الأخبارالانتاجالصحة و البيئةالمبيداتالمناخمصر

د مصطفي عبدالستار يكتب: كيف تؤثر التغيرات المناخية علي تداول المبيدات ؟

لجنة مبيدات الآفات الزراعية – وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضي – مصر

تؤثر التغيرات المناخية على جميع عناصر ومناحي الحياة على كوكب الأرض، كما تتأثر بمختلف الأنشطة الإنسانية والمدخلات الحياتية في منظومة تبادلية. وتعد التغيرات المناخية أخطر التحديات التي يواجهها سكان الكرة الأرضية حالياً.

يقصد بالتغيرات المناخية “التحولات طويلة الأجل في أنماط الطقس المختلفة بسبب الظروف الطبيعية الناجمة عن التغيرات في الدورة الشمسية وبسبب الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الاحفوري والنفط والغاز والتي تنتج الغازات الدفينه (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان)”.

تعمل الغازات الدفينه كغطاء يلتف حول الكرة الأرضية مما يؤدي لحبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.

يستتبع ذلك زيادة شدة حالات الجفاف والتصحر والحرائق والعواصف الكارثية فضلاً عن زيادة ملوحة التربة والمياه الجوفية وبالتالي إنخفاض خصوبة الأراضي الزراعية وقدرتها الأنتاجية. كما تسبب تدهور التنوع البيولوجي وندرة الموارد المائية العذبة وذوبان الجليد وإرتفاع مستويات مياة البحار وغرق مناطق من السواحل.

التغيرات المناخية ونمو النباتات وإستخدام المبيدات

تؤثر التغيرات المناخية بدرجة كبيرة على جميع مراحل نمو النباتات بدءاً من الإنبات وحتى إكتمال النمو والإثمار. تعتبر التغيرات المناخية المحدد الرئيسي لتوزيع وإنتشار المحاصيل الزراعية على سطح الأرض.

تسبب تلك التغيرات تداخل فصول السنة وحدوث الظواهر المناخية الحادة مثل شدة الرياح وزيادة معدلات سقوط الأمطار وكمياتها وإختلاف درجات الحرارة بين شدة الحرارة صيفاً وشدة البرودة شتاءاً.

يتسبب عن التغير المناخي تغير واضح في مواعيد الزراعة المتعارف عليها سابقاً وقد تؤدي تلك التغيرات إلى هجرة مجتمعات بشرية وحيوانية بسبب تدهور الأراضي الزراعية والجفاف الطويل والمجاعه.

الحرارة وتداول المبيدات ونمو النباتات

تعد درجة الحرارة أهم العوامل المحددة لنمو النباتات حيث أن درجة حرارة النبات غير ثابتة وتتغير مع تغير درجة حرارة المحيط حول النبات. مع إرتفاع درجة الحرارة المحيطة يزداد إجهاد النبات ويحدث إختلال في عملية البناء الضوئي والتنفس مما يسبب نقص المكونات النشطة البروتينية للبروتوبلازم وتراكم المواد السامة، مع زيادة نفاذية الأنسجة وتلف الكلورفيل وتثبيط النمو.

تسبب درجات الحرارة المرتفعة زيادة إستهلاك المياه للحاجه لزيادة عدد مرات الري للحفاظ على رطوبة التربة، وقد يؤدي ارتفاع درجة الحرارة المحيطة إلى كسر صفات التحمل في بعض الأصناف النباتية.

إنخفاض درجة الحرارة عن الحدود المناسبة للنبات يؤدي لتغير الوسط الداخلي وإضطراب العمليات البيوكيميائية في الخلايا (تثبط تكون الغذاء وإنتقاله وتفكك البروتين وتثبط نشاط الإنزيمات).

إنخفاض درجة الحرارة حتى البرودة ويعرف بإجهاد البرودة يؤثر بشدة على العديد من العمليات الفسيولوجية مثل إمتصاص الماء والعناصر الغذائية والتمثيل الضوئي الكلي والتنفس ويؤدي إلى بطء النمو وإصفرار أوراق النبات والذبول.

الصقيع والمبيدات والتغيرات المناخية

كما يسبب الصقيع اسوداد السيقان وموت الأنسجة وتلف وتقطع مسارات تدفق المغذيات والمياه في الأفرع والأغصان الصغيرة ودخول النبات في حالة السكون البيئي.

تلعب الرطوبة الجوية دوراً كبيرة في سرعة العمليات الفسيولوجية داخل النبات بسبب تأثيرها على معدل سرعة النتح.

تحد الرطوبة المنخفضة من نمو بعض أنواع أو أصناف النباتات بينما تحتاج أنواع وأصناف أخرى لرطوبة جوية مرتفعة. يزداد معدل النتح مع قلة الرطوبة الجوية مما قد ينتج عنه تساقط الأزهار.

لشدة الضوء دور أساسي في تكوين الكلورفيل اللازم لعملية البناء الضوئي وتكوين الهرمونات اللازمة للتزهير والكربوهيدرات المكونة للصبغات الملونة للثمار. وللتأقيت الضوئي (تأثير طول فترة النهار) علاقة وثيقة بعملية تخزين الغذاء داخل النبات.

الرياح من العوامل المناخية التي لها تأثير واضح على المزروعات خاصة المحاصيل البستانية المكشوفة حيث تزيد من معدل النتح والتبخر. الرياح القوية قد تؤدي لتساقط الأوراق والأزهار وتكسر الأفرع فضلاً عن تأثيرها على تفكك حبيبات التربة.

أرتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تسبب الإحتباس الحراري الذي يضر النباتات والبيئة بوجه عام.

التغيرات المناخية والأمطار وإنتشار الآفات الزراعية والمبيدات

التغيرات في معدلات هطول الأمطار تؤثر على الشبكة الغذائية المعقدة للنباتات والآفات معاً، حيث تقتل الحشرات وتزال أثناء الأمطار الغزيرة ولكنها ما تلبث أن تنعكس على زيادتها لأرتفاع رطوبة التربة.

الآفات الحشرية والمرضية والحشائش الضارة تتأثر بدرجة كبيرة بالتغيرات المناخية. الحشرات من ذوات الدم البارد (لا يمكنها إنتاج الحرارة في أجسامها) مما يعني أن درجة حرارة المحيط بها تلعب دوراً مهماً في نموها وتطورها وسلوكها. إرتفاع درجات الحرارة تزيد من معدلات التمثيل الغذائي وتناول الحشرات لمزيد من الغذاء، وتنشط معظم الآفات الحشرية الضارة عند إرتفاع درجة الحرارة خاصة مع إرتفاع الرطوبة النسبية.

تستطيع الآفات الحشرية التأقلم مع التغيرات المناخية بمعدلات أعلى بكثير من تأقلم النباتات مما يفاقم من أضرار تلك التغيرات على الإنتاج الزراعي.

إرتفاع درجة حرارة الجو بمقدار درجتين مئويتين يمكن أن يسبب مضاعفة عدد دورات تكاثر الحشرات عدة مرات. كما وجد أن أرتفاع درجات الحرارة يؤثر على نسبة الجنس في بعض الحشرات.

يؤدي التغير المناخي لزيادة إحتمالات الأصابة بالآفات الغازية التي تهاجر من مناطق موبؤة إلى أخرى جديدة أو توسع من منطقة الغزو أو تبكر من وصول الآفات المهاجرة إلى مناطق الغزو.

وقد تسبب ظهور آفات جديدة لم تكن موجودة من قبل وتحول عدد من الآفات الثانوية إلى آفات رئيسية. كما قد تؤدي إلى تطور مقاومة الآفات للمبيدات حيث من المحتمل أن تزيد من القدرة الأيضية لإزالة المبيدات من الآفات أو تقلل من حساسية النظم الدفاعية بها.

زيادة هطول الأمطار وإرتفاع مستويات الرطوبة الجوية يزيد من معدلات الإصابة بالأمراض النباتية. وقد وجد أن إرتفاع درجة الحرارة والرطوبة الجوية يزيدان من الأصابة بالحشائش الضارة وتنوعها وإنتشارها.

مبيدات الآفات هي مبيدات أو خليط من مواد بقصد قتل أو صد أو طرد أو تقليل أو الوقاية من حدة الأضرار التي تسببها الآفات.

المبيد القابل للإستخدام (مستحضر المبيد) يتكون من مادة فعالة أو أكثر وعدد من المواد المساعدة المضافة والتي تساعد على توزيع ونشر المادة الفعالة وزيادة كفاءة المستحضر وتحسين صفاته.

ويوجد ما يزيد عن 2500 مادة يمكن إستخدامها كمواد مضافة لتجهيز المبيد تبعاً لطريقة التأثير وكيفية التحضير والتطبيق.

يختلف تأثير الظروف الجوية المحيطة بالمبيد تبعاً للتركيب الكيميائي والخواص الطبيعية مثل نقطة الإنصهار ونقطة الوميض ودرجة الذوبان ودرجة الحموضة والقلوية ومعدل الإنكسار والتوتر السطحي والكثافة واللزوجة والقابلية للبلل وثبات الإستحلاب وقابلية التعلق.

الآثار السلبية لإرتفاع الحرارة علي كفاءة المبيدات

ارتفاع درجات الحرارة يؤدي لهدم وتحلل التركيبة الكيميائية للمواد الفعالة والأضافية والتحول إلى مركبات غير فعالة على الآفات أو تحولها لمواد أكثر سمية وهو ما يدفع المزارع إلى رش المبيدات بمعدلات أكبر من الموصى بها مما يخلق أضرار بيئية وصحية كبيرة.

كما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة لتبخر محلول المبيد حيث تضعف قوة المواد اللاصقة كما تزيد من درجة اللزوجة وزيادة فرصة الفقد الميكانيكي للمبيد.

إنخفاض درجة الحرارة عن الحدود المناسبة يزيد من كثافة محلول الرش وقلة درجة النفاذية داخل النبات والعكس صحيح، وفي كلتا الحالتين يفشل المبيد  ولا يحقق الغرض من إستخدامه وتزداد فرصة الأضرار بالنبات والبيئة. ولذا تستخدم مذيبات ثقيلة بطيئة التبخر في المناطق الحارة لضمان فترة تعامل كافية.

ولا تستخدم مساحيق المبيدات الميكروسكوبية (غلافها جيلاتيني) في المناطق الحارة لذوبان غلاف المساحيق بفعل الحرارة.

ارتفاع سرعة الرياح يسبب إنجراف المبيد وإبتعاده عن المنطقة المراد معاملتها مما يؤدي لفشل المكافحة وتلوث النباتات المجاورة وإرتفاع نسبة متبقيات المبيدات بها وتلوث الهواء والتربة.

لشدة الضوء ومدته ونوعيته تأثيراً كبيراً على تركيب المبيد خاصة الأشعة فوق البنفسجية حيث تحدث تفاعل كيماوي يسبب تكون مشابهات للمركب الأصلي، كما قد تحدث تفاعل البلمرة مما يؤدي لإزالة ذرات الكلور من المركبات الكلورونية وفقد المادة الفعالة.

يؤثر إستخدام المبيدات على عناصر المناخ المختلفة المحيطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يظهر التأثير المباشر من إنطلاق أبخرة المبيد في الهواء ومع الغازات الدفينة الأخرى تزداد ظاهرة الإحتباس الحراري وإرتفاع حرارة الكرة الأرضية.

المبيدات ومكافحة الآفات في مواجهة التغيرات المناخية

يستخدم في بعض طرق مكافحة الآفات الطائرة أجهزة رش عن طريق الضباب أو الدخان أو بغاز دافع (تجزيء المبيد السائل إلى قطرات صغيرة جداً تسبح في الجو لفترة طويلة نسبياً وذلك بواسطة الطاقة الحرارية أو بدفع تيار قوي من الهواء أو بواسطة غاز دافع تحت ضغط عالي) تسبب تلك الطريقة في التطبيق تصاعد غازات الإحتراق وثاني أكسيد الكربون والمبيدات في الهواء مما يؤثر على درجات الحرارة ونسبة الرطوبة الجوية.

بعض غازات تعقيم التربة تؤثر على أستنزاف طبقة الأوزون وأهمها غاز بروميد الميثايل ويقدر تأثير المبيدات بحوالي 6% من إجمالي المواد المستنفذة لطبقة الأوزون. الأستخدام على نطاق واسع لمبيد كلوروبكرين لتبخير التربة يزيد من إنبعاثات أكسيد النيتروز في التربة لمعدلات تصل إلى سبعة أضعاف مستواه.

كما أن الأستخدام الكثيف وغير الرشيد للمبيدات يؤدى لتدهور التركيبة الحياتية للمزوعات والتربة حيث يقضي على مجتمع الكائنات الحية الدقيقة في التربة وتدهورها وجفافها مما ينعكس على الظروف الجوية (إرتفاع درجات الحرارة وقلة الرطوبة الجوية وزيادة شدة الضوء…).

للحد من تأثير المبيدات على التغيرات المناخية يتعين بذل الجهود الحثيثة لتطبيق التوصيات التالية:

  • تعاون مختلف دول العالم في أطر العمل والأتفاقيات العالمية لمواجهة تحديات التغيرات المناخية مثل أتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ وأتفاق باريس وبروتوكول كيوتو. ويهدف عقد مؤتمر قمة المناخ cop 27 في مصر لتعزيز الإستجابة العالمية لأخطار تغير المناخ.
  • رفع الوعي العام لدى جميع أفراد المجتمع بأهمية وضع التغيرات المناخية كمحور حياتي أساسي يجب معرفة أبعاده، وترسيخ مفاهيم التعامل الرشيد مع تلك التغيرات من خلال الممارسات والأنشطة الإنسانية المتوافقة معها بإعتباره تحدي وجودي.
  • تفعيل أنظمة الإنذار المبكر والتنبوء بحدوث الآفات وإدارة العمليات الزراعية وفق تقنيات الإدارة المتكاملة للمحصول مع المراجعة المستمرة لتقييم فعالية المبيدات والآثار الجانبية لها.
  • إعتماد أساليب الزراعة الحيوية المرنة والمتجددة يؤدي لإنبعاث كميات أقل من غازات الإحتباس الحراري ويعزز من قدرة التربة على عزل الكربون وإعادة تدوير المغذيات (أكثر من 30% من التربة في جميع أنحاء العالم تتدهور بسبب الإدارة غير السليمة للأساليب الزراعية القائمة).
  • اختيار الأصناف النباتية المقاومة للآفات والمتوافقة مع التغيرات المناخية لكل منطقة والتي تتحمل الإجهاد البيئي ووضع خريطة تصنيفية للمحاصيل تبعاً لتلك التغيرات.
  • إستخدام التقنيات الحديثة لإختيار وضبط مواعيد الزراعة المناسبة لكل محصول.
  • الحد من تأثير موجات إرتفاع الحرارة السائدة من خلال تقريب فترات ري المحاصيل والرش ببعض المركبات الكيميائية والتي تعمل على إنعكاس الحرارة وخفض معدل النتح مثل سليكات الألومنيوم والبوتاسيوم.
  • إستخدام شباك التظليل لتغطية الصوب لحماية النباتات من لفحة الشمس وخفض درجة الحرارة المرتفعة.
  • التغطية برقائق البلاستيك (الملش) أو قش الأرز لخفض حرارة التربة لتدفئة المحاصيل وقت الشتاء البارد.
  • استخدام المبيدات في التوقيتات والظروف المناخية المناسبة ووفقاً للتوصيات العلمية كإستخدام المبيد في الصباح الباكر أو قبل الغروب وعدم إستخدام المبيد وقت هطول الأمطار أو هبوب الرياح وعند إرتفاع الرطوبة الجوية عن الحدود المناسبة.
  • الحد من إستخدام أيروسولات المبيدات الغازية أو الضبابية أو الدخانية ومبيدات التبخير الفراغي.
  • عدم إستخدام الآت رش المبيدات الكبيرة أو الرش بالطائرات قدر الإمكان والتوجه نحو إستخدام الآت الرش الموجهه.
  • عدم رش الزيوت المعدنية الصيفية المستخدمة لمكافحة الآفات في الجو الحار.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى