اخبار لايتالأخبارالانتاجالصحة و البيئةالمحميات الطبيعيةالمياهبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمتفرقاتمصر

د عاطف كامل: الإتجار غير المشروع في الحياة البريّة وأثرها على منظومة “صحة واحدة”

رئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – كلية الطب البيطرى- جامعة قناة السويس

خبير التنوع البيولوجى ببرناماج الأمم المتحدة للتنميةUNDP

خبير بيئى والتغيرات المناخية بوزارة البيئة

خبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية باليونسكو 

تحتل التجارة غير المشروعة في الأحياء البريّة المرتبة الرابعة بين أكبر الجرائم المحظورة في العالم بعد السلاح والمخدرات والإتجار بالبشر. ودولياً تخضع أنشطة التجارة المشروعة في الأحياء البرّية لأحكام اتفاقية (سايتس) الإتجار الدولي بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للانقراض (CITES)، إلا أنها تهدف بالأساس إلى ضمان عدم تهديد حفظ الحياة البرية المهددة بخطر الإنقراض. ويعمل كلا النوعين من التجارة كمسارات نقل ضخمة، تنقل الأحياء البرية وما ممكن أن تحملة من الإمراض بها إلى حدود أبعد وأوسع انتشاراً، لتكثّف من فرص احتكاكها بالبشر وتزيد كثيراً من فرص انتقالها.

وقد شكلت التجارة غير المشروعة على الأرجح القناة الرئيسية التي انتقلت عبرها الحيوانات المُصابة بعدوى فيروس كورونا لتحتك بالبشر.

فإذا تم التأكيد على أن حيوان البنغولين هو حقاً المُضيف الوسيط بعد الخفافيش، فسيشكل هذا منعطفاً مثيراً للسُخرية، إذ يُعد هذا الحيوان الثديي الأكثر تداولا حول العالم، فجميع فصائله الثماني مُدرجة على القائمة الحمراء للأنواع المُهددة بالانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، ومن بينها ثلاث فصائل ضمن تصنيف الأنواع المُهددة بالانقراض بشكل حرج.

ويتم الإتجار في الأحياء البريّة بهدف الغذاء أو للاستفادة من أعضائها لاستخدامها لأغراض الطب التقليدي أو كحيوانات أليفة للتربية أو وغير ذلك من الأغراض الأخرى. ففي مناطق كثيرة حول العالم، نجد استخدام وتناول الأحياء البرية كطعام ضارباً في جذور ممارساتها الثقافية.

ويتضح أن تعجيل الصين بحظر جميع أنشطة الإتجار في الأحياء البرية كطعام، بهدف تقليص احتكاك البشر بالحياة البرية، هو خطوة أساسية للحيلولة دون ظهور أمراض مُعدية فتاكة مُستجدة أخرى. كما يُعد تحسين ظروف النظافة والصحة العامة إلى جانب السيطرة على السلسلة الكاملة للإتجار المشروع في الأحياء البرّية وتنظيمها من خلال المراقبة الصارمة والتصدى لمحاولات التهريب، وفرض شروط صارمة وآمنة على بيعها وتناولها كطعام، من الركائز الرئيسية أيضاً.

وعادة ما تكون هذه العناصر ضعيفة في الكثير من البلدان، حيث تكون خدمات الطب البيطري للماشية متطورة للغاية، بينما تُعاني ممارسات الرقابة والتفتيش على الحياة البرية من قصور في التطوير والتكامل.

أهمية التنوع البيولوجى الإفراط في الاقتراب من الحياة البرية – تدهور الموائل

يمنحنا التنوّع البيولوجي خدمة أساسية يغفل عنها الكثير منّا وهي: السيطرة على الأمراض. يعمل التنوّع البيولوجي الطبيعي على تقييد فرص التعرّض للعديد من عوامل الإمراض والحد من آثارها عن طريق التخفيف أو التحجيم، لتقليل فرص انتقال عوامل الإمراض إلى البشر إلى أدنى مستوياتها.

ويشكل كل من تجريف الغابات وتغيير استخدام الأراضي وتفتيت الموائل والزحف العمراني والنمو السريع لتعداد السكان، نماذج للعوامل البيئية والسلوكية والاجتماعية الاقتصادية المؤثرة في تضخيم فرص تعرّض البشر ومضاعفة فرص الإصابة بالعدوى.

كما يعد تغير المناخ من العوامل الرئيسية الإضافية المعروفة بمساهمتها في ظهور الأمراض المُعدية المُستجدة، حيث يتيح فرصاً جديدة لظهور عوامل الإمراض، وتعجيل ظهور فصائل غازية وتوسيع نطاق التواجد الطبيعي للفصائل من خلال تغير المناخ والإحتباس الحرارى.

إن الأنشطة البشرية تعمل على تقليص تأثير التخفيف الذي يوفره التنوع البيولوجي والمنظومات الإيكولوجية، مسببة زيادة خطر ظهور الجائحة التالية.

وتساهم جميع تلك العوامل في تمكين الباحثين من تحديد بؤر أخطار الأمراض المُعدية المُستجدة حيوانية المنشأ، حيث تظهر النتائج ارتفاع حدة ذلك الخطر في مناطق الغابات الاستوائية المعرضة لتغيرات في استخدام الأراضي والمُتميّزة بكثافة مرتفعة من التنوّع البيولوجي (غنية بفصائل الثدييات).

وتعد الصين وجنوب شرق آسيا من البؤر المعروفة أيضاً. لذا، فقد أصبحت مواجهة وإيقاف هذه الأنشطة البشرية المتزايدة قضية عالمية أكثر أهمية من ذي قبل، بالنسبة للصحة العامة للبشروللحيوان أيضاً.

منهج صحة واحدة One Health (علاقة الترابط بين صحة البشر والحيوانات)

فى الوقت الذى يوجة العالم النصيب الأكبر من الاهتمام بالأمراض المُعدية المُستجدة والإنفاق عليها نحو الجانب البشري من المعادلة (الاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ والصحة العامة)، ينبغي أيضاً توجية المزيد من الاهتمام لردع العوامل الرئيسية المُسببة لظهور تلك الأمراض المُعدية المُستجدة في المقام الأول. وتقر منظومة “صحة واحدة” بعلاقة الترابط بين صحة البشر والحيوانات، ومدى ارتباطها بصحة المنظومتين البيئيتين اللتين يعيشان فيهما .

ويمنحنا الإعلان الذي صدر مؤخراً عن البنك الدولي بتخصيص مبلغ 14 مليار دولار لمساعدة البلدان على مواجهة تهديد فيروس كورونا، فرصة لبناء حزمة إجراءات شاملة تراعي صحة كل من البشر والحيوانات البرية والبيئة. وتشكل الصحة البيئية الحلقة الأضعف في هذه السلسلة. وينبغي لنا، كممارسين في مجال التنمية، أن نُشرك وزارات البيئة والموارد الطبيعية، وإدارات الحياة البرية والمؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بشكل فعال ، ومناقشة الثغرات التي تعاني منها الرقابة على صحة الحياة البرية وظهور الأمراض، وضوابط الإتجارفي الأحياء البرية، ولوائح النظافة العامة، وسياسات وممارسات الإتجار في الأحياء البرية، والإعلان الفعال عن المخاطر التى تصاحب التعامل مع تلك الحيوانات البرية.

وفي ظل استمرار انتشار فيروس كورونا المُستجد، يصبح الترويج للصحة البيئية باعتبارها عنصراً رئيسياً وهاماً لصحتنا، والتوعية بالأنشطة التي تحول دون فرص احتكاك البشر بالحياة البرية، أكثر إلحاحاً وضرورياً من ذي قبل.  ويبدأ تأثير حيوان البنغولين التالي بالقضاء على هذة التجارة غير المشروعة في الأحياء البرية، وتحسين اللوائح المنظمة لأنشطة التجارة المشروعة، وتعزيز جهود حماية التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية، والاستمرار في توفير خدمات قوية للمنظومة البيئية. فالفرصة السانحة لنا مفتوحة على مصراعيها لكنها قصيرة الأجل أيضاً.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى