الأخبارحوارات و مقالاتمصر

د.اسماعيل عبد الجليل يكتب فى عيد الفلاح : قبل أن«تقع الفأس فى الرأس» .. مغزى إعتزال « فرج » !

>>لضمان إستقرار مهنة «الفلاحة» يجب تحويلها إلي مهنة الحفاظ علي الحياة

استغرق منى البحث عن « فرج » اكثر من اسبوعين لتكليفه بأجراء بعض عمليات الاكثار والتطعيم لأشجار بمزرعه بالنوباريه وكان اصرارى على ” فرج ” مصدره الاحترافيه التى يتمتع بها عن غيره والتى منحته فى السوق لقب ” الدكتور ” .

واخيرا عثرت بالأمس على ضالتى ليصدمنى بما لم اتوقعه وهو اعتزاله المهنه وامتهانه اخرى كبواب عماره فخمه على حد وصفه بالأسكندريه !!

لم استسلم لأعتذار «فرج» خشيه ان يكون مبرره سببا او آخر غير انشغاله بعمله الحالى . نفى تماما اى مبرر آخرلأعتزاله حرفه الزراعه سوى انها صارت مهنه ” ماتأكلش عيش ” و” لا تفتح بيت ” واسهب الرجل فى شرح مبرراته بحسره عن غلاء المعيشه وخجله من تقصيره فى مساعده اولاده والى آخره من هموم الحياه الحاليه التى لايمكن مواجهه تحدياتها بالدخل الموسمى المتواضع لحرفه الزراعه !! بينما يتمتع حاليا براتب كبير مستقر مضافا اليه اكراميات السكان وغسيل السيارات وغيرها الكثير من المزايا الجانبيه .

أعتزال فرج وغيره الكثيرين حرفه الزراعه وامتهانهم حرف هامشيه فى المدن بعد هجره القرى لم يحظى بعد بالدراسه والتحليل لأسباب الظاهره المتزايده ومغزاها منذ سنوات طويله كنا نحتفل خلالها بعيد الفلاح بالثرثره الفضائيه عن النعم والنعيم الذى يعيشه الفلاح ولم يفكر احد من هؤلاء الذين يثرثون فى الفضائيات فى احترام عقليه مشاهديه ببراهين او مؤشرات تؤكد مصداقيته عن فلاح يتقزم بدنه ويتضاءل دخله وتنكمش ارضه و..و.. الى آخره من وصف واقعه الحالى !!.

هذا هو التحدى الكبير السائد حاليا فى مصر وهو افتقادنا معايير ومؤشرات قياس لرصد الظواهر مبكرا قبل ان ” يقع الفاس فى الراس ” كما يقولون ..اى قبل تحولها الى امراض خبيثه سرطانيه يصعب علاجها والامثله يصعب حصرها من كثره الوقائع والمشاهد الحزينه التى نعاصرها حاليا و كان يمكن تفاديها بالرصد المبكر لأسبابها . لو التزمنا بأحوزه القرى المرصوده بالتصوير الجوى والموقعه على حوالى 26 الف خريطه عام 1984 ما وصل بنا الحال الى الواقع الحالى بالقرى ولأمكننا ايجاد الحلول والسياسات والبدائل .

لكن الاخطر من افتقادنا معايير الرصد المبكر للظواهر الاقتصاديه والاجنماعيه هو اسلوب صياغتنا للمؤاشرات وانتقاءنا لها بالهوى والامثله عديده كان اعجبها اتخاذ احد قيادات الحزب الوطنى سابقا تراكم كميات مخلفات القمامه فى شوارعنا كمؤشر للرفاهيه وتحسن الاحوال المعيشيه والاقتصاديه للمواطنين !! وهو مااراه شبيها لأتخاذنا حاليا مؤشر زياده صادراتنا الزراعيه ( بالرغم من تواضع القيمه ) كدليل على تحسن حال قطاع الزراعه والفلاحين وهو مايخالف الحقيقه الشاهد عليها كل من يعمل بقطاع الزراعه ويخالف ايضا المؤشرالعالمى الاكثر اهميه وهو المستوى الاجتماعى والاقتصادى للمزارع الصغير

الارتقاء بالمزارع الصغيروتحسين احواله المعيشيه والمهنيه هو ترمومتر قياس قوه المجمعات الريفيه التى يخرج منها ابناء الطبقه الوسطى من العلماء والفنانين والحرفيين وغيرهم وهو سر نهوض اقتصاد اليابان الصناعى الذى يستمد كوادره من المجتمعات الريفيه الحافله بالحيازات الصغيره للمزارعين .

من هنا اوصت لجنه التنميه المستدامه بالأم المتحده فى اجتماعها السابع عشر عام 2009 بضروره دعم الفلاح المنتج الصغير بمفهوم جديد لحرفه الزراعه ومسمى جديد لممارسها فماهو المفهوم الغائب عنا حتى الان فى علاقه سياستنا بالفلاح ؟؟

المفهوم الجديد هو ناتج دراسات علميه عديده انتهت الى الى ان وظيفه حرفه الزراعه لم تعد تقتصر على انتاج الغذاء واشباع احتياجات البطون بل تجاوزت تلك الوظيفه الى الحفاظ على حياه الكون من الفناء واستدامه الحياه لدورها فى امتصاص اكثر من 30 % من غازات الاحتباس الاحترارى المسئوله عن ارتفاع درجه حراره الارض وغيرها من مظاهر التغيرات المناخيه المسببه للكوارث الطبيعيه التى نعاصرها من السيول والفيضانات وحرائق الغابات وغيرها .

من هنا استحق الفلاح المسمى الجديد له وهو ” مانح الحياه ” Ecosystem Provider لأن غيابه واعتزاله الحرفه مثل ” فرج ” وغيره بمصر والعالم سوف يحرم الكون من عبئ  التخلص من  30 -40 % من الغازات الدفيئه . لذا اوصت لجنه الامم المتحده بمنح فلاحى العالم حافزا ودعما ماليا يطلق عليه Ecosystem Service Payment  مقابل أستبقاءهم فى ممارسه الحرفه.

اننى ادعو الحكومه وخبراء الزراعه الى تحليل اسباب ظاهره اعتزال الفلاح المصرى المهنه التى ابتكرها للعالم منذ عشره الاف عاما وآثارها السلبيه الخطيره قبل ان ” يقع الفاس فى الرأس ” !!!.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى