الأخبارالانتاجبحوث ومنظمات

د جيهان فتحي تكتب:  العلم الطريق لـ”كيف نزرع اللحم”

 

 باحث – قسم بحوث تكنولوجيا اللحوم و الأسماك … معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية- مركز البحوث الزراعية

 

في الوقت الذي يزداد فيه إستهلاك اللحوم في العالم والذي من المتوقع ان يصل إلى أعلى معدلاته بحلول العام 2050 نتيجة للزيادة السكانية التي يشهدها العالم كسبب رئيسي، و زيادة معدل استهلاك الفرد الواحد للحوم و خاصة في دول العالم النامي (الصين و البرازيل و الهند كمثال)  مقارنة بنظيره في الدول المتقدمة، فإن التوسع في منظومة الإنتاج الحيواني الحالية يواجه تحديات عدّة منها القدرة على مواجهة زيادة الطلب من ناحية الكم، إستهلاك المحاصيل بكميات أكبر، و تهديد النظام البيئي من حيث إستهلاك المياه وتلوثها، وإستهلاك الأراضي، و زيادة إستهلاك الطاقة، و إنبعاثات غازات الدفيئة التي تساهم بشكل كبير في ظاهرة الإحتباس الحراري، و نوعية الأمراض التي تصيب الحيوانات وإمكانية نقل العدوى إلى الإنسان و ظهور سلالات مرضية مقاومة للعقاقير.

وعلى الرغم من أن اللحم الحيواني جزأ لا يتجزأ من النظام الغذائي للإنسان بإعتباره مصدراً للبروتينات والفيتامينات والدهون إلا إنه في ذات الوقت يُعدُ مصدراُ لكثيراُ من الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة زيادة إستهلاك اللحوم و الدهون، علاوة على المخاطر السابقة. لذا كان التفكير في إمكانية  إنتاج لحم بشكل مختلف، لكن هل سيتم تقبل نكهته ومذاقه ؟ كيف سيبدو نسيجه ؟ هل سيكون آمناً وصحياً ؟ وأخيراً هل سيكون مرتفعا في تكلفته الإنتاجية ؟

اللحم المستزرع  in vitro meat  يتم تقديمه كبديل لمشاكل اللحم الطبيعي وهنا يجب ان يكون شبيه باللحم فأي منتج جديد يحتاج الى ملامح خاصة به و إلا لن يتمكن من المنافسة ومن هذا المنظور فليس من الضروري ان يماثل اللحم التقليدي ولكن يجب ان يتميز عنه بوضوح قدر الإمكان ليكون بديل حقيقي للحم التقليدي. لذلك من الهام ان يكون للبديل طعم و قيمة غذائية مشابهة.

والفكرة تعود لعشرينيات القرن الماضي، حيث تنبأ ونستون تشرشل Winston Churchill بأنه في خلال 50 عاماً سيمكننا التخلي عن تربية دجاجة كاملة والإكتفاء بأكل الصدر أو الجناح، وبدأ الباحثون بإجراء التجارب بشكل فعال في سبعينيات و تسعينيات القرن الماضي و تم إنتاج كميات صغيرة من الأنسجة المستزرعة يمكن مبدئياً طهيها و أكلها. و مع بدايات القرن الحادي و العشرين زادت التجارب في هذا المجال، و تُعد وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)  من أبرز المهتمين بهذه التجارب لتوفير البروتين لرواد الفضاء في رحلاتهم. في لندن تم عقد مؤتمر صحفي عام 2013 تم فيه  الإعلان عن تجربة أول قرص برجر صنع من لحم مستزرع معملياً، حيث تم طهيه و تناوله من قبل النقاد، وعلق أحدهم قائلاً  ” انه يمكن قضمه، وهناك بعض النكهة مع اللون البني، لكن مع عدم وجود دهن فلا يوجد عصيرية بدرجة كافية، وهناك بعض الطعم الكثيف، انه قريب من اللحم لكن التماسك مثالي و المظهر مشابه تماما”.

إن إنتاج اللحم المستزرع معملياً ستجعله يتمتع بمزايا عدّة مثل تلافي المخاطر البيئية المهددة للحياة على الأرض و أبرزها إنبعاث غازات الدفيئة، توفير الوقت المستهلك في تربية الحيوان، فعملية إنتاج اللحم المُستزرع  لا تستغرق سوى عدّة أسابيع، و خفض التكلفة الإقتصادية للمزارع المنتجة للحم الحيواني، كما أنه سيكون آمناً صحياً إذ إستُزرع في بيئة معقمة لا تسمح بنمو الأنواع الخطرة من البكتيريا كالسالمونيلا كمثال، كما أن عدم تعرض اللحوم المنتجة بهذه الطريقة  للمبيدات الحشرية أو الحقن بالهرمونات كلها عوامل ترفع من نسبة الأمان للمنتج.

ومن أهم التقنيات المستخدمة لإنتاج اللحم المستزرع:

تقنية الدعامات: هذه التقنية تعتمد على إكثار الخلايا الجذعية أو خلايا من العضلات الهيكلية للحيوانات البالغة في بيئة مناسبة ، و إلصاقها بدعامة او حامل مثل شبكة من الكولاجين ، و بإستخدام محفزات النمو المناسبة فإن الخلايا تلتحم لتكون أنسجة عضلية يمكن طهيها و إستهلاكها كلحم .

هندسة الأنسجة: في بدايات القرن الحالي قام العالم بينجامينسون Benjaminson ) ) بزراعة أنسجة عضلية مأخوذة من السمك الذهبي Gold fish، و بعد ظهور النموات أضاف إليها خلايا جذعية من ذات السمك، وكانت المفاجأة زيادة مساحة النسيج المُستزرع  إلى 79%، أهم ما يميز هذه التقنية هو إمكانية الحصول على نسيج مُشابه للنسيج الطبيعي من حيث القوام و الكثافة.

طباعة الأعضاء  organ printing: وهي طريقة مشابهة لحد ما لعملية زرع الأعضاء البشرية و تعتمد بالأساس على تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد، الأعضاء المطبوعة بهذه التقنية لن يكون لها نفس التركيب الخلوي الأساسي للعضو بل ستحتوي أيضا على نظام وعائي مناسب لإيصال الدم لكامل المنتج، و بذلك تساهم في حل مشاكل الطرق السابقة.

التصوير الضوء حيوي  Biophotonics: هو مجال جديد يعتمد على ربط  مجموعة من الجزيئات و تحريكهم إلى موقع محدد و جعلها تتمحور لتشكل تراكيب أو بنيان محدد و ذلك بإستخدام تقنية الليزر و الضوء، لكن الآلية التي تعمل بها هذه التقنية لا تزال غير مفهومة بالكامل.

تكنولوجيا النانو: هذه التقنية  تَعِد بالعديد من الامكانيات على النحو الذي يجعل المنتجات رخيصة الثمن و آمنة، مع زيادة فترة صلاحية المنتجات و خفض تكلفة الإنتاج بنسبة تترواح بين 40 – 60 %، لكنها على المستوى التجاري لاتزال غير ممكنة حاليا ولعدة سنوات مقبلة.

وبرغم كل هذه التقنيات، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه انتاج اللحوم المستزرعة  والتي لا تزال تخضع  للمزيد من الأبحاث و الدراسات قبل أن يتم انتاجها تجاريا على نطاق واسع.  ومن أهم هذه التحديات نقص المعرفة الخاصة ببيولوجيا الخلايا الجذعية و طريقة تمايزها إلى خلايا عضلية. فبالرغم من كونها أفضل مصدر لإنتاج اللحوم معملياً و ذلك لقدرتها الكبيرة على التحول لأي نوع من الأنسجة، الإ أن التحكم في الخلايا الجذعية الجنينية من حيوانات المزرعة أكثر صعوبة مما كان يعتقد. و بالرغم من نجاح الباحثين في توليد خطوط الخلايا الجذعية الجنينية من أجنة الفئران و القرد الهندي و الانسان و الجرذان ، إلا أن هناك رفض أخلاقي  للحم المستزرع  من خلايا هذه المصادر يجب أن يؤخذ في الإعتبار إذ كيف يمكن للمستهلك التأكد من أن برجر اللحم المستزرع الذي سيشتريه او يتناوله ليس من خلايا جذعية مصدرها الفئران او الجرذان او القرود؟

علاوة على ذلك يعتبر السيرم البقري مكملاً مثالياً لبيئة الإستزراع و يمكن الحصول عليه من داخل جسم الحيوان البالغ أو الأجنة، إلا أن طريقة الحصول عليه تثير قلقاً أخلاقياً، لذلك أصبح ضرورياً تطوير بيئات خالية من السيرم و هو ما سيؤدي ليس فقط إلى تقليل تكاليف التشغيل بل الى تقليل اي مصادر محتملة للعدوى.

كما يُعاب على تقنية هندسة الأنسجة إفتقارها إلى وجود تدفق الدم الذي يحمل O2 و المُغذيات إلى الخلايا و يعمل على إزالة نواتج التمثيل الغذائي، و هو ما يجعل إستدامة نمو الخلايا لفترات أطول مستحيلاً  إذ تموت فور إبتعادها لأكثر من نصف ملليمتر عن الإمداد بالمغذيات. وإستخدام تقنية الدعامات يواجه تحدي تقني وهو التخلص من النظام الداعم، فألواح الخلايا المستزرعة المندمجة تفصل بالطرق الميكانيكية أو الإنزيمية التقليدية، و لكن هاتين الطريقتين تتلفان الخلايا و النسيج الخلوي الناتج.

ومن اكبر التحديات التي تواجه التوسع في إنتاج اللحوم المستزرعة على نطاق صناعي أننا سنكون بحاجة لتطوير مفاعلات حيوية bioreactors جديدة قادرة على تحفيز نمو الأنسجة المزروعة لتشبه إلى حد كبير الأنسجة الطبيعية. هذا بالإضافة الى تأثير كل من المجالات الميكانيكية، والكهروماغناطيسية، والجاذبية الأرضية، و تدفق السوائل، و التحفيز الكهربي على إكثار و تمايز الخلايا. كما تواجه هذه الصناعة مشكلة ضمور الأنسجة المستزرعة الناتج عن عدم وجود أعصاب أو الإصابة بأحد أنواع الأمراض مما يؤدي لإختزال حجم الخلية و كذلك تعرض الخلايا للشيخوخة.

لا شك أن أحد العقبات الرئيسية في تصنيع اللحم المستزرع و منتجاته تكمن في الطعم و النكهة و اللون و القوام ليكون مماثلاً للحم الطبيعي و بديلاً عنه و أرخص سعراً بحيث يمكن تسويقه و تقبله من قبل المستهلكين، الأمر الذي يستدعي معه ضرورة تطوير تكنولوجيا جديدة  للتصنيع الغذائي قادرة على تلبية رغبات المستهلكين، وهو ما لن يكون أمراً سهلاً. هناك نقطة آخرى تتعلق بالتصنيع الغذائي وهي التلوث الذي لن يكون مصدره اللحم المستزرع نفسه و لكن المواد و المركبات الآخرى المستخدمة في بيئة الإستزراع، و هو ما يستدعي التأكد من سلامة المصادر التي يتم الحصول منها على هذه المواد و المركبات.

و لضمان حماية المستهلك و سلامة منتجات اللحم المستزرع و صلاحيتها للإستهلاك الآدمي لا بد من خضوعها لشروط الجهات و المنظمات الرقابية  الدولية وموافقتها رسمياً على وضع علامات الجودة على هذه المنتجات و هو ما يمثل مصدر ثقة لكثير من المستهلكين للإقبال عليها، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود قوانين موضوعة أو مكتوبة للحم المستزرع ، و بالتالي على الشركات العاملة في هذا المجال الحصول على موافقة كلاً من FSIS & FDA  قبل تسويق منتجاتها و أن تتعاون بشكل كامل في إعطاء المعلومات الخاصة بالمنتجات لتجنب الكثير من المنازعات و الإجراءات المعوقة للإنتاج.

بالإضافة للجدل الأخلاقي  حول اللحم المستزرع، هناك جدل ديني حول ما إذا كان مشروعاً دينياً ام لا، فبالنسبة للإسلام يرى بعض علماء المسلمين أنه حلال مادام الأصل المستخدم من خلايا و بيئات الإستزراع مأخوذة من حيوانات أحلها الإسلام ، أما بالنسبة لليهود فهناك آراء مختلفة حول إعتبار هذا اللحم غذاء طبقاً لقوانين الغذاء و الشريعة اليهودية.

المصادر:

  • Alok Jha. “Synthetic meat: how the world’s costliest burger made it on to the plate”. The Guardian. Retrieved 2 February 2016.
  • Bhat, Z.F.; Bhat, H. and Pathak, V. (2014). Prospects for In Vitro Cultured Meat – A Future. Harvest Principles of Tissue Engineering. Published by Elsever,1663- 1683. http://dx.doi.org/10.1016/B978-0-12-398358-9.00079-3.
  • Cultured meat. https://en.wikipedia.org/wiki/Cultured_meat
  • Verbeke, W.; Marcub, A.;  Rutsaert, P.;  Gaspar, R.;  Seibt, B.; Fletcher, D. and  Barnett, J. (2015). ‘Would you eat cultured meat?’: Consumers’ reactions and attitude formation in Belgium, Portugal and the United Kingdom. Meat Science, 102: 49–58.

 

  • Verbeke, W.; Sans, P. and Van Loo, E. J. (2015). Challenges and prospects for consumer acceptance of cultured meat. J. of Integrative Agri., 14(2): 285–294.

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى