الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

 مصطفي رأفت يكتب: البيولوجيا الاصطناعية وبرمجة الحياة … ما هي والي اين؟

>>البيولوجيا الاصطناعية هي علم يهدف الى تكوين أجزاء او انظمة بيولوجيا جديدة، او إعادة تنسيق انظمة موجودة بالفعل في الطبيعة وذلك لخدمة أغراض بحثية وصناعية

وحدة بحوث الجينوم- معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر

هل من الممكن برمجة الحياة؟

سؤال طرحه علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على أنفسهم ليفتح المجال لعلم جديد يجمع بين الحوٌسبة وعلم الأحياء. تخيل إمكانية صناعة كائنات حية من خلال الضغط على زر الحاسوب.

قد تعتقد ان هذا جزء او مشهد من فيلم خيال علمي ولكن هذه الجملة أصبحت أقرب الي الواقع من الخيال.

في عام 2002 تمكن علماء من جامعة نيويورك، الولايات المتحدة من تصنيع اول فيروس كامل داخل المعمل باستخدام معدات كيميائية فقط. يليها في عام 2008، صناعة اول خلية بكتيرية حية عن طريق علماء من معهد كريج فينتر.

وحديثا في عام 2017 استطاع بعض العلماء من تكوين جزء من الحامض النووي للخميرة.

يستند كل هؤلاء العلماء على منطلق علمي جديد يدمج بين البيولوجيا والهندسة وعلم الحوسبة، والذي يسمى بالبيولوجيا الاصطناعية او البيولوجيا التركيبية.

البيولوجيا الاصطناعية هي علم يهدف الى تكوين أجزاء او انظمة بيولوجيا جديدة، او إعادة تنسيق انظمة موجودة بالفعل في الطبيعة وذلك لخدمة أغراض بحثية وصناعية.

في حين ان معظم العلوم البيولوجية تعتمد على نهج تحويل المركبات المعقدة الى ابسط الصور لفهم تكوينها، فإن البيولوجية التركيبية تعتمد على النهج المعاكس عن طريق تركيب أجزاء صغيرة معا وملاحظة النتائج المترتبة عنها وهذا من منطلق مقولة العالم الفيزيائي ريتشارد فاينمان بإنه ” ما لا يمكن تركيبه لا يمكن فهمه”.

هذا النهج خلق ما يسمى ب ال “bio-bricks” وهي عبارة عن أجزاء من الحمض النووي مثل الجينات او أماكن تلاحم الريبوزومات. تعمل ال“bio-bricks” كأجزاء الدائرة الكهربائية حيث يتم تجميعها معا حتى تعطي ناتج يعبر عن صلاحية الدائرة الجينية.

تعتمد البيولوجية الاصطناعية على كثير من العلوم الحديثة مثل التكنولوجيا الحيوية والجزيئية والهندسة الوراثية والأنظمة البيولوجية في تصنيع وتصميم نظم وأجزاء بيولوجية جديدة تساعد في كثير من التطبيقات الطبية والصناعية والبحثية.

وعلى هذا فإنه يوجد أكثر من توجه بحثي داخل علم البيولوجيا الاصطناعية حيث يقوم بعض العلماء بتعميق الفهم الخاص ب “bio-bricks ” وإيجاد أفضل الطرق لدراساتها وتركيبها، كما تم انشاء قاعدة بينات خاصة بها.

بينما تقوم مجموعة أخرى من العلماء مثل مجموعة كريج فينتر بتبسيط النظم البيولوجية عن طريق تقليل عدد الجينات الموجودة بخلايا الحية لأقل عدد مطلوب لإبقائها على قيد الحياة وبذلك يعطي فرصة لإدخال جينات جديدة تقوم بمهام أخرى. كما تبحث مجموعات علمية أخرى لخلق كائنات حية تعتمد على تركيب جيني مختلف عن الطبيعي وذلك بالبحث في إمكانية استخدام حامض نووي يعتمد في تكوينه على ستة قواعد نيتروجينية بدلا من أربع وذلك لتجنب تأثير هذه الجينات المستحدثة على النظام البيئي الطبيعي.

مع التوسع الكبير لقواعد البينات الخاصة بالجينات والجينوم الخاص بكثير من الكائنات الحية، أصبح من سهل الإجابة على سؤال معهد ماساتشوستس.

فإمكانية الولوج الي هذه المعلومات واستخدام تكنولوجيا تركيب الحامض النووي صار من اليسير تكوين أي مجموعة من الدوائر الجينية المرغوب بها.

و مع الزيادة في التقدم التكنولوجي الخاص بالتسلسل الجيني و توفر لغات البرمجة للجميع ، سيعطي توسع اكبر لعلم البيولوجيا الاصطناعية.

للبيولوجيا الاصطناعية الكثير من التطبيقات في مختلف المجالات والتي تتنوع بين الطبية والدوائية والصناعية والبيئية. من اهم هذه التطبيقات هي الحواسيب البيولوجية، عن طريق استخدام دوائر جينية مشابها للدوائر المنطقية الخاصة بالحاسوب وبذلك تتيح تسجيل البينات و امكانية استرجعها بسهولة.

كما يمكن أيضا برمجة بعض الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والخميرة لتعمل كمجس للكشف عن العناصر البيئية او البيولوجية المهمة مثل المخلفات البترولية في البحار.

تستخدم بيولوجيا الاصطناعية تكنولوجيا انتاج البروتين خارج الخلية لإنتاج البروتينات ذو التأثير المضر على الخلية كما  يمكن تحفيزها لإنتاج كميات كبيرة من البروتينات المختلفة في نفس الوقت.

ومما يجعل هذا العلم محض اهتمام، هو إمكانية استخدامه لمواد غير موجودة بالطبيعة ، مثل اهتمام ناسا باستخدام البيولوجية الاصطناعية في تكوين خلايا ومنصات بيولوجيا تستفيد من الموارد الموجودة على كوكب مثل المريخ لإنتاج موارد لرواد الفضاء.

نتيجة لسهولة استخدام التكنولوجيا المقدمة عن طريق البيولوجيا الاصطناعية خارج المعمل وسهوله الوصول اليها- خاصة مع وجود الكثير من الشركات المصنعة لمنتجاتها-، ُولد الكثير من التخوف من استخدامها في تصنيع الأسلحة البيولوجية وهو عادة ما يحدث مع كثير من العلوم الحديثة.

وعليه، يقوم علماء البيولوجيا الاصطناعية بوضع الأسس والقواعد الأخلاقية التي يجب اتباعها عند استخدام هذه التكنولوجيا. فعند النظر الي ما قد يقدمه علم الاحياء التركيبية نجد ان الاستفادة قد تفوق الضرر خاصة مع الرقابة الجيدة والممارسة الحكيمة للعلم.

وكنوع من الدور المجتمعي والتعريف بالاستخدام الصحيح لتكنولوجيا البيولوجيا الاصطناعية، تقوم شركة “IGEM” – وهي شركة ناشئة داخل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- بتنظيم مسابقة سنوية لطلبة الجامعات و المدارس الثانوية.

تهتم المسابقة باشراك الطلاب في بحث يعتمد على التكنولوجيا الخاصة بالعلم و بالتالي التعريف الصحيح بالأسس الأخلاقية له .  يوجد الكثير مما قد يقدمه لنا علم الاحياء البيولوجية من نظم حديثة تساعد في القضاء على المشاكل البيئية والصحية. ومع التطور التكنولوجي سوف يصبح من السهل تطوير منصات حيوية تساعد في تصنيع كثير من المنتجات الطبية والصحية التي لا يمكن تصنيعها كيمائيا.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى