اخبار لايتالأخبارمصر

د مريم بدير تكتب: حقيقة صراع الخير والشر في التاريخ والأديان والحكماء والفلاسفة

معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر

هذا الصراع الداهم الذي لم يترك عقل بشري الا وعبث بداخله وجذبه لدوامة من الأفكار المتضاربة المهلكة لولا عون الله لصاحب هذا العقل.

فطالما جال بفكري سؤالا متكررا منذ بداية ادراكي للحياة وصعوباتها، مرورا بالمواقف الصدامية الكاشفة لطباع البشر المختلفة وبلحظات ضعف النفس البشرية في بعض المواقف، ألا وهو ما هو السر وراء وجود الشر في الحياة؟ منطلقا من ايماني الشديد بأن كل شيء اوجده الله في الحياة هو لسبب سواء أدركناه ام لم ندركه .

ومن هنا بدأت رحلة بحثي الطويلة ومن خلالها أدركت الحرب المستمرة بين الخير والشر منذ بدء الخليقة وقد ينال أيا منهما النصر وهنا كمن الاختيار الصعب بين الصفة ونقيضها والأصعب كون النفس البشرية امارة بالسوء ولكن تنقذنا تلك القناعة التي زرعتها فينا معتقداتنا الدينية وتاريخنا او حتى معظم الروايات والأفلام بأن الخير سينتصر في النهاية. فتكونت قناعة في نفوسنا بأن الفاسد سوف يُعاقب وسينعم الصالح بالثواب ولو بعد حين.

ولكن قد نرى بعض الزلات في نفوس الاخيار تتمثل في الانانية، الغيرة، الحقد، الحسد، الكراهية وغيرهم. وقد نلمس جوانب إنسانية في نفوس الأشرار كالكرم، الجدعنة، الشجاعة، الصبر، التسامح وغيرهم.

ويقول النبي محمد عليه الصلاة والسلام: “كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”.  فالخطيئة صفة طبيعية عند الإنسان ولا يوجد أحد معصوم تبعا للعقيدة الإسلامية.

ويؤمن المسيحيون بفداء المسيح بنفسه لخلاصهم من ذنوبهم، وبوجود الشيطان وتظليله للناس وان كل خطيئة من الممكن أن يقبل الله التوبة عنها.

ويؤمن اليهود بان العمل الصالح منجيا من السيئات فيصوموا يوم الغفران وكذلك أيام التوبة ليحاسب كل شخص نفسه على ذنوبه ويعاهد نفسه الا يكررها.

ماهو معني الخير والشر؟

فوجدت وجهة النظر السفسطائية أن الخير والشر أمر نسبي، فالشر يكون شراً وفق وجهة نظر المتضرر منه، والخير يكون خيراً وفق وجهة نظر المستفيد منه، فلا معنى مطلق للشر والخير.

فليس هناك عمل خير ولا شر في ذاته، وإنما يحكم عليه تبعا لنتائجه، فنفس العمل قد يحكم عليه في بعض الأحيان بأنه خير، وأحيان أخرى بأنه شر.

فكيف نفهم أن هذا شر وذلك خير؟

هذا التساؤل الجدلي ألهب فكر الإنسان منذ قديم الزمن، عائما في بحر من الشكوك والظنون، حائرا، باحثا عن طوق نجاة ينتشله وينقذه من هذه الهواجس التي تعتصره.

فجميع البشر لديهم كل الصفات الحسنة وعكسها من الصفات السيئة مثل الخير والشر ولكن بنسب يقول الله تعالي “ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها”(الشمس).

فلا خير مطلق ولا شر مطلق. فقد نُجنب الخير بداخلنا أحيانًا عندما يتعارض الأمر مع مشاعرنا ومصالحنا الشخصية. فما نتخيله شر قد يكون الخير الذي لا نتوقعه والعكس صحيح.

يقول تعالي”وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”﴿٢١٦البقرة﴾.

فالله أوجد الشرلمعرفة قيمة الخير، وخلقنا الله  في كبد فنحن لا نعيش بالمدينة الفاضلة ولا يوتوبيا الاحلام، بل ما نعيشه من خيبات وصدامات قد يكون أحد السبل لفهم الحياة.

وهناك ما اصطلح عليه بالفضائل وهي خير بذاتها، من صدق وعدل ونحوهما، والرذائل وهي شر بذاتها من ظلم وكذب ونحوهما. وجميع الأديان السماوية تدعو للفضائل وتنهي عن الرذائل.

فذكر الخير بالقرآن الكريم 188مرة بينما ورد الشر 30مرة فقط، فالأصل في الإنسان هو الخير.

فنظرة الإسلام للإنسان أنه خير بطبعه بدلالة قوله تعالى:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(التين) والشرُّ طارئ عليه, ولكن قد يحاوطه الشيطان ويضعفه، فإن تبعه فيتردى لأسفل سافلين﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ (التين).

وآدم عليه السلام خُلق خيرًا، عاش مهنئا بالجنة، لولا أن الشيطان تصدى له ولزوجه فأغواهما، ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾(البقرة).
فجعل الله تعالى الخير والشر، امتحانًا للناس يبلوهم بالأذى والنفع “ونبلوكم بالشر والخير فتنة”(الأنبياء)، ويمتحنهم بالحسنات والسيئات “وبلوناهم بالحسنات والسيئات”(الأعراف).

ويؤمن المسيحيون أن العمل الصالح يميزهم عن الأشرار، إنجيل لوقا الإصحاح السادس ﴿لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الْآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلَا تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلَا تُطَالِبْهُ. وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا. وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لَا تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالْأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ.﴾

ويؤمن اليهود بالأعمال الصالحة وعلى رأسها الوصايا العشر التي تنطلق منها كل الأعمال الصالحة وذكرت  بسفر الخروج بكتاب العهد القديم وتنقسم إلى:

الوصايا بين الإنسان وربه:

1 ﴿أَنَا اللهُ رَّبُّكَ اَلَّذِي أَخْرَجْتُكَ مِنْ بَلَدِ مِصْرَ مِن بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ﴾.

2 ﴿لَا يَكُنْ لَكَ مَعْبُودٌ آخَرٌ مِنْ دُونِي. لَا تَصْنَعْ [صَنَمًا] وَلَا شَبَهًا مِمَّا فِي السَّمَاءِ فِي الْعَلْوِ، وَمِمَّا فِي الْأَرْضِ فِي الْأَسْفَلِ، وَمِمَّا فِي الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْض. لَا تَسْجُدْ لَهَا وَلَا تَعْبُدْهَا، لِأَنِّي اللهُ رَّبُّكَ، المُعاقِبُ، مُطالِبٌ بِذُنُوبِ الْآبَاءِ مَعَ البَنِينَ، وَصَانِعُ الْأَحْسَنَ لِأُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيّ وَحَافِظَيِ وَصَايَايَ﴾.

3 ﴿لَا تَحْلِفْ بِاسْمِ اللهِ رَّبِّكَ بَاطِلًا، لأَنَّ اللَّهَ لَا يُبَرِّئُ مَنْ يَحْلِفُ بِاسْمِهِ بَاطِلًا﴾.

4 ﴿اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدِّسْهُ لِتُقَدِّسَهُ، سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ صَنَائِعَكَ، وَالْيَوْمُ السَّابِعُ سَبْتٌ ِللهِ رَّبِّكَ، لَا تَصْنَعْ شَيْئاً مِنْ الصَنائِع، أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهَائِمُكَ وَضَيْفُكَ اَلًذِي فِي مُحَلِّكَ، لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْبِحَارَ وَجَمِيعَ مَا فِيهَا وأُرَاحَهَا فِي الْيَوْمِ الْسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ اللهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ﴾.

الوصايا بين الإنسان وأخيه الإنسان:

5 ﴿أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ يَطُولَ عُمْرُكَ فِي الْبَلَدِ اَلَّذِي اللهُ رَبُّكَ يُعْطِيكَ﴾.6 ﴿لَا تَقْتُلِ النَّفْسَ﴾.7 ﴿لَا تَزْنِ﴾.8 ﴿لَا تَسْرِقْ﴾.9 ﴿لَا تَشْهَدْ عَلَى صَاحِبِكَ شَهَادَةً بَاطِلَةً﴾.10 ﴿لَا تَتَمَنَّ مَنْزِلَ صَاحِبِكَ. لَا تَتَمَنَّ زَوْجَتَهُ وَعَبْدَهُ وَأَمَتَهُ وَثَوْرَهُ وَحِمَارَهُ وَجَمِيعَ مَالِهِ﴾.

وبالعصور القديمة لم تكن فكرة الخير والشر واضحة، فكان الفلاسفة يطرحون اسئلة جدلية ويبدون تصوراتهم عنها.

فرأي سقراط أفضل خير هو المعرفة، فكل فاضل عارف، وكل عارف فاضل.

وربط أفلاطون الخير والشر بنظرية المُثل، قائلا العالم الذي نعيشه، متغير، مملوء بالشر والاخطاء. بينما عالم الخير غير متغير.

وعرف ارسطو الخير بانه معرفة الذات (اعرف نفسك) اعرف عالمك الداخلي، كي تستطيع نقله لمرحلة الكمال بالبرهنة والاستنباط.

بينما رأى فرويد أن الإنسان يولد كالصفحة البيضاء لا هو خيّر ولا شرير.

ووصف هوبز الإنسان بأنه “بشع وهمجي”، لا يمكنه التعايش في سلام إلا بوجود قواعد، ولكن روسو عارضه زاعما أن الإنسان يظل نقيا طالما كان بمنأى عن ظلم المجتمع.

والجهاز النفسي للإنسان ينقسم لثلاثة محاور افتراضية: الرغبة، الأنا، والأنا العليا(الضمير)..

تمثل الرغبة افتراضيا الشر بالإنسان، تلح عليه القيام بالأعمال التي يرغبها بغض النظر عن مشروعيتها. أما الضمير فيردع الرغبة بداخله، فيشعر برفض كل خطأ.

والأنا منظم داخلي بين الرغبة والضمير،حتى لا تشتعل الحرب بينهما. فلا يظل يؤنب نفسه طوال الوقت، ولا يعيث بالأرض فسادًا دون رادع داخلي.

إذا الخير أو الشر صفة موروثة ام مكتسبة؟

قد نجد بين افراد الاسرة الواحدة الخير والشر حتى اننا قد نجد داخل نفس الشخص الصراع الدائم بين طيبة القلب وقسوته.

وفي عرض لإحدى الدراسات التي تبحث قدرة الأطفال لتمييز السلوك الحميد من الذميم.

شاهد أطفال رُضع دون السنة- عرضا لعرائس تمثل أشكالا هندسية بألوان مختلفة، تبدي سلوكيات أخلاقية حميدة وذميمة. ففي إحدى المرات كانت الدائرة الحمراء تحاول الصعود  لأعلى، بينما كان المربع الأزرق “الشرير” يدفعها لأسفل، وكان المثلث الأصفر “الطيب” يحاول مساعدة الدائرة الحمراء بدفعها لأعلى.
وبعد انتهاء العرض، خُيّر الأطفال بين المربع الأزرق الشرير والمثلث الأصفر الطيب. فاختار جميع الأطفال المثلث الأصفر، الذي أظهر سلوكا خيرا.

والله دائما ينقذنا في رحلتنا الحياتية بأشخاص مليئة بالخير كي لا يتوطن بعقولنا تلك الفكرة الشيطانية بانه لم يعد هناك خير في الناس. فالخير دائمًا متقدِّم على الشرِّ، والتبشير سابق على التنفير، والثواب قبل العقاب، والجنة سابقة على النار.

فعلينا اعمال عقولنا وتدبر امورنا والاخذ بالأسباب وإدراك أن أبواب الخير مفتوحة دائما.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى