الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د فوزي أبودنيا يكتب: هل يمكن الوصول الى صفر انبعاثات مع تقليل استهلاك اللحوم؟

>>تركز مناهج الكفاءة المتزايدة على تحسين جودة الأعلاف أو التحسينات الجينية أو كليهما معًا للمساعدة في عملية الهضم ورفع معدلات زيادة الوزن

 المدير السابق لمعهد بحوث الإنتاج الحيواني – مركز البحوث الزراعية – مصر

استمرارا للمقالة السابقة عن محاور خفض انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن إنتاج لحوم الأبقار فإن الحديث مازال مستمرا عن الإستراتيجيات التي يمكن نهجها لتقليل انبعاث الغازات.

فمن نتائج بعض الدراسات التي أجريت على تقليل الانبعاثات وجد أن المواقع التي تستخدم إستراتيجيات إدارة احتجاز الكربون في الأراضي المروية حققت انخفاضًا بنسبة 46% في صافي انبعاثات الغازات الدفيئة لكل وحدة من لحوم الماشية المنتجة، في حين وجد أن المواقع التي اعتمدت على إستراتيجيات كفاءة النمو حدث انخفاضًا بنسبة 8%.

في ذات الوقت بينت المقارنة أن الإستراتيجيات القائمة على تطوير وتحسين إدارة الأراضي الرعوية تميل بشكل أكبر إلى احتجاز الكربون في التربة والنبات، بحيث يشمل ذلك زراعة الأشجار وإضافة السماد العضوي الغني بالكربون، وإحداث تغييرات في التسميد لزيادة نمو النبات، وتقليل انبعاثات أكسيد النيتروز، أو القيام بالأمرين معًا.

إلا أنه في عدد قليل من أنظمة الرعي في الولايات المتحدة فقد قللت إستراتيجيات احتجاز الكربون من الانبعاثات الدفيئة لإنتاج لحوم الأبقار، بنسبة تزيد على 100%، نظرًا لوجود “العديد من البرامج الكبرى التي تروج لاحتجاز الكربون في الأراضي الرعوية لا سيما في الغرب الأمريكي، في حين لاحظت دراسات أخرى أن إستراتيجيات كفاءة النمو لم تنجح في الحد من تقليل الانبعاثات واحتجاز الكربون، وربما يعزى ذلك “بسبب الكفاءة المرجعية العالية في المنطقة”.

وبالنظر إلى دور التربة في التخفيف من حدة تغير المناخ وإنتاج الغذاء المستدام نتيجة عزل الكربون في التربة الذي يمكن تحقيقه في ظل إستراتيجيات إدارة المراعي المحسنة كان هناك لتبايُن موجود على أرض الواقع إزاء استجابة التربة للكربون، بل وجهت أيضًا صعوبة قياس تغيُّر الكربون في التربة.

إلا إن أنظمة إنتاج اللحوم من الأبقار تم تحسينها بالفعل من حيث كثافة الغازات الدفيئة لكل وحدة من وحدات اللحوم المنتجة، في دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، مما تحقق عنه مكاسب كبيرة في الكفاءة في بلدان مثل البرازيل أيضًا.

البرازيل أحد النماذج المحققة

تقدم البرازيل نموذجًا نوعيا وواعدا لجهود الاستدامة جنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة في الولايات المتحدة. فحيث يوجد أكثر من 52 مليون هكتار من أراضي المراعي التي حدث لها تدهور كبير.

هذا وقد كشف تحليل الدراسات المتعلقة بهذا البلد، عن نسبة انخفاض بلغت 57% في انبعاثات الغازات الدفيئة. ففي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على لحوم الأبقار في البرازيل، كما في بقية أمريكا اللاتينية، مهددًا الغابات، فإن هذا الأمر حفز الاهتمام العلمي والحكومي بالممارسات التي تزيد من الاستخدام المستدام لأراضي الرعي.

تحققت الزيادات المتوقعة في إنتاجية لحوم البقر البرازيلية وصادراتها دون توسع في الأراضي، حيث إن النظم البيئية الطبيعية مثل غابات الأمازون والسافانا البرازيلية ستظل بحاجة إلى حماية أقوى بسبب النمو المتوقع في الطلب العالمي.

وفى الواقع فإن خفض الانبعاثات إلى أكثر من النصف، يجب أن يصاحبه تجديد المراعي ودفعها إلى زيادة مخزون الكربون في التربة من خلال نمو الجذور وتراكم المواد العضوية، ويمكن أيضًا أن يؤدي دمج الأشجار في النظام إلى احتجاز الكربون، مما يقلل من فقدان ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

فإذا استطعنا تجديد المراعي المتدهورة على نطاق واسع، واعتماد نظم التكثيف الزراعي القائم على الزراعات المختلطة بالغابات والمراعي، سيتمكن البرازيل من خفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.

إلا أن وجود إستراتيجيات للإدارات المحلية المتنوعة يتعين معها إجراء اختبارات للنظم المختلفة، لأن البرازيل تضم أنواعًا عديدة من النظم البيئية.

وغالبًا ما تركز مناهج الكفاءة المتزايدة على تحسين جودة الأعلاف أو التحسينات الجينية أو كليهما معًا للمساعدة في عملية الهضم ورفع معدلات زيادة الوزن مع تقليل الانبعاث المعوي للميثان لكل وحدة منتجة من لحوم الأبقار، وفى الحقيقة فقد نجحت البرازيل في تحسين اختيار السلالات وجودة الأعلاف وإدارة الأسمدة المتضمنة في إستراتيجيات الإدارة المحسَّنة لاحتجاز الكربون وكفاءة الإنتاج.

هل يلعب خفض إستهلاك اللحوم الحمراء دورا ذات جدوى؟

يعتبر خفض استهلاك اللحوم من بين المقترحات وتوصيات الدراسات التي ترى أن هذا الطريق يمكن أن يدفع إلى إنتاج لحوم الأبقار (اللحوم الحمراء) مع تقليل وجود الانبعاثات الضارة للمناخ وهو ما يطلق عليه نظام “المحايدة للكربون” ويطلق على نُظم الإنتاج التي تحتجز الغازات الدفيئة.

وفى الحقيقة لم يتحقق أي إنتاج للحوم الحمراء خالٍ تمامًا من الانبعاثات سوى في 2%، وذلك من نتائج الدراسات التي تمت في هذا الشأن، إذ يندر أن تؤدي الممارسات الحالية التي تغطيها البحوث العلمية، إلى الحد نهائيًّا من الانبعاثات، لذلك فإن “اعتقاد أن الطلب على لحوم البقر يمكن أن يواصل الارتفاع كما هو عليه الآن بالاعتماد كليةً على إستراتيجيات إدارة الأراضي لخفض الانبعاثات الدفيئة هو اعتقاد غير واقعي”.

هناك بعض نتائج الدراسات، المتصلة ببعض إستراتيجيات إدارة الرعي، كإستراتيجية الرعي الدوراني المكثف، “التي يتم الترويج لها على نطاق واسع لخفضها الكبير كثافة الغازات الدفيئة لكل وحدة إنتاج، ولكن نظرًا للحاجة إلى المزيد من الأراضي للحفاظ على المستوى نفسه من إنتاج اللحوم الحمراء، فإن الانبعاثات الصادرة من كل وحدة من وحدات الأراضي ظلت دون تغيير”.

وفى الحقيقة أن هناك حاجة إلى التركيز على طرق تنفيذ الإستراتيجيات التي ثبتت مزاياها وغيرها في المناطق التي يمكن أن يكون لها أكبر تأثير على خفض الانبعاثات لإنتاج وحدة لحوم حمراء، كذلك النظر في تقليل استهلاك اللحوم الحمراء وتحسينها لجعلها أكثر استدامةً هو “أمر بالغ الأهمية أيضًا”.

ومن الجدير بالذكر فإن بعض الدراسات في أكثر من مناسبة قد أوردت ضرورة خفض الطلب على لحوم البقر، وإلا فإن تقليل انبعاث الغازات الدفيئة في إنتاج لحوم الأبقار لن يُحدث فرقًا كبيرًا إذا استمرت اتجاهات زيادة الاستهلاك.

وللعلم فإنه وفقا للدراسات المطبقة في هذا الصدد، فإن تحقيق مستقبل غذائي مستدام يعتمد على تبنِّي مجموعة واسعة من الحلول، يأتي من ضمنها تحديد فجوات الابتكار واختبار التقنيات الناشئة وتحديث نماذج الأعمال والحوكمة. كما أن من ضمن حزمة الحلول المقترحة التكاملُ بين أصحاب المزارع والسياسات الحكومية التحفيزية لمربي ومنتجي لحوم الأبقار، وكذلك التكاملُ بين العلوم والمجتمع، مع مواصلة العلماء البحث حول كيفية تحسين إدارة الأراضي.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى