الأخبارالصحة و البيئةامراضبحوث ومنظماتصحةمصر

د إسماعيل عبد الجليل يكتب : هل تمنح كورونا ” قبله الحياه ” لمراكز بحوثنا الزراعيه  ؟

مراجعه الذات هى ابرز فضائل فيروس كورونا على سكان الارض حينما ايقظ الشعوب على حقائق خافيه لم يكن كشفها متاحا دون حاله الفزع التى مارس بها سطوته حتى يكشف المستور من هشاشه نظم اداره الازمات الطارئه من امريكا العظمى وحلفاءها حتى الدول الناميه واتباعها !!

ومن ابرز ماكشفه الفيروس القاتل بعد فجوه الامن الطبى هو فجوه الامن الغذائى !!

الدول المصدره للغذاء تمنتع عن تصديره لسد احتياجاتها والدول المستورده لا تجد من يبيع لها ولو بأسعار باهظه لتفادى مخاطر نفاذ ارصدتها من مخزون السلع الضروريه كحالنا فى القمح والفول والذره والزيوت وغيرها .

من هنا فأننى كغيرى من الزراعيين ندين بالفضل ” للفيروس اللعين ” لكونه ايقظ حكومتنا على اهميه تحقيق الاكتفاء الذاتى- ماامكن – من ارضنا الطيبه مهد الزراعه فى العالم منذ عشره الاف سنه . واهتدى القائمون على الدراسات والخطط العاجله للنهوض بالقطاع الذى اصابه التجاهل والاهمال من حكومات متعاقبه الى اهميه البحوث الزراعيه كمنهج لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتى ماامكن !!!.

تناول امس الاخ العزيز أ.د ماهر والى بصفته مزارعا وخبيرا قبل ان يكون عميدا سابقا لكليه زراعه الازهر أحد اسباب قضيه تدهور البحث العلمى الزراعى وهى خفض الموازنات السنويه للمراكز البحثيه منذ عام 2004 بنسبه تجاوزت اكثر من 75 % من سابقها فى التسعينات بالرغم مما تحقق اثناءها  من تضاعف لأنتاجيه المحاصيل الرئيسيه لعده مرات بفضل منظومه البحوث والارشاد والحملات القوميه .

خفض الموازنات لمركزى البحوث الزراعيه والصحراء كان بزعم ترشيد الانفاق وهو مبرر ظاهره الرحمه وباطنه الافتراء !!

لماذا ؟

لأن الترشيد فى ارجاء العالم يتم وفقا لجدول زمنى يعيد ترتيب الاولويات ونسب الخفض لكل منها بحيث لا تضار الانشطه البحثيه بما يشبه جلطه دمويه مفاجئه تعطل مسار ضخ الدم من الشرايين الى القلب حتى لايتوقف عن العمل تماما !!

هذا ماحدث معى اثناء رئاستى لمركز بحوث الصحراء حينما اصابنى الخفض المفاجئ العشوائى اثناء بناء محطه بالوظه بسيناء على مساحه 500 فدانا فتحولت الانشاءات بعد توقف العمل المفاجئ الى اطلال وتآكل الخرسانه والجدران !! واصبح المسمى الحقيقى للترشيد هو التخريب والاهدار للملايين التى انفقت دون عائد !! ولازال هو حالها حتى الان بالرغم من انقضاء 15 سنه !!!.

الطريف ان الجكومه تقوم عاده بخفض مخصصات باب الاستثمار والمشروعات الذى ينفق منه عاده على شراء الاجهزه والكيماويات وكل ادوات البحث والعمل بينما لا تقوى على المساس ببنود الاجور والمرتبات والحوافز وهو مايعنى انها تطالب الباحثين بالنوم فى المعامل وعلى المكاتب لعدم توفر ادوات البحث ومناخه !!

هذا هو الواقع الحالى بالكثير من مراكزنا البحثيه بالرغم من ظاهره شهادات ” الايزو المستحدثه ” !! وبالرغم من استثناءات المشروعات البحثيه المموله من اكاديميه البحث العلمى وبعض جهات التمويل الدوليه التى تحقق عاده انجازات غير مأمونه الاستدامه بعد توقف التمويل الخارجى لها والامثله يصعب حصرها !!.

الاكثر طرافه مما سبق ان الحكومه الذكيه اوقفت منذ التسعينات تعيين كوادر شابه بمركزى البحوث الزراعيه والصحراء وكليات الزراعه وغيرها بزعم خفض عبء بنود الاجور فى موازنه الدوله المثقله ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادى !! دون تمييز بين الوظائف الاداريه والبحثيه !!

أنتهى الحال بنا الى واقع الهرم المقلوب حاليا بمراكز البحوث حيث يمثل الاساتذه المتفرغين وغيرهم اكثر من 75 % من القوه العامله !!

بينما يعمل معظم شباب الباحثين بعقود مؤقته وتحت ظروف طارده للبحث العلمى والابداع والابتكار !! فماذا نتوقع منهم وقد اسئنا الاعداد الواجب لهم  ؟؟

وماذا نتوقع بعد ان أصبنا مؤسساتنا البحثيه بالشيخوخه مع سبق الاصرار والترصد ومنعنا التواصل الواجب لأجيالها ؟؟

جرائم تستحق المساءله من الدوله لهؤلاء الذين خططوا لها وهم يعلمون ان صناعه كادر بحثى شاب تستغرق ثمانيه اعوام على الاقل حتى يصبح مؤهلا لبدء مسيرته العمليه وهو مايعنى انهم سرقوا من عمر مؤسساتنا البحثيه الزراعيه سنوات طويله يصعب تعويضها الان .. لماذا ؟ لأنهم يجهلون “الطبيعه التراكميه ” للبحث العلمى الذى تتراكم به المعرفه عبر سنوات لا يمكن استعواضها بأستذكار الدروس ليله الامتحان !!.

ان “ام الكوارث” فى بلدنا الاشد فتكا من كورونا على مستقبل الزراعه هى عدم اقتناع الكثيرين من مسئولى الحكومه وفى مقدمتهم وزراء الماليه والتخطيط بالجدوى الاقتصاديه للبحوث الزراعيه بالرغم من حقيقه ان استثمار جنيها واحدا فى البحوث الزراعيه يحقق عائدا يفوق خمس وعشرين ضعف قيمته !!

الامثله يصعب حصرها ومنها ماتوصل اليه خبراء مركز البحوث الزراعيه من ممارسات حقليه وفرت 25 % من تقاوى القمح وتقنيات رى وفرت 20 % من مياه الرى واستنباط اصناف ارز قصيره العمر و..و..و.. كم تعادل القيمه النقديه لتلك البحوث التطبيقيه فى زياده الانتاج وترشيد استخدام الموارد ؟؟؟

فهل تمنح كورونا ” قبله الحياه ” لمراكز بحوثنا الزراعيه  ؟

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى