الأخباربحوث ومنظماتمصر

د عبدالسلام منشاوي يكتب: دور قسم بحوث القمح في تنفيذ طموحات الدولة للإكتفاء الذاتي

رئيس بحوث متفرغ – قسم بحوث القمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية – مصر

قضية الأمن الغذائي هي الأكثر تداولا ومناقشةً في الوقت الحالي، سواء على المستوى العالمي أو المحلي، خصوصا بعد الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعيات كورونا وبوادر ظهور مشكلة اقتصاديه تهدد المجتمع الدولي. وأصبح الأمن الغذائي تحديا رئيسيا لصانعي القرار في مصر والعالم.

في مثل هذه الظروف يكثر النقاش والتساؤلات عن الأسباب المختلفة لعدم الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر، وقد تكون الأسئلة المطروحة والإجابة عليها منطقية وقد تكون لا يقبلها العقل ولا المنطق وخصوصا في الإجابة.

والمتابع للموقف والحوارات المطروحة إعلاميا أو على مواقع التواصل الاجتماعي يسمع ويقرأ العديد من هذه الأسئلة المطروحة. وأردت في هذا المقال أن أنقل إلى حضراتكم بعض الأسئلة والإجابات المتداولة وتصحيح الإجابات الخاطئة والرد العلمي عليها.

 والأسئلة الأكثر تداولاً  حول الإكتفاء الذاتي من القمح هي:-

لماذا لا نصل إلى الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر؟؟؟.

هل هناك قوى تمنعنا من الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتجبرنا على ذلك؟؟؟

هل هناك جهات تمنعنا من زراعة القمح ولها مصلحة من ذلك؟؟؟

لمصلحة من أن تكون مصر الدولة الأولى على العالم من بين الدول المستوردة للقمح؟

هذه كانت نماذج لبعض الأسئلة المطروحة، وكانت الإجابات متباينة والردود متنوعة على هذه الأسئلة على حسب الشخص الذي تم طرح السؤال عليه. ولكن كان من بين الإجابات المطروحة والتي تهمني بالدرجة الأولى أن أحد المتحدثين قال أن من أهم أسباب عدم الاكتفاء الذاتي هو انخفاض إنتاجية محصول القمح في مصر بسبب أن منذ 10 سنوات لم يضاف صنف قمح جديد ليحل محل الأصناف القديمة المتدهورة، وذلك بسبب تراجع ميزانية البحث العلمي الزراعي وبالتالي تظل إنتاجيتنا أقل من العالم. وهذه الإجابة سوف تكون هي أساس هذا المقال بعد نتناول الأسئلة المطروحة ولإجابة عليها باختصار.

والواقع أن الكلام بأن هناك قوى تمنعنا من الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتجبرنا على ذلك فهذا كلام ليس منطقياً، فليس من المعقول أن تسمح دولة لأي جهة لتمارس ضغوط أو تجبرها على عدم تحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء اللازم لها، وإلا هذا الكلام مخالف لسيادة الدول وهيبتها.

أما القول أن هناك جهات تمنعنا من زراعة القمح ولها مصلحة من ذلك فهذا أيضا كلام غير واقعي ويخالف الحقيقة الواضحة تماما والتي نراها أمام أعيننا ولا يمكن لإنسان طبيعي الفهم أن يصدق هذا الكلام.

والقول لمصلحة من أن تكون مصر الدولة الأولى على العالم من بين الدول المستوردة للقمح؟؟ فالرد عليه أن من مصلحة كل مصري وطني وغيور على بلده أن نحقق الأمن الغذائي من خلال الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية والأساسية لحياة الشعوب. فالشعوب أذا تحقق لها توفير الغذاء هدأت واطمأنت عكس الجوع الذي يؤدي إلى حدوث قلق وشغب.

أما القول بأن من أهم أسباب عدم الاكتفاء الذاتي من القمح هو انخفاض إنتاجية محصول القمح في مصر بسبب أنه منذ 10 سنوات لم يضاف صنف قمح جديد ليحل محل الأصناف القديمة المتدهورة. فهنا سؤالين، الأول هل فعلاً إنتاجية القمح في مصر منخفضة؟؟؟ والسؤال الثاني هل فعلاً منذ 10 سنوات لم يضاف صنف قمح جديد ليحل محل الأصناف القديمة المتدهورة؟؟.

والسؤال الأول تجيب عليه الإحصائيات الرسمية والصادرة من المنظمات الدولية والمختصة بالموقف العالمي للدول المنتجة للقمح في العالم. حيث تشير المصادر الرسمية الحديثة أن إنتاجية وحدة المساحة (الفدان من القمح ) في مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا من بين الدول التي تزرع القمح الربيعي الذي يمكث في الأرض حوالي 5 أشهر. من هنا نستطيع أن نقول أن موقف مصر بالنسبة لإنتاجية وحدة المساحة يعتبر ممتاز وليس كما يزعم البعض. ومع ذلك ما زال عندنا أمل بفضل لله في وضع أفضل من هذا ونصل إلى إنتاجية أعلى.

والسؤال الثاني هل فعلاً منذ 10 سنوات لم يضاف صنف قمح جديد ليحل محل الأصناف القديمة المتدهورة؟؟

فالإجابة كالتالي:-

الهدف الرئيسي لبرنامج التربية في قسم بحوث القمح بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية هو استنباط أصناف قمح ذات إنتاجية عالية ومقاومة للأمراض خاصة أمراض الأصداء الثلاثة (الصدأ الأصفر وصدأ الأوراق والصدأ الأسود) وذات جودة عالية في صناعة الخبز. بالإضافة إلى استنباط الأصناف المتحملة للملوحة والحرارة  والجفاف والأصناف قصيرة العمر.

وقد استطاع برنامج بحوث القمح بفضل الله على مر السنين استنباط العديد من الأصناف ذات الإنتاجية العالية مما أدى إلى زيادة إنتاجية الفدان من 9.5 أردب للفدان في نهاية السبعينات إلى متوسط 18.5 أردب للفدان حاليا كما أن سقف إنتاجية هذه الأصناف يصل من25-28 أردب للفدان لدى المزارعين المتميزين.

لقد تم في خلال الـ9 سنوات الأخيرة (2022-2011) استنباط وتسجل 8 أصناف قمح خبز وصنفين قمح مكرونة وتم إحلالها محل الأصناف القديمة خلال تلك الفترة. الأصناف التي تم تسجيلها من قمح الخبز هي: جميزة 11(2011), مصر1 (2011), مصر2 (2011), جميزة 12 (2014), سدس14(2014), مصر3 (2019), سخا95 (2019), مصر4 (2022).
أما الأصناف التي تم تسجيلها من قمح المكرونة هي: بني سويف 7 (2019), بني سويف 8 (2022).

إن ما سبق ذكره من تسجيل 10 أصناف قمح خلال 9 سنوات وصدور القرار الوزاري لها مع خطة إكثار وإحلال لها محل الأصناف القديمة يؤكد عدم صحة الادعاء بأنه لم يتم استنباط أصناف حديثة وإحلالها خلال الـ10 سنوات الأخيرة. مع العلم أن الأصناف المذكورة تمثل أهم أصناف القمح الموصي بزراعتها في جميع مناطق الجمهورية.

كما انه يجرى حاليا تسجيل 3 أصناف جديدة من قمح الخبز أظهرت درجة عالية من المقاومة للصدأ الأصفر وهم سخا 1002 ونوبارية 2وشندويل2  وجاري استكمال إجراءات التسجيل لتلك الأصناف وبعد التسجيل يبدأ إكثار تقاوي الأساس لها.

ولقد كان ومازال برنامج  بحوث القمح ديناميكي وفعال في إنتاج واستنباط أصناف القمح الجديدة ذات المحصول المرتفع والمقاومة للأصداء. حيث يتم وضع سياسة صنفيه تتماشى مع هذه الأهداف وإلغاء أي أصناف تنكسر مقاومتها للأمراض وإحلال أصناف جديدة مقاومة محلها وزيادة مساحات إكثار الأصناف المقاومة.

وفي المواسم الماضية 2018/2019 و 2019/2020 و 2021/2022 ظهرت الإصابة بمرض الصدأ الأصفر، والتي تتكرر في سنوات متفرقة. إلا أن تنوع الأصناف واختلاف درجات مقاومتها أدى إلى عدم حدوث خسائر فادحة في المحصول.

ولكي تستمر فاعلية قسم بحوث القمح في تعزيز وزيادة إنتاجية محصول القمح بمصر فإن خطة قسم بحوث القمح تتمثل في الدعم والتركيز على السياسة الآتية:

  • الاستمرار في استنباط الأصناف عالية الإنتاج والمقاومة للأصداء وإدخال جينات المقاومة بها.
  • الإسراع بإكثار تقاوي المربي والأساس للأصناف المستنبطة حديثا والمقاومة للأصداء لتحل محل الأصناف القابلة للإصابة.
  • التعاون مع قسم بحوث أمراض القمح في تحديد موقف الأصناف المصرية من السلالات المرضية الأكثر عدوانية والأشد شراسة ومعرفة مدى قدرتها المرضية على إصابة الأصناف المنزرعة والسلالات المبشرة.
  • التعاون مع قسم بحوث أمراض القمح في معرفة جينات المقاومة التي ما زالت فعاله والاستفادة منها بإدخالها في الأصناف المصرية من خلال برامج التربية.
  • تعزيز الأصول الوراثية المقاومة سواء المحلية أو المستوردة
  • دعم الجهات الإعلامية بالمادة العلمية لزيادة التوعية الإعلامية بأهمية زراعة الأصناف الحديثة المقاومة للأمراض والتعريف بأهم المبيدات الفطرية في حالة ظهور الإصابة مع ضرورة توفير مبيدات موثوق فيها.
  • التعاون والاستفادة من معلومات قسم بحوث أمراض القمح والمبنية على جمع عينات الصدأ وإرسالها إلى الجهات المعنية وفحصها وتحليلها وتعريف التراكيب الوراثية من الفطر والسلالات الفسيولوجية المنتشرة تحت الأجواء المصرية وهل هناك طرز وراثية جديدة من عدمه.

والواقع أن موضوع الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر معقد جدا وله عناصر متعددة ويمثل الإنتاج الكلي من القمح أهمها وأولها. والإنتاج الكلي هو ناتج المساحة اللإجمالية المزروعة من القمح وإنتاجية وحدة المساحة. والسبب الرئيسي في نقص الإنتاج الكلي بمصر هو نقص مساحة الرقعة الزراعية وذلك من واقع البيانات الرسمية العالمية الحديثة، ولذلك أسباب عديدة.

أما بالنسبة لعنصر إنتاجية وحدة المساحة (الفدان من القمح ) نجد أن موقف مصر بالنسبة لإنتاجية وحدة المساحة يعتبر ممتاز ولكن ما زال عندنا أمل بفضل لله في وضع أفضل من ذلك ونصل إلى إنتاجية أعلى.

يأتي بعد ذلك محور ترشيد الاستهلاك وتقليل الفقد وهو من الأهمية بمكان، فيجب تقليل الفاقد وترشيد الاستهلاك بحيث نصل إلى معدلات مقبولة منها.  كما أن محور التسعير العادل من الممكن أن يساهم بشكل جيد في تحقيق الاكتفاء الذاتي. فيجب أن يكون السعر مجزيا وعادلا للمزارع لتشجيعه على زراعة القمح ومنع تسربه للأعلاف.

كل هذه المحاور السابقة يجب أن تؤخذ جميعا في الاعتبار والعمل عليها في وقت واحد بحيث نصل إلى تحقيق الحد الأدنى وهو الحدود الآمنة للاكتفاء الذاتي من القمح.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى