د أسماء حلوي تكتب: فوائد وأضرار ملح الطعام علي الصحة العامة!
باحث- صحة الأغذية- معهد بحوث الصحة الحيوانية معمل فرعى أسيوط – مركز البحوث الزراعية -مصر
يعد ملح الطعام من أقدم أنواع البهارات التي استخدمها الإنسان وأكثرها توفرًا وشيوعًا، فقد عرفه الإنسان منذ ما يقارب ثمانية آلاف عام، فقد وجد الباحثون الأدلة القاطعة على تعامل القدماء مع المياه الحاوية على الأملاح في مياه الآبار منذ ذلك الزمان، وتطور الاهتمام بالملح من خلال معالجة مياه البحار والمحيطات. واستخدمه كوسيلة لحفظ الطعام وتخزينه، وأدخله في طعامه، حتى أصبحت نكهة الطعام تكاد لا تكون مستساغة بدونه [1].
يعد إنتاج الملح من أقدم الصناعات الكيميائية. وأحد أهم المصادر له هو ماء البحر الذي تساوي ملوحته تقريبا 3.5% والذي يعني أن يوجد 35 جم من الملح المُذاب لكل كجم من ماء البحر.
تعتبر المحيطات مصدر ملح غير ناضب وبسبب هذه الوفرة في المصادر فإنه لم يتم حساب مخزون الملح. ويعد تبخير ماء البحر هو الخيار المثالي لإنتاج الملح للمدن الساحلية ذات مدى تبخّر عالٍ وترسب منخفض. تمتلئ الملّاحات بماء المحيطات ومن الممكن حصد بلورات الملح بعد جفاف الماء.
تمتلك هذه الملاحات ألوانا بارزة نظرًا لوجود بعض أنواع الطحالب والمخلوقات المجهرية المحبة للملوحة والتي تنمو في هذه البيئة.
يحتوى ماء البحر على مركبات الكلور والصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، ويستخرج ملح الطعام تجارياً بتبخير ماء البحر بطرق خاصة تعزل كلوريد الصوديوم عن باقي أنواع المركبات، بدرجة نقاوة تصل الى 98% (ويضاف له مانع تكتل غير ضار للجسم)، وهناك مصدر أخر للملح وهو باطن الأرض والذي يحتوي على الصخور الملحية والتي تكونت عبر ملايين السنين.
أنواع الملح في الأسواق:
الأول – هو ملح المائدة (كلوريد الصوديوم المكرر وبنسبة نقاوة 99%)، ويضاف اليه الايودين.
الثاني – الملح البحري ويتكون من 95% من كلوريد الصوديوم و5% معادن أخرى كالمنغنيز، الكالسيوم، الفسفور، الأيودين الطبيعي وغيرها.
يدخل الملح في التراكيب النسيجية للحيوان أكثر من النبات، ويعد عاملاً مهماً من عوامل ديمومة حياة الإنسان.
يستحسن الناس الطعام بوجود الملح فيه، وهو في حقيقة الأمر، تعوّد الإنسان على مذاقه، ولكن بنفس الوقت فالغالبية العظمى لا يدركون المخاطر الشديدة التي يحملها بالرغم من أنه يضيف نكهه وطعم ألذ وأطيب إلى الوجبات الغذائية، وذلك بسبب تعوّد البراعم الحسية الموجودة فى اللسان عليه كما يحدث مع المذاق الحلو.
يُعد الملح غذاء ضروريا، وتتأثر الصحة بمدى كميته في الغذاء حيث يحتاج الإنسان إلى تناول الملح لتحسين وظيفة الخلية الطبيعية، والحفاظ على التوازن الحمضي في الدم، وفي الوقت نفسه فإن الإفراط في تناول هذا المسحوق الأبيض يمكن أن يتسبب في أخطار لا عقبى لها [1] فكلوريد الصوديوم بالإضافة الى استخدامه مع الطعام فهو يستخدم كمادة حافظة مانعة للتعفن، والسبب يعود إلى أن الغالبية العظمى من الجراثيم والميكروبات لا يمكن أن تعيش في وسط مالح وخصوصاً في التركيزات الملحية العالية.
أهمية الصوديوم في الملح
يعتقد البعض أن الملح مادة ضارة لا ينال الإنسان منها أي فائدة، شأنها شأن العديد من المواد التي تضاف إلى الطعام المصنع، لكن في الحقيقة يعد عنصر الصوديوم الذي يتكون منه الملح من العناصر الأساسية في الجسم [1]، ويتداخل عمله مع عمل العديد من المعادن الأخرى كالبوتاسيوم، لتنظيم عدة عمليات حيوية مهمة في أجسامنا حيث يعد الصوديوم مهمًا لتنظيم ضغط الدم، وحجمه، وتوازنه الأسموزي وتنظيم توازن السوائل في الجسم ويحفظ حرارة الجسم ويقيه من ضربات الشمس، كما تحتاجه العضلات والأعصاب للقيام بمهامها الحيوية، هذا بالإضافة إلى أنه يُنظم عمل الجهاز الهضمي. ويمكن أن يعد نقص الصوديوم الحاد، مع أنه نادر الحدوث، حالة طارئة يمكن أن تشكل خطرًا على حياة المريض [1،2].
أيضًا تعود فوائد الملح للجسم لاحتوائه على عنصر اليود، والذي يعد أحد العناصر الأساسية في الجسم، ويمكن أن يتسبب نقص مستوياته باضطرابات الغدة الدرقية [1،3].
إن جسم الإنسان البالغ يحتوي على 100 جرام ملح، يفقد منها يومياً بمعدل 25 غرام بواسطة التعرق وإدرارالبول، فيحتاج الى تعويض ذلك، وعدم التعويض يتسبب في الكثير من العلامات والأعراض على شكل اضطرابات، وتظهر تلك الحاجة بشكل جلي جداً لدى سكان المناطق الاستوائية، وهذا ما يُفسر لماذا كان البدو الرحّل يتناولون الملح حينما يتنقلون في الصحارى.
من الناحية البايوكيمياوية فأن الصوديوم (Na) هو الأكثر أهمية في جسم الإنسان، حيث يشكل 40% من كتلة ملح الطعام، وتقول أحدث الدراسات أن الصوديوم هو المسؤول الأول والمباشر في عمل القلب الى جانب البوتاسيوم، كما قد أثبتت الدراسات أن للصوديوم علاقة مباشرة أيضاً في وضعية ضغط الدم، لذا أصبحت النظرية التي تقول أن زيادة استخدام الصوديوم الموجود في ملح الطعام تؤدي الى ارتفاع الضغط، هي الأقرب الى القبول. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن البلدان التي خُفض فيها تناول الملح بمقدار 1 غرام للشخص في اليوم، انخفضت الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية والنوبات القلبية بنسبة تتجاوز 7%.
عنصرا الملح الرئيسيان (الصوديوم والكلور) يمكن الحصول عليهما من المواد الغذائية الموجودة في الطبيعة ونستخدمها في وجباتنا الغذائية، يتواجد الملح بشكل طبيعي في كثير من المواد الغذائية كاللحوم والخضروات والفواكه و الخبز ومنتجات القمح والحليب ومشتقاته ، لكن بكميات صغيرة.
وأكثر المواد الغذائية التي تحتوي على كلوريد الصوديوم هي الألبان، الأسماك، خصوصاً البحرية، واللحوم بشكل عام والقمح. وغالبا ما يضاف الملح للمواد الغذائية المعالجة كالأطعمة المعلبة والمخلَّلات والوجبات الخفيفة. حيث يستعمل لحفظ الطعام ولإضافة نكهة عند الأكل.
كان الملح أحد أهم طرق حفظ الطعام قبل اختراع أجهزة التبريد الإلكترونية. فيحتوي سمك الرنجة 67 ملي جرام من الصوديوم لكل 100 جرام بينما يحتوي بعد تمليحه على 990 ملي جرام.
ويقول العلماء أن ما يحتاجه الإنسان في اليوم الواحد من كلوريد الصوديوم استكمالاً أو تحسباً لعمل الخلايا يعتمد على حالته الصحية، فالكمية تتراوح بين نصف غرام وستة جرامات، علماً أن نصف هذه الكمية يحصل عليها من المواد الغذائية الأولية والتي تدخل في إعداد الطعام، وبذلك فهو ليس مجبر دوماً على إضافة ملح الطعام الى غذائه.
وفي كثير من البلدان يأتي 80٪ من مدخول الملح من الأغذية المجهزة، مثل الخبز والجبن والصلصات المعلبة واللحوم المعالجة والوجبات الجاهزة. يعد الأطباء الملح من السموم البيضاء، فإن استخدام الملح المفرط أو العشوائي، يشكل خطراً حقيقياً على حياة الإنسان.
ويمكن لتقليل استهلاك الملح إلى أقل من 5 غرامات أو أقل من ملعقة صغيرة يوميا، وفي بعض التوصيات يمكن أن تنخفض الكمية الموصى بها من الصوديوم لتصل إلى 1,500 ملغ يوميًا، أو ما يعادل نصف ملعقة صغيرة تقريبًا من ملح الطعام [2،3] أن يقي من الأمراض القلبية، حيث أن المرض القلبي الوعائي مسؤول عن 17.3 مليون حالة وفاة مبكرة في العالم، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 23 مليونا بحلول عام 2030.
كما أن منظمة الصحة العالمية توصي بأن يستهلك الأطفال بين سن عامين و15 عاما مقدارا من الملح أقل من ذلك.
تقليل كميات الصوديوم المستهلكة بشكلٍ عالٍ في الأشخاص الذين لا يعانون من أمراض حادة يساعد على خفض ضغط الدم وتكون النتائج أفضل عند المصابين بفرط ضغط الدم.
إن زيادة ملح الطعام تؤدي الى الهيجان والحركة الزائدة، التهاب الأغشية المخاطية للمعدة والأمعاء والأوردة والشرايين، كما انه يؤثر سلباً على الكبد والكليتين والمسالك البولية، ولوحظ ان تأثيره مضاعفاً لدى الذين يعانون من السمنة.
وقد لاحظ الأطباء فيما يتعلق بمخاطر الإفراط في إستهلاك الملح ما يلي :
1- تناول كميات كبيرة من الملح يسبب ارتفاع ضغط الدم ، حيث يحدث خلل في توزان المعادن في الجسم فيحتبس الماء في الجسم. عند تناول الكثير من الملح، لن تتمكن الكلى من تصفية الصوديوم الزائد من مجرى الدم، وهذا ما يؤدي إلى تراكم الصوديوم في الدم، ونتيجة لذلك سيحتفظ الجسم بالمياه في محاولة لتعويض الزيادة في مستويات الصوديوم، وهو ما يؤدي إلى احتباس الماء داخل الجسم وانتفاخه 4]]. وبالتالي زيادة حجم الدم وزيادة الضغط معه.
من المعروف أن زيادة ضغط الدم قد تكون خطرة على الصحة وتُسبب العديد من الأمراض مثل أمراض القلب والشرايين والسكتات والجلطات الدماغية والقلبية. ويزداد خطر الإصابة بأمراض القلب عندما يكون النظام الغذائي عالي الصوديوم ومنخفض البوتاسيوم في نفس الوقت، حيث يساعد البوتاسيوم على إخراج الصوديوم من الجسم، ويساعد على استرخاء الأوعية الدموية[3].
2- التراكيب المجهرية في الكلى مسؤولة عن تنقية الفضلات في الجسم وتصفية الدم من المعادن الفائضة ومن بينها كميات الصوديوم الزائدة، وبزيادة كمية الملح والصوديوم يزيد العبء على الكلى مما قد يؤدي مع الوقت الى تشكل حصى الكليتين، كما أن ضغط الدم المرتفع قد يؤدي الى ضرر شرايين الكلى الدقيقة ويشكل خطرعلى كفاءتها.
3- يلعب الصوديوم دور مهم جدا في توازن القاعدة والحامض في الجسم، والاهم في إفرازات الجهاز الهضمي، وزيادة تناول الصوديوم يؤثر سلبا على الجهاز الهضمي ويزيد من حدوث حرقة المعدة، وقد ثبت ارتباط تناول الكميات الكبيرة من الملح بالإصابة بسرطانات المعدة.
4- الصوديوم الزائد في الجسم يعمل على سحب المياه من داخل الخلايا بحسب الخاصية الاسموزية وبالتالي جفافها، وزيادة الشعور بالعطش في الجسم لتناول السوائل التي تعيد الأمور الى توازنها.
5- زيادة الصوديوم في الدم يؤدي الى خلل توازن المعادن والهورمونات في الجسم مما يؤثر على العديد من العمليات الحيوية وخاصة التي تعتمد على تنظيم كهرباء الجسم، والتي تدخل في عمل الأعصاب. فتزيد من فرص حدوث التشويش والدوخة والاكتئاب كما ويتأثر عمل عضلات الجسم ويسبب لها الشد.
6- زيادة الصوديوم في الجسم تؤثر على نسبة الكالسيوم فيمنع امتصاصه مما يؤثر سلبا على كثافة العظم ونموه فيسبب هشاشة العظام وخصوصاً لدى المتقدمين بالعمر من كلا الجنسين.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن تقليل مدخول الملح من أكثر الطرق فعالية في البلدان لتحسين صحة السكان.
نصائح للأفراد والأسر لتقليل مكونات الملح:
- قراءة بطاقات المعلومات الغذائية عند شراء الأغذية المجهزة للتحقق من مستويات الملح.
- طلب المنتجات المحتوية على قدر أقل من الملح عند شراء الأغذية المجهزة.
- إزالة أوعية الملح والصلصات المعلبة من على موائد الطعام.
- الحد من كمية الملح التي تضاف عند الطهي إلى كمية لا يتجاوز حدها الأقصى خُمس ملعقة صغيرة على مدار اليوم.
- الحد من الاستهلاك المتكرر للمنتجات المحتوية على كثير من الملح.
- توجيه حاسة التذوق لدى الأطفال من خلال نظام غذائي يتكون في غالبيته من أغذية غير مجهزة دون إضافة الملح.
References:
[1] Rachael Ajmera. Salt: Good or Bad? Retrieved on the 15th of March, 2023. [2] Jessica Caporuscio. What is the difference between sea salt and table salt? Retrieved on the 15th of March, 2023. [3] Valencia Higuera. Salt 101: Why You Need It, How Much Is Too Much, and How to Cut Back. Retrieved on the 15th of March, 2023. [4] Alina Petre. What Happens If You Eat Too Much Salt? Retrieved on the 15th of March, 2023.