بمقدار ٠٫٠٩ إلى ٠٫٨٨ م.
وهناك أيضاً زيادة متوقعة في متوسط تركيز البخار ونسبة هطل الأمطار خلال القرن الحادي والعشرين، ومن المرجح جداً أن تحدث تغيرات أكبر من سنة إلى أخرى في نسب الهطل في معظم المناطق التي يتوقع أن يزداد فيها متوسط هذه النسبة. ويتوقع كذلك حدوث تغيرات في الظواهر الجوية المتطرفة و/أو الشديدة مثل موجات الحرارة والجفاف أو الهطل الغزير بلا انقطاع خلال فترة ممتدة أو الأعاصير المدارية.
ومن المتوقع أن التراث العالمي سواء كان ثقافيا أو وطبيعيا، يمكن أن تكون عرضة للضرر والخطر من جراء تغير الظروف المناخية، وذلك على النحو التالي:
- تتعرض الكتل الجليدية للذوبان في جميع أنحاء العالم، وقد يؤثر ذلك تأثيراً كبيراً في مظهر بعض المواقع الجبلية المدرجة في قائمة التراث العالمي بسبب قيمتها الجمالية الإستثنائية.
- إن التغيرات في درجة حرارة البحر وازدياد نسبة ثاني أكسيد الكربون الذائب في مياه المحيطات أمر يزيد من صعوبة المحافظة على الشعاب المرجانية، مع ازدياد وتيرة ابيضاض المرجان مما يؤدي إلى موته على نطاق واسع.
- سوف يرغم تغير المناخ بعض أنواع النبات والحيوان على الهجرة عندما لا يصبح بمقدورها التكيف مع التغير الذي ينتاب بيئتها، الأمر الذي يطرح مشكلة فيما يتعلق بصون مراكز التنوع البيولوجي المدرجة في قائمة التراث العالمي الطبيعي.
كما يمكن أن يحدث ايضا تغيرات إقليمية ناتجة عن التغيرات المناخية يمكن حصرها فيما يلي:
- يكون الاحترار على أشده فوق اليابسة وعند معظم خطوط العرض الشمالية العليا بينما يقل إلى حده الأدنى في المحيط الجنوبي وأجزاء من شمال المحيط الأطلسي ما يمثل استمرارا للاتجاهات التي رصدت أخيرا (الشكل 1 – 2) .
- انكماش مساحة منطقة الغطاء الجليدي وزيادة في عمق الذوبان في معظم الأراضي دائمة التجمد وتقلص مساحة الرقعة الجليدية فوق البحار. ووفقا لبعض الإسقاطات التي تستخدم سيناريوهات التقرير الخاص فإنه بحلول الجزء الأخير من القرن الحادي والعشرين يكاد يختفي كليا الجليد البحري في أواخر الصيف في القطب الشمالي.
- من المرجح جدا حدوث زيادة في تكرر وقوع ظواهر الحرّ المتطرفة، والموجات الحارة، والهطول الشديد.
- من المرجح حدوث زيادة في شدة الأعاصير المدارية و إنخفاض لعدد الأعاصير المدارية.
- تحول في مسارات العواصف التي تهب شمالي المنطقة المدارية في اتجاه المنطقة القطبية الشمالية مما يستتبع تغيرات في الرياح وهطول الأمطار وكذلك أنماط درجات الحرارة.
- من المرجح جدا أن يزداد الهطول عند خطوط العرض العليا ومن المرجح أن يقل في معظم مناطق اليابسة شبه المدارية.
وفي النهاية: يمكن القول بأن هناك ثقة عالية يتوقع أن يزداد جريان الأنهار السنوى وتوافر المياه بحلول منتصف القرن عند خطوط العرض العليا (وفي بعض المناطق المدارية الرطبة) وأن ينقصا في بعض المناطق الجافة عند خطوط العرض الوسطى وفي المناطق المدارية.
وهناك أيضا درجة عالية من الثقة بأن العديد من المناطق شبه القاحلة (مثل حوض البحر المتوسط، وغرب الولايات المتحدة، والجنوب الأفريقي، وشمال شرق البرازيل) ستعاني نقصا في موارد المياه نتيجة لتغير المناخ الأمر الذي يتطلب معه البحث والحفاظ علي الموارد المائية في ان واحد.
والعمل دائما علي الإستفادة القصوي من وحدة الماء كذلك تبني سياسات مائية واعية تدرك ماهية البصمة المائية Water Footprint (WF) عامة وخاصة في القطاع الزراعي وايضا البصمة البيئة (EF) Ecological Footprint ويظهر بالخريطة (الشكل 2) متوسط الإسقاطات للسيناريوA1B من سيناريوهات التقرير الخاص ودرجات الحرارة تشير إلى الفترة (1980 – 1999) .ولهذا يعد تغير المناخ اهم التحديات الكبري في القرن الحادي والعشرين.
النمط الجغرافـي لإحترار سطح الأرض
الشكل رقم (2) ملخص لصانعي السياسات عن التغيرات المسقطة لدرجة الحرارة السطحية في أواخر القرن الحادى والعشرين (2099-2090).