الأخبارالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د عبدالسلام منشاوي يكتب: أسباب خطورة مرض الصدأ الأصفر في القمح

رئيس بحوث متفرع – قسم بحوث القمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية – مصر

النهوض بمحصول القمح برتبط بالسيطرة علي الأمراض التي تهدده  كما تهدد حياة الإنسان جبث تتميز الأمراض الوبائية بصفة عامة بسمات خاصة عن الأمراض غير الوبائية. وفي مقدمة هذه السمات تأتي قدرة المسبب المرضي على الطفور وإنتاج طرز أو سلالات فسيولوجية جديدة بصفة مستمرة وبشكل كبير.

فلو أخذنا فيروس كورونا كمثال حي نعيشه، حيث أصاب الإنسان، وسبب الهلع والزعر بين البشر وركود الاقتصاد العالمي وتسبب في وفاة أكثر من 4 مليون شخص حسب الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهناك مصادر تفيد أن العدد الفعلي للإصابات يفوق المعلن بأضعاف ذلك.

وكل ما سبق من مخاطر وما زالت تلك المخاطر قائمة، وعلى الرغم من أنه يصيب إنسان عاقل يمكن له اتخاذ تدابير الحماية اللازمة كالتباعد الاجتماعي ويلتزم بالمحاذير والإجراءات المتخذة لذلك وينجح معه الحجر الصحي بشكل فعال وتم إصدار تشريعات وقوانين لتفعيل المحاذير والحماية منه.

ولكن ما زاد من خطورته هي قدرة المسبب المرضي على التحول والطفور. فخلال عامين كان هناك خمسة متحورات منه وهي متحور ألفا وبيتا وجاما ودلتا وأوميكرون وقد ظهر العديد من الطفرات داخل كل متحور منهم مما زاد الأمر تعقيداً وأصبح خطراً يهدد البشرية.

أما مرض الصدأ الأصفر في القمح فهو أكثر تعقيداً وأصعب في المواجهة. فإذا نظرنا إلى المسبب المرضي نجد أنه أيضاً له قدرة كبيرة جداً على الطفور وإنتاج طرز أو سلالات فسيولوجية جديدة، كما أنه لا تمنعه حدود دولة أو إقليم ولا يصلح معه إجراءات الحجر الزراعي. فالمسبب المرضي ينتقل آلاف الأميال محمولاً مع الرياح التي لا يمكن التحكم فيها وعبر سماء مفتوحة غير محدودة ويتحكم في تطوره ظروف جوية غير متحكم فيها ويصيب عائل نباتي لا يعقل ولا يسمع ولا يتحرك من مكانه ولا يصلح معه محاذير أو تدابير حماية.

ولو أضفنا إلى ما سبق أن الأمر يتعلق بعدد كبير جداً من المزارعين يتعدى المليون مزارع مختلفين في الفهم والثقافة والوعي، وأغلبهم من أصحاب الحيازات الصغيرة  وينعكس ذلك على الممارسات الزراعية الخاطئة من موعد زراعة غير مناسب وزراعة أصناف قابلة للإصابة وعدم اهتمام بالمكافحة وخلافه من المعاملات الزراعية، كل ذلك يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة ويستحيل بكل المقاييس التواصل مع جميع الفئات من المزارعين.

وقد يستشعر المتخصص الخطر حينما  يسير بين المزروعات في نهاية  شهر فبراير ويرى في نفس المنطقة زراعات القمح في كل مراحل النمو المختلفة حيث يتضح الخطر الحقيقي.

فنجد أن القمح في مرحلة البادرة والاستطالة والحبلان وطرد السنابل والامتلاء، وبدون مبالغة نجد بعض المساحات في أطوار النضج. كل ذلك يشكل جسر أخضر يسمح بنمو وتطور الفطر المسبب للمرض لفترات طويلة جداً مما قد يزيد الأمر تعقيداً وخطورة وخصوصاً في حالة زراعة صنف قابل للإصابة مما يسبب وجود كمية كبيرة جداً من جراثيم الفطر من الطور اليوريدي المتكرر والذي له القدرة على العدوى والانتشار على مساحات كبيرة جداً ولمسافات بعيدة.

هناك عامل آخر في غاية الأهمية ويزيد من خطورة المرض وهو فوضى تداول المبيدات عند إجراء المكافحة الكيماوية. فعلى الرغم أن المكافحة الكيماوية تعتبر وسيلة فعالة جداً للحد من خطورة المرض في حالة انتشاره وكسر مقاومة بعض الأصناف، إلا أنه في ظل تلك الظروف تساعد هذه الفوضى على زيادة انتشار المرض. حيث نلاحظ عدم الالتزام بالتوصيات من حيث نوع المبيد المستعمل وتطبيقات الرش كموعد الرش وتكرار عملية الرش وحجم محلول الرش.

ومن الأمور التي تزيد انتشار المرض أيضاً إضافة بعض المواد مع المبيد سواء مغذيات لتنشيط النمو أو عناصر غذائية أو منظمات نمو ….. إلخ من المواد التي قد تنشط الفطر ولا تحد من خطورته. كما أن خلط مواد كيميائية مختلفة دون توصية بالخلط قد يؤدي إلى نواتج كيميائية أخرى من خلال التفاعل وتكون مثبطة لعمل المبيد أو ضارة للنبات أو مغذية للمسبب المرضي.

ومن العوامل التي تزيد الأمر تعقيداً عند كسر أو انهيار مقاومة الصنف هي خطة إحلال صنف آخر محل الصنف الذي تم كسر مقاومته. فقد يتصور البعض أن استبدال صنف قابل للإصابة بصنف آخر مقاوم أمر بسيط وكأنه في فريق كرة واستبدال لاعب بلاعب آخر يخرج هذا وينزل مكانه ذاك. وفي الواقع هذا الكلام في غاية العجب، فالأمر لا يتعلق بوجود الصنف المقاوم فحسب بل هناك خطة إكثار وإنتاج التقاوي لتغطية المساحة التي كان يشغلها الصنف الذي تم كسر مقاومته.

وتتطلب هذه الخطة العديد من المراحل وليست بالأمر اليسير؛ فمراحل إنتاج تقاوي القمح في معظم برامج إنتاج التقاوي العالمية تتمثل في مرحلة ما قبل تقاوي المربي ثم تقاوي المربي ثم تقاوي الأساس ثم التقاوي المسجلة ثم التقاوي المعتمدة التي يزرعها المزارع.

هذه هي مراحل إنتاج التقاوي في غالبية برامج إنتاج التقاوي وهي تمثل خمسة مراحل في خمسة سنوات متتالية. وأحياناً قد يحدث تعديل بأن تلغى مرحلة إنتاج التقاوي المسجلة ويتم إنتاج التقاوي المعتمدة من تقاوي الأساس من أجل ضمان جودة عالية للتقاوي، وهو النظام المتبع حاليا بمصر وبالتالي تكون 4 مراحل في 4 سنوات.

ففي حالة كسر مقاومة الصنف لا يمكن إلغاؤه في نفس العام وإلا أين ستذهب كميات التقاوي التي يتم إنتاجها في المراحل المختلفة من هذا الصنف؟؟. والأهم من ذلك من أين نأتي بكمية تقاوي لتغطية المساحة التي كان يشغلها الصنف الذي تم كسر مقاومته وإلغاءه؟؟.

فقد يكون الصنف يمثل 500 الف فدان من المساحة المزروعة أو يزيد عن ذلك وبالتالي من الضروري أن يتم الإحلال التدريجي بحيث إذا تم زراعة الصنف الجديد لإنتاج تقاوي ما قبل المربي يتم في نفس العام وقف إنتاج هذه الدرجة من الصنف القديم، ثم في العام التالي يتم زراعة الصنف الجديد لإنتاج تقاوي المربي ويتم وقف الصنف القديم من إنتاج تقاوي المربي وهكذا حتى نصل إلى إنتاج التقاوي المعتمدة من الصنف الجديد ويكون قد تم إيقاف جميع مراحل إنتاج التقاوي من الصنف القديم والذي تم كسر مقاومته ويستغرق ذلك أربعة سنوات لخطة إحلال صنف مكان آخر.

وفي مثل هذه الحالة تبرز أهمية المكافحة الكيماوية والتي تكون مفيدة جداً وضرورية في حالة كسر المقاومة لصنف ما إلى أن يتم إحلال صنف جديد مقاوم محل هذا الصنف القابل للإصابة من خلال مراحل إنتاج التقاوي. وعلى ذلك فالمكافحة الكيميائية توفر حلاً عملياً وسريع الاستجابة، ويمكن أن تكون مبيدات الفطريات هي خط الدفاع الأول ضد الأنواع الجديدة من صدأ القمح في حالة ظهور الإصابة.

وبمجرد ظهور المرض في أحد الحقول المزروعة بصنف قابل للإصابة، وفي ظل ظروف بيئية مناسبة؛ سيزداد الصدأ الأصفر بشكل سريع جداً إذا لم تتم مكافحته ويشكل خطورة كبيرة. فيمكن للمبيدات الفطرية وقف العدوى المحلية للسلالات الجديدة من الصدأ الأصفر، وإعطاء الوقت لتقييم سلالات القمح الحديثة وإكثار الأصناف المقاومة الجديدة. وللحصول على أفضل النتائج يجب استخدام مبيدات الفطريات الورقية قبل أن يصبح الصدأ الأصفر منتشر بشدة في المحصول.

ومن الجدير بالذكر أن المكافحة الكيميائية تعطي نتائج ممتازة، ولكن يتوقف نجاحها على عوامل في غاية الأهمية وأهمها وقت اكتشاف الإصابة وتكرار عملية الرش وحجم محلول الرش وتطبيقات الرش. وأيضا عدم إضافة أي مغذيات أو مخصبات أو منشطات نمو أو أحماض أمينية أو هيومك أو كبريتات ……إلخ مع عملية الرش حيث أن بعضها قد يؤدي إلى تنشيط المسبب المرضي وزيادة خطورة المرض مما يؤدي إلى نتيجة عكسية.

وقد يسأل سائل ويقول “هل هناك أصناف جديدة مقاومة تحل محل الأصناف التي انكسرت مقاومتها؟؟”

وللإجابة عن السؤال نقول، الحمد لله تم تسجيل صنف قمح خبز جديد لقسم بحوث القمح وصدر له قرار وزاري منذ شهور قليلة باسم مصر4 وهو عالي المقامة وله صفات محصولية ممتازة وحالياً في مرحلة الإكثار لإنتاج تقاوي الأساس. كما أن هناك ثلاثة أصناف أخري مقدمة من قسم بحوث القمح إلى لجنة تسجيل الأصناف منذ عامين تقريباً وهم في أخر مرحلة من مراحل التسجيل.

وبنهاية الموسم هذا العام ستنتهي الاختبارات للعام الثاني على التوالي وستقدم للجنة تسجيل الأصناف لصدور القرار الوزاري لهم وهم أصناف نوبارية2 وشندويل2 وسخا 1002 وكلهم أصناف ذات مقاومة عالية جداً وصفات محصولية ممتازة. ونؤكد على أن المواسم التي ينتشر فيها مرض الصدأ الأصفر مثل الموسم الحالي تكون هناك فرصة حقيقية لتقييم العديد من السلالات وبفضل الله يوجد مئات السلالات المبشرة في مراحل تقييم متقدمة تتميز بالمقاومة العالية، ويصدق قول القائل “من المحن تأتي المنح”  ولله الحمد والمنة.

نسال الله أن يجعل هذا الموسم موسم خير وبركة على الوطن والزراع

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى