الأخبارحوارات و مقالاتمصر

تطبيقات «تكنولوجيا النانو» في تصنيع منتجات الألبان يكتبها الدكتور محمود إبراهيم

شهد العالم من بداية عصر النهضة والثورة الصناعية تطورات مذهلة في شتي مناحي الحياة، الأمر الذي جعل الكثير من الدول والحكومات والمجتمعات العلمية تلهث لمواكبة متطلبات وتطبيقات هذه التطورات الكبيرة. وخلال العقود القليلة الماضية بدأت تتوهج وتتشكل معالم عصر جديد من التكنولوجيا الجديدة أو ما يعرف بـ ” عصر النانو”، وكيفية الإستفادة منه في صناعة منتجات الألبان.

إمتدت تأثيرات إستخدام هذا العلم الجديد إلي كثير من النواحي العلمية والتطبيقية، وهو ما دعي إلي إستحداث مجالاة علمية وتطبيقات جديدة لم تكن موجودة من قبل. ومنذ أن بدأت في الدخول إلي حيز التطبيق إنتشر إستخدامها في مجالات متنوعة وكثيرة.

ولم يكن مجال التصنيع الغذائي بمنأي عن إستخدام تكنولوجيا النانو ومحاولة الإستفادة من مزاياها شأنه شأن الكثير من المجالات التطبيقية الأخري. ولقد إزداد معدل إستخدام تكنولوجيا النانو في مجال صناعة الغذاء بشكل كبير ومطرد وذلك لما تمثله المنتجات الغذائية من أهمية بالغة بالنسبة للمستهلك والذي يتحمس بدوره دائماً إلي المنتجات الجديدة والمطورة والتي تساهم في تلبية إحتياجاته اليومية، وهذا ما جعل تكنولوجيا النانو محط أنظار العلماء والباحثين والمنتجين والمستهلكين علي حدٍ سواء. وسوف نستعرض في هذا المقال الموجز لمحات عن مزايا تطبيق تكنولوجيا النانو في مجال صناعة الغذاء وخاصة صناعة منتجات الألبان والضوابط اللازمة لتحقيق الأمان الصحي والبيئي لإستخدام هذه التكنولوجيا الفريدة.

النانو تكنولوجي وصناعة الغذاء

تعد تقنية النانو من أكثر الأساليب العلمية الواعدة في قطاع صناعة الغذاء وخاصة في صناعة منتجات الألبان. ويمكن إستخدام تكنولوجيا النانو في تطبيقات مختلفة خلال مراحل إنتاج الأغذية، مثل تطوير مكونات وظيفية جديدة، وضبط سلامة وجودة المنتجات الغذائية.

كما يمكن القول بأن هناك العديد من المزايا لإستخدام المواد النانوية في صناعة الأغذية. فيمكن إستخدام بعض المواد النانونية كعوامل تغليف للفيتامينات والمواد ذات النشاط المضاد للأكسدة، ومواد النكهة، والمعادن، وغيرها من العناصر الغذائية الأخرى المهمة لتدعيم المنتجات الغذائية المختلفة.

كذلك تلعب تكنولوجيا النانو دورًا مهمًا في توليف مواد تغليف جديدة وعوامل استشعار حيوية للحماية من الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض. كذلك يمكن أيضًا الإستفادة من إستخدام الجزيئات النانوية في مجالات أخرى مثل حماية منتجات الغذائية من التلف والأكسدة (التزنخ).

يتم  تقسيم الجسيمات النانوية المستخدمة في صناعة الأغذية والألبان إلى أربع مجموعات رئيسية هي المعادن، والبوليمرات Polymers، والمركبات الطبيعية (مثل البروتينات أو الفيتامينات أو المعادن أو بعض سلالات البروبيوتك والزيوت العطرية وغيرها والتي يتم تغليفها وحمايتها في صورة كبسولات نانوية)، والمواد ذات البنية النانوية) الجسيمات النانوية المشتقة من المركبات الطبيعية مثل الجسيمات النانوية الدهنية والبروتينية.

وتتميز المواد النانوية النشطة بيولوجيًا بقدرتها علي حماية الغذاء من الكائنات الحية الدقيقة سواء الممرضة أو المسببة للفساد. ويرجع النشاط البيولوجي المرتفع للجسيمات النانوية إلي المساحة السطحية الكبيرة لها، وبالتالي من المتوقع أن تكون ذات نشاطً بيولوجي أعلي من الجسيمات الأكبر حجمًا المماثلة لها في التركيب الكيميائي (غير النانوية).

ومن أهم الأنظمة النانوية المستخدمة مع منتجات الأغذية والألبان، البوليمرات الحيوية النانوية Biopolymeric nanoparticles، والمستحلبات النانوية Nano-emulsions، والألياف النانويةNanofibers ، والكبسولات النانوية Nanocapsules، وغيرها.

وتعمل هذه الأنظمة كوسيلة لنقل المركبات الحيوية والوظيفية وحمايتها من التحطم أو التدهور خلال عمليات التصنيع والتخزين والتداول، وكذلك التحكم في تحريرالمكونات الوظيفية بعد وصولها لجسم الإنسان .

وأكدت الدراسات الحديثة أن بعض المعادن النانوية لها القدرة علي إحداث تحطم في جدارالخلايا البكتيرية السالبة لجرام. أما بعض البوليمرات النانوية فيمكن أن يتم ملؤها بالمضادات الحيوية وبالتالي يحدث لها تحطم عند التلامس المباشرمع العامل الممرض وبالتالي تسبب ثبيط للميكروبات المرضية الملوثة للأغذية.

تطبيقات النانو تكنولوجي في صناعة منتجات الألبان:

ومما سبق ذكره يمكن القول بأن هناك تطبيقات مختلفة للجسيمات النانوية في صناعة الألبان والتي تهدف في مجملها إلي:

(1) تعزيز الصفات الحسية للمنتجات (اللون والنكهة والقوام).

(2) تثبيت المغذيات في التركيبات الغذائية للمنتج.

(3) إيصال المغذيات والمركبات النشطة بيولوجيًا إلي جسم المستهلك بدون التأثر بعمليات التصنيع أو التخزين والتداول.

(4) تطوير نظم سلامة منتجات الألبان عن طريق التعبئة والتغليف النشط Active packaging  .

علي سبيل المثال تم إستخدام بعض أنواع بروتينات اللبن عوامل نقل نانوية للمركبات النشطة حيويا التي تضاف للأغذية ومنتجات الألبان، وخاصة المركبات الحساسة للعمليات التصنيعية المختلفة أو درجات الحرارة المرتفعة أو نسبة الحموضة المرتفعة في بعض أنواع الأغذية والألبان مثل المنتجات المتخمرة.

كما تم إستخدام جزيئات من بروتين اللبن مثل اللاكتوفيرين بعد تحويله إلي صورة نانوية في إعداد بعض أنواع الأغلفة القابلة للأكل Edible films، حيث تمتاز بعض بروتينات اللبن بقدرتها العالية كمضاد للميكروبات وللأكسدة وتزداد هذه القدرة بمعدل كبير بعد تحويلها إلي صورة نانوية.

تقوم العديد من شركات تكنولوجيا النانو بتطوير منتجات ألبان مدعمة بمركبات وظيفية مكبسلة في صورة نانو  Nanocapsule، وتعتبرالوظيفة الرئيسية لإستخدام المضافات الغذائية النانوية في منتجات الألبان هي تحسين النكهة والملمس والقيمة الغذائية لهذه الأغذية اللبنية.

أما الغرض من إستخدام كبسولات نانوية للمركبات الغذائية الحيوية المختلفة فيرجع إلي أن حجم جزيئات هذه العناصر الغذائية في صورة النانو تكون أقل من 100 نانومتر بحيث يمكنها عبور جدار المعدة أو الأمعاء إلى الخلايا بسرعة أكبر من العناصر الغذائية ذات الحجم الأكبر للجسيمات.

كما يمكن تحقيق حماية لهذه المركبات النشطة بيولوجيًا، مثل الفيتامينات ومضادات الأكسدة والبروتينات والدهون وكذلك الكربوهيدرات باستخدام هذه التقنية لإنتاج أغذية وظيفية مع تحسين الخواص الوظيفية والثبات التخزيني لهذه المنتجات. كما يمكن أن توفر عملية الكبسلة النانوية حماية وعمراُ أطول للبكتريا الداعمة للحيوية (البروبيوتك) عند إضافتها إلي الزبادي واللبن المتخمر والجبن وبعض أنواع الحلويات والمشروبات المحتوية على الفاكهة.

أيضا وجد أن التلف الميكروبي لمنتجات الألبان يؤثر سلبا على الخصائص الحسية لهذه المنتجات، كما تؤثر مسببات الأمراض الملوثة للأغذية على سلامة هذه المنتجات وجودتها، وحيث أنه من المعروف أن أشهر المجموعات الميكروبية المسببة للفساد في منتجات الألبان هي Pseudomonas spp.

من أشهر مسببات الأمراض الرئيسية الموجودة في اللبن الخام ( غير المبستر) هما Bacillus spp. و Listeria monocytogenes ، بالإضافة إلي نمو الخمائر والأعفان علي بعض منتجات الألبان، فقد وجد بعض الباحثون أن إستخدام أغلفة مدعمة بجسيمات الفضة النانوية المغلفة أدت إلي زيادة العمر الافتراضي لمنتجات الألبان ويعرف هذا النوع من التغليف يالتغليف النشط Active packaging.

وهذا النوع من التغليف يمكنه التحكم ومنع نمو الميكروبات المتلفه علي سطح منتجات الألبان دون التأثير علي الخصائص الحسية أو جودة المنتج. كما يمكنه تعزيز جودة المنتج خلال عمليات النقل والتوزيع في المناطق المختلفة والنائية.

أيضا لاحظ العلماء أن إستخدام الليزوزيم النانوي كان أكثر فعالية في تثبيط سلالة بكتيريا الليستريا Listeria monocytogenes من اللزوزيم الطبيعي.

أما جزيئات أكسيد الزنك النانوية Zinc oxide nanoparticles فقد أظهرت نشاطاً قوياً ضد تكون الأفلام الحيوية Biofilm في معدات تصنيع الألبان. ومن المعروف أن تكون مثل هذه الأغلفة الحيوية في خطوط إنتاج منتجات الألبان يسبب التلوث بالميكروبات المتلفة مثل Pseudomonas aeruginosa .

أيضا وجد أن جزيئات أكسيد الزنك النانوية لديها قدرة عالية علي تثبيط نمو بعض السلالات الممرضة والتي قد تتواجد في منتجات الألبان مثل الإيشريشيا كولاي  E. coliو الإستافيلوكوكس S. aureus. كذلك تم تطوير ألياف نانوية Nanofiber من أكسيد البولي إيثيلين الذي يحتوي علي النيسين Nisin المحمل علي poly-γ-glutamic acid والكيتوزان النانوي وذلك لمنع نمو البكتريا في الجبن.

كما أمكن إستخدام جزيئات النانو في تطوير مجسات حيوية يمكنها الكشف عن وجود السموم الفطرية مثل أفلاتوكسين ب1 في الأغذية والألبان بتركيز يصل إلي 1 جزء في المليون 1ppm .

أيضا تطوير مجس حيوي يعتمد علي وجود إنزيم Aldehyde dehydrogenase لتقدير الإسيتالدهيد واللاكتات في الزبادي أثناء عملية التخمر أو التخزين.

كذلك إستخدمت تكنولوجيا النانو في تطوير مجسات حيوية يمكنها الكشف عن بعض متبقيات المبيدات في اللبن. وحاليا،  ويقوم علماء معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بجهود كبيرة ومتواصلة من أجل إيجاد تطبيقات جديدة للإستفادة من كل مزايا تكنولوجيا النانو في تحسين جودة وصفات وثبات منتجات الأغذية والألبان المختلفة.

أمان إستخدام المواد النانوية في منتجات الأغذية والألبان:

شهدت المنتجات الغذائية والمجالات ذات الصلة بها مثل الزراعة والتعبئة والتغليف وتجهيز الأغذية تغييرات هائلة بسبب الخصائص الفريدة للمواد النانوية. لكن هذه الخصائص الفريدة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى آثار جانبية غامضة وخطيرة في بعض الأحيان على النظم البيئية وحتى على البشر.

يتمثل الدور الرئيسي لعلم السموم النانويةNanotoxicology   في توفير إرشادات وخريطة طريق واضحة لتقليل المخاطر وتحديد الاستخدام الأمثل للمواد النانوية. لذلك يجب دراسة طرق تعرض العمال الصناعيين ومستهلكي المنتجات الغذائية التي تحتوي على مواد نانوية متناهية الصغر بعناية.

ومن خلال الفهم الدقيق لخصائص المواد النانوية مثل الحجم والجرعة وكيمياء الأسطح والتراكيب وغيرها، سيكون لدينا منتجات غذائية مفيدة وآمنة.

وخلاصة القول، أنه لتحقيق الاستفادة الكاملة من تكنولوجيا النانو في الصناعات الغذائية والصناعات ذات الصلة، يجب أن يكون لدينا فهم شامل للمواد النانوية وتأثيرها على جودة المنتجات وصحة وسلامة المستهلك.

كاتب مقال تطبيقات «تكنولوجيا النانو» في تصنيع منتجات الألبان الدكتور محمود إبراهيم باحث أول بقسم بحوث تكنولوجيا الألبان- معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى