الأخبارالصحة و البيئةالمياهامراضبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتصحةمصر

د عاطف كامل: هل تؤثر التغيرات المناخية على انتشار جائحة فيروس كورونا؟

رئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – كلية الطب البيطرى- جامعة قناة السويس وخبير التغيرات المناخية بوزارة البيئة

فيروس كورونا أو ما يطلق عليه فيروس COVID-19 وتغير المناخ هي حالات طوارئ صحية حقيقية ولكنها مختلفة. يعد الفيروس التاجي الجديد حالة طوارئ صحية عامة ناجمة عن فيروس جديد – COVID-19 – انتشر بسرعة عبر المجتمعات في جميع أنحاء العالم واصبح جائحة عالمية. على العكس من ذلك ، يعد تغير المناخ حالة طوارئ صحية عامة بطيئة الحركة ، تتفاقم بسبب الأزمات الصحية المرتبطة بالأحداث المفاجئة مثل الانبعاثات الغازية في خاصة بثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي في تلوث الهواء من الاحتباس الحراري والتغير المناخي والطقس القاسي وحرائق الغابات.

فكلاهما ظاهرة مستجدة …الفيروس مستجد بعد ان غير جلده وتركيبته وخطورته علي البشرية..وكذلك التغير المناخي فهو يحدث نتيجة للظروف المناخية المستجدة …وبالتالي هناك ثمة علاقة ورغم انها تبدو هنا علاقة تركيبة وليست تفاعلية ولكن كلتا الظاهرتين تؤثران علي صحة ورفاهية البشر.

إن تحور الفيروسات سواء كورونا او السارس يأتي نتيجة تغير المناخ، حيث عاد مرض الملاريا والإيبولا بغرب إفريقيا مرة اخرى بسبب تغير المناخ.  إن الميكروبات الدقيقة والكائنات الدقيقة تتأثر من التغير المناخي، لافتًا إلى أنه تم التحذير من أن كائنات قد انقرضت ستعود مرة أخرى مثل الفيروسات البكتيرية وفيروسات السل والأمراض الإستوائية، التي أصبحت منتشرة في العالم لعودتها إلى نشاطها مرة أخرى نتيجة التغير المناخي.

معظم الأوبئة في المائة عام الماضية – في الواقع ، معظم الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الإنسان – كانت ناجمة عن “الأمراض الحيوانية المنشأ” أو الجراثيم التي تأتي من حيوانات أخرى. ظهر فيروس نقص المناعة البشرية  من الرئيسيات غير البشرية. والخفافيش وفيروس الإيبولا. تطور فيروس الحصبة من مرض يؤذي الأبقار في وقت ما حوالي القرن الثالث الميلادي.

يقول الباحثون إن تغير المناخ يضاعف من هذه المشاكل. تقلص أعداد بعض مجموعات الحيوانات ، وتحرمهم من التنوع الجيني اللازم للسيطرة على المرض. ويجبر الآخرين على الهجرة ، وإنتاج أنواع جديدة من التفاعلات من حيوان إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان.

هناك ، ايضا علاقة سببية..فالتغير المناخي يؤثر علي انتشار الفيروسات عند درجات حارة معينة من الانخفاض بذات التاثير للطقس الحار والرطب الذي قد يوقف انتشارها…كما ترتبط الفيروسات الموسمية التنفسية بعوامل تساعد علي انتشار العدوي مثل جفاف الهواء ودرجة الحرارة واشعة الشمس فوق البنفسجية.

كما توجد علاقة تنافرية او عكسية ، ان صح التعبير، فالكورونا مؤقتة ومن المتوقع ان ترحل قريبا وربما للأبد كما رحل الجدري الحقيقي واختفي عالميا بعد التوصل الي لقاح فعال انهي وجوده في كل دول العالم بما في ذلك الدول الافريقية حيث كان يعيش المرض منذ زمن بعيد..ولكن التغير المناخي فهو موجود منذ زمن طويل ايضا ولكنه سيظل موجودا معنا لعقود ويتطلب ذلك جهودا دولية صادقة كما عبر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيرش).

وكما هو معلوم فإن التغير المناخي يضر بصحة الانسان ويعد اكبر مهدد للصحة العالمية نتيجة لظواهر الطقس المتطرفة..ويتوقع ان ينتج عن ذلك انتشار العديد من الأمراض البيئية خاصة ذات العلاقة بتلوث الهواء …ومن الغريب حقا فإن صور الاقمار الصناعية قد أظهرت أنه في الصين في المناطق التي كانت بؤرة لمرض الكورونا ، كانت الانبعاثات الغازية فيها قليلة جدا !! و هذا قد يلقي بظلاله عن علاقة تلوث الهواء بالامراض التنفسية…ولكنه لايلغي بالضرورة مسئولية الحركة الصناعية والنشاط الاقتصادي في تلوث الهواء خاصة بثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي في الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

تغير المناخ والحد من انتشار الفيروسات

أصبح تغير المناخ من أهم وأخطر الأزمات العالمية التي يعاني منها المجتمع الدولي لما لها من تأثيرات على كافة مناحي الحياة بما فيها الصحة وبخاصة على انتشار الأمراض المعدية من خلال التغيير في العوامل البيئية والبيولوجية مثلما يؤثر على أنماط هطول الأمطار والفيضانات والجفاف ونقص المياه…الخ.  فقد أثبتت دراسات أن التغيرات المناخية لها دور في نقل وانتشار الأمراض المعدية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنها من أكثر الأمراض حساسية للمناخ.

يُعتقد أن العديد من العوامل البيئية تساعد في انتقال الأمراض الفيروسية في جميع أنحاء العالم. تشمل هذه العوامل على مستوى العالم درجة الحرارة والرطوبة وهطول الأمطار والرياح بينما في أوروبا، وتكون درجة حرارة المناخ أكثر احتمالًا لما لها من تأثير قوي على الإصابة بالأمراض المعدية من خلال إنتاج بيئة تكيفية لبعض الفيروسات الخطيرة.

يحفز المناخ الحار ظهور ناقلات فيروسية مختلفة على مستوى العالم مثل البعوض والقراد والذباب الرملي والقوارض. يتم ذلك بشكل أساسي من خلال تغيير دورة حياة المتجهات والطفيليات التي تعمل كحامل للفيروسات، أو تغيير التوزيع الجغرافي لمتجهات الفيروس ونقل العدوى إلى الدول المجاورة. على سبيل المثال، ظهور حمى الضنك وفيروس النيل الغربي وبعض الأمراض الفيروسية المنقولة عن طريق ناقلات الأمراض في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا.

انتشار الفيروسات والحد من تغير المناخ

في الوقت الذي تكافح فيه العديد من دول العالم فيروس كورونا كمحاولة للحد من انتشاره والقضاء عليه لما له من تداعيات سلبية على الاقتصاد وعلى الصحة وعلى الاستقرار السياسي أيضًا ، ظهرت عدة تقارير تؤكد أن لانتشار الفيروس آثارًا إيجابية على أزمة تغير المناخ من خلال تأثيره على الطلب على الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة في الدول الموبوءة.

وعلى رغم هذا التراجع في نسبة الملوثات في الجو، سيكون من الخطأ الافتراض بأن الفيروس الذي سببت سرعة انتشاره قتل الآلاف في العالم وأجبر الملايين على الحجر الصحي، سيقلل بشكل كبير من الغازات الدفيئة في الجو، ذلك لأن عودة النشاط الاقتصادي بعد انحسار الوباء ستؤدي إلى ارتفاع انبعاثات الغازات مرة أخرى، بخاصة أن الشركات المتضررة جراء الركود الذي فرضه الفايروس المستجد، ستضاعف جهودها لاستعادة الخسارات. من جهة أخرى، وبعد إعلان “منظمة الصحة العالمية” المرض وباء كونياً Pandemic، والخسارات الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها الأسواق، فإنه يمكن بسهولة استنزاف الأموال والإرادة السياسية المكرسة لتحسين في المناخ من أجل القضاء على الوباء. بالنظر إلى الأخطار التي يشكلها الوباء على الصحة العامة، ينبغي تكريس الاهتمام الدولي والموارد للقضاء عليه، إنما من شأن الهلع الكوني وسياسات نشر الرعب أن تضع آثار التغير المناخي على حياة عشرات الملايين من البشر في خانة النسيان، على رغم أنها آثار تطاول حياتنا على المدى الطويل.

يكفي أن نلقى الضوء على القارة السمراء كي نعرف مدى خطورة تغير المناخ وآثاره المدمرة على حياة عشرات الملايين من السكان. وبحسب أرقام، مصدرها الأمم المتحدة، ونشرتها صحفية “لوموند” الفرنسية بتاريخ 19 فبراير 2020، أي بعد ظهور فايروس “كورونا” بشهرين، يتعرض 45 مليون شخص – وهو رقم قياسي – في زيمبابوي وموزمبيق وملاوي في الجنوب الأفريقي لخطر المجاعة بسبب الجفاف والفيضانات والصعوبات الاقتصادية.

وقالت الرئيسة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لولا كاسترو في منتصف شهر يناير 2020، إن “أزمة الجوع هذه وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة”. ويعاني الطرف الجنوبي من القارة الأفريقية منذ خمس سنوات من نقص كبير في المطر، الأمر الذي سبب جفافاً يستمر لسنوات ويعرّض حياة الملايين إلى خطر المجاعة.

ويشير تقرير صحيفة “لوموند” بعنوان “لم يعد هناك مستقبل هنا: خراب تغير المناخ في الجنوب الأفريقي“، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن تغير المناخ تضاعف في القارة الأفريقية مرتين بالمقارنة مع بقية أنحاء العالم، وتأثر به صغار المزارعين والمربين وكبارهم، إضافة إلى الفنادق والمعلمين.

وفي خضم الأخبار التي تثير قلق العالم من استمرار سقوط ضحايا فيروس كورونا المستجد، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنّ تغير المناخ يضر بصحة الإنسان، وهو أكبر تهديد للصحة العالمية في القرن الـ21، انطلاقا من موجات الحر الشديد وغيرها من ظواهر الطقس المتطرفة ومن فاشيات الأمراض المعدية، مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا، وغيرها من الأمراض غير السارية الناجمة عن تلوث البيئة. ويثير ظهور وانتشار فيروس كورونا التساؤلات، بشأن احتمالية وجود علاقة بين الفيروس المستجد والظروف المناخية.

وفي الختام، يمكن القول بأنه لا يوجد اتفاق حول مساهمة تغير المناخ عبر ارتفاع درجات الحرارة في القضاء على فيروس كورونا والحد من انتشاره بشكل نهائي أو بشكل مؤقت خلال فصلي الربيع والصيف ثم يعود في فصل الشتاء.

رغم ذلك، تم التوصل إلى تأثير انتشار الفيروس وتدابير مكافحته إيجابًا في تغير المناخ من خلال مساهمته في تخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون –بسبب تراجع استخدام الوقود الأحفوري- والجسيمات الدقيقة، بجانب مساهمته في تحسين جودة الهواء في الصين عبر تقليل نسبة ثاني أكسيد النيتروجين.

أنّ الظواهر المناخية الحادة غير المتوقعة تؤثر على الفيروسات من حيث انتقالها من التأثير المحدود إلى التأثير الكبير، أنّه لا شك من تأثير التغيرات المناخية على أطوار الكائنات الحية كلها، سواء الإنسان أو الحيوانات والطيور حتى الفيروسات التي تتأثر بتغير درجة الحرارة والبرودة.

ولكن للحديث عن أنّ التغير المناخي هو المتسبب في ظهور وانتشار كورونا المستجد بصفاته الجديدة، ويحتاج لدراسات علمية واختبارات مختبرية للتأكد من الأمر.

الهوامش

 

(1) JA Patz, PR Epstein et al., “Global climate change and emerging infectious diseases,” JAMA Network, 17/1/1996, Vol.275, No.3, pp.217-223.

 

(2) Michael Le Page, “Will the covid-19 coronavirus outbreak die out in the summer’s heat?,” NewScientist, 12/2/2020, available at: https://www.newscientist.com/article/2233249-will-the-covid-19-coronavirus-outbreak-die-out-in-the-summers-heat/.

 

(3) للمزيد انظر: ريم عبدالمجيد، ” عولمة الأمراض المعدية .. كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية،” المركز العربي للبحوث والدراسات، 29/1/2020، متاح على: http://www.acrseg.org/41481.

 

(4) NO2 هو غاز مؤكسد قوي، يخترق بسهولة الرئتين. بتركيزات تزيد عن 200 ميكروجرام/ م 3 على مدى فترات قصيرة، ويسبب تهيج والتهابات في الجهاز التنفسي، ويتفاعل ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء الحضري ويساهم في تكوين الملوثات الأخرى والأوزون والجزيئات الثانوية.

 

(5) Lauri Myllyvirtam “Analysis: Coronavirus has temporarily reduced China’s CO2 emissions by a quarter,” Carbon Brief, 19/2/2020, available at: https://www.carbonbrief.org/analysis-coronavirus-has-temporarily-reduced-chinas-co2-emissions-by-a-quarter.

 

(6)  “Amid Coronavirus outbreak: Copernicus monitors reduction of particulate matter (PM2.5) over China,” Atmosphere monitoring service, 4/3/2020, available at: https://atmosphere.copernicus.eu/amid-coronavirus-outbreak-copernicus-monitors-reduction-particulate-matter-pm25-over-china

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى