د علي إسماعيل يكتب: أزمة إنتاج الغذاء وتغير المناخ
استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر
زيادة السكان بمعدلات عالية علي مستوي العالم واحتياج السكان للغذاء أدي الي قطع الغابات وان قطع الغابات بهدف احتياج الاراضي لإنشاء مزارع أو مراعي، أو لأسبابٍ أخرى، يتسبب في انبعاثات الحرارة. لأن الأشجار، عند قطعها، تطلق الكربون الذي كانت تخزنه ويتم تدمير ما يقارب 12 مليون هكتار من الغابات كل عام.
ونظرًا لأن الغابات تمتص ثاني أكسيد الكربون، فإن تدميرها يحد أيضًا من قدرة الطبيعة على إبقاء الانبعاثات خارج الغلاف الجوي. وتعد إزالة الغابات، إلى جانب الزراعة والتغيرات الأخرى في استخدام الأراضي، مسؤولةً عن ما يقارب ربع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
الغذاء وتغير المناخ
يتسبب إنتاج الغذاء في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات الدفيئة الأخرى بطرقٍ مختلفة، ومن أسباب ذلك:
- إزالة الغابات وإخلاء الأراضي لأغراض الزراعة والرعي، وعمليات الهضم لدى الأبقار والأغنام.
- إنتاج واستخدام الأسمدة والسماد الطبيعي لزراعة المحاصيل، و استخدام الطاقة لتشغيل معدات المزرعة أو قوارب الصيد، باستخدام الوقود الأحفوري عادةً.
كل ذلك يجعل إنتاج الغذاء مساهماً رئيسياً في تغير المناخ. وتأتي انبعاثات غازات الدفيئة أيضًا من عمليات تعبئة الطعام وتوزيعه.
نقص الغذاء وتغير المناخ
نقص الغذاء من اهم تبعيات تغير المناخ وتُعدُّ التغيرات في المناخ وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة من بين الأسباب الكامنة وراء الارتفاع العالمي في معدلات الجوع وسوء التغذية من خلال:
- قد يتم تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً.
- مع ازدياد حمضية المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطر.
- أدت التغيرات في الجليد والغطاء الجليدي في العديد من مناطق القطب الشمالي إلى تعطيل الإمدادات الغذائية من مصادر الرعي والصيد وصيد الأسماك.
- يمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى تقليل المياه والأراضي العشبية الصالحة للرعي، مما يتسبب في انخفاض إنتاجية المحاصيل ويؤثر على الثروة الحيوانية. وقد تؤثر ندرةُ المياه على المحاصيل .
آليات مواجهة موجات الجفاف الناتج عن التغيرات المناخية
عند التصدي لموجات الجفاف، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الحاجة إلى تخزين المياه لفترات الجفاف إعتمادا علي:
- الحفاظ على رطوبة التربة يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو الحد من تأثير الجفاف.
- وتعتبر الرطوبة في التربة حول منطقة الجذور، والتي تسمى بالمياه الخضراء، أمرًا بالغ الأهمية في الحفاظ على أنظمة الأرض،
- كما أنها تؤثر على المياه الجوفية والأنهار والبحيرات، وأيضًا على وظائف الدورة المائية بأكملها.
- أهمية الحاجة إلى حماية وإدارة الغابات والأراضي الطبيعية والأنظمة الطبيعية الأخرى التي تحسن صحة التربة والاحتفاظ بالمياه ذات أهمية بالغة بالنسبة لإدارة آثار الجفاف.
- ومن المرجح أن تكون حماية “المياه الخضراء” في كثير من الأحيان واحدةً من أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لتجنب الآثار السلبية للجفاف.
مصر وتغير المناخ وإستراتيجية المواجهة
تبدي مصر التزامها بأجندة العمل المناخي، فهي تضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية لتغيّر المناخ بغية دعم خطة التنمية التي وضعتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
واصبحت البلاد تتعرض لموجات من الحرارة الشديدة نتيجة التغيرات المناخية وتبعتها والاستهلاك العالي من الكهرباء ونقص نصيب الفرد من المياه والوصول الي الفقر المائي وتزداد حالة عدم اليقين بشأن توافر إمدادات المياه بشكل كبير في ظل تغير المناخ.
كل هذه التحديات تحتم على مصر الاستعداد للتعامل مع هذا الوضع الجديد من التغيرات المناخية والموجات الحارة وتأثيرها علي المحاصيل الزراعية الصيفية بشكل اساسي.
تغير المناخ والجفاف وملوحة التربة
تنعكس موجة إرتفاع درجات الحرارة علي:
- زيادة الاستهلاك المائي وارتفاع حرارة الترية وزيادة مستويات الجفاف وزيادة معدلات التمليح في الاراضي نتيجة نقص المياه .
- ارتفاع معدلات البخر من سطح الترية وزيادة نسب التصحر مع نوعية المياه الرديئة المستخدمة في الري عالية الملوحة وخاصة في الاراضي الصحراوية التي تروي من المياه الجوفية المالحة والشبة مالحة .
- مع فصل الصيف فالحرارة لها أهمية كبيرة في تحديد إنتاجية بعض المحاصيل والحصول على أقصى قيمة اقتصادية منها.
- أدى إرتفاع درجات الحرارة إلى ظاهرة التخصص الزراعي وارتباط المحاصيل بدرجات الحرارة ويجب الا تقل درجة الحرارة عن حدها الأدنى اللازم لمحصول معين أثناء فصل النمو.
- لكل محصول يلزمه درجة حرارة مفضلة لنموه ودرجة حرارة صغرى ينمو تحتها ودرجة عظمى ينمو فوقها.
- كلما كانت درجة الحرارة السائدة في موسم النمو أقرب إلى الدرجة المفضلة كان ذلك أنسب لنمو النبات وإذا لم تتوفر درجة الحرارة الكافية فوق الحد الأدنى أثناء فترة النمو فان المحصول ينضج.
- عادة يكون معدل النمو بطيئا عند الحد الأدنى لدرجة الحرارة اللازمة له, كما أن درجة الحرارة اذا تجاوزت الحد الأقصى اللازمة فإنها تضر بالنبات وتتضاعف سرعة معدل نمو المحصول كلما زادت درجة حرارة الجو عشر درجات مئوية.
- يقصر فصل النمو كلما اتجهنا شمالا أو جنوبا عن المناطق شبه المدارية علي مدار العام كله ويعتبر فصل نمو في المناطق المدارية اذا توفرت العوامل الأخرى اللازمة للزراعة من مياه وتربة صالحة … الخ.
التغيرات المناخية وزيادة الإحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية
تعتبر قضية التغيرات المناخية هي احد اهم محاور البحث العلمي علي مستوي العالم سواء في البلدان المتقدمة او البلدان النامية فالتغيرات المناخية التي يمر بها العالم وخاصة في فصل الصيف الذي نعيشه من ارتفاع شديد في درجات الحرارة الممتدة وتأثيراتها علي المحاصيل المنزرعة وزيادة الاستهلاك المائي للنبات والحيوان والانسان .
فدرجة الحرارة لها تأثير كبير على جميع وظائف الحياة إذ أن جميع عمليات الأيض الكيميائية والعمليات الطبيعية الحيوية اللازمة لنشاط الخلايا والنمو وغيرها تعتمد على درجات الحرارة والاستهلاك المائي .
وتغطي خطة تغير المناخ أولوية للتكيف لأن تغير المناخ والكوارث الطبيعية تؤثِّر على أفقر فئات السكان وأشدها حرمانا أكثر من غيرهم.
وتُعد مصر بصحاريها الشاسعة ودلتاها الخصبة وسواحلها الممتدة ومدنها الضخمة والذي يمثل النيل شريان حياتها، وما تتسم به من قلة الأمطار وارتفاع في حرارة فصول الصيف اصبحت شديدة التعرض للتأثر بتغيّر المناخ.
ومع زيادة السكان ونقص نصيب الفرد منه والوصول الي الفقر المائي وتزداد حالة عدم اليقين بشأن توافر إمدادات المياه بشكل كبير في ظل تغير المناخ، وهو ما يحتم على مصر الاستعداد للتعامل مع هذا الوضع الجديد.
ويتطلب العمل مع التغير المناخي التزاما قويا من جانب الدولة والتعاون المشترك بين اجهزتها ووزاراتها المعنية وذلك كي تُعطي خطة العمل بشأن تغير المناخ أولوية للمساندة في تفعيل مساهماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ ووضع استراتيجياتها طويلة الأجل، بهدف المساعدة على إنشاء روابط أفضل بين التزاماتها المناخية وأهدافها الإنمائية.
وفي واقع الأمر، لا يقتصر التصدي لتغيّر المناخ على إدارة المخاطر فحسب، بل يتعلق أيضاً باغتنام ما يُتاح من فرص جديدة وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة على نطاق واسع.
الأسواق العالمية في جميع أنحاء العالم تشهد تغيرات سريعة، وتفضل السلع منخفضة الكربون، وتتجه أيضاً نحو مسارات تنمية أكثر مراعاة للبيئة وقدرة على الصمود.
وسيتطلب تمكين التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون او الاقتصاد الاخضر القادر على الصمود في وجه تغير المناخ مع اتخاذ إجراءات لدعم القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في هذا المجال، حيث يمكنه أن يلعب دوراً مهماً – بوصفه ممولاً للسلع والخدمات غير الضارة بالمناخ ومبتكراً لها، بل ومورّداً لها.
نقص الموارد المائية في ظل إرتفاع الحرارة علي المستوي العالمي
نتيجة عمليات الجفاف الممتد يتحول العجز المائي سريعًا ليكون هو الوضع المعتاد الجديد في معظم بلدان العالم من خلال عدد من السيناريوهات وهي:
- على مدار نصف القرن الماضي زادت “صدمات جفاف الأمطار” الشديدة – أي هطول الأمطار أقل من متوسطها – بنسبة 233% في بعض المناطق.
- عادة ما تكون صدمة جفاف الأمطار التي تمثل انحرافًا معياريًا واحدًا عن القاعدة حدثًا نادرًا يُتوقع أن يشمل 15 فترة من أكثر الفترات جفافًا خلال قرن واحد.
- ينبغي أن تكون هذه الفترات من الجفاف متقطعة، ولكنها تحدث حاليًا على نحو أكثر تواترًا. وتشير الدراسات والتحليلات إلى أنه بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين يمكن أن تزيد مساحة الأراضي والسكان الذين يواجهون موجات جفاف شديدة إلى أكثر من الضعف على مستوى العالم.
- على الرغم من أن توقعات هطول الأمطار في المستقبل غير مؤكدة إلى حد بعيد، فإن نماذج تغير المناخ تجمع على أن هطول الأمطار سيصبح أكثر تقلبًا وتطرفًا تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة.
- تشهد البلدان الفقيرة التي تقع عادة في مناطق جافة وشبه قاحلة المزيدَ من صدمات جفاف الأمطار، كما أنها أكثر عرضة لهذه الصدمات.
- ففي الصومال، على سبيل المثال، كان هطول الأمطار في موسم 2022 الذي امتد من مارس إلى مايو هو الأدنى خلال العقود الستة الماضية.
- كما شهدت أجزاء كبيرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا ظروفًا شديدة الجفاف مقارنة بمتوسط هطول الأمطار.
- وشهدت أوروبا موجتي جفاف استثنائيتين في عامي 2018 و2019 وصفهما العلماء بأنه لم يسبق لهما مثيل في آخر قرنين ونصف قرن مضت.
- على الطرف الآخر من المعادلة، شهد شهر يوليو 2021 هطول أمطار قياسية وفيضانات شديدة على أوروبا؛ وفي الشهر نفسه، أدت الأمطار الغزيرة إلى فيضانات مدمرة في مقاطعة هاينان الصينية، مما أجبر أكثر من مليون شخص على النزوح.
- مع ارتفاع درجات الحرارة، يتبخر المزيد من المياه ، مما يؤدي إلى تفاقم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، ويتسبب بالتالي في المزيد من العواصف المدمرة.
- زيادة الجفاف هو احد التاثيرات المباشرة لارتفاع درجات الحرارة ويؤدي تغير المناخ إلى تغيير توفر المياه، مما يجعلها أكثر ندرةً في المزيد من المناطق.
- يؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق الفقيرة بالمياه، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، ويزيد الجفاف البيئي من ضعف النُظُم البيئية.
- يمكن أن يثير الجفاف أيضًا عواصف رملية وترابية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات وزيادة نسبة التصحر العالمي .
- كذلك فإن الصحاري آخذةٌ في التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء. ويواجه الكثير من الناس الآن خطر عدم الحصول على ما يكفي من المياه بشكلٍ منتظم.