الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د عاطف كامل: لماذا يُعد فقدان التنوع البيولوجي أمرا خطيرا؟

         خبير في الحياة البرية والتنوع البيولوجي

يلعب التنوع البيولوجى دورا أساسيا فى كل مناحى الحياة إذ يوفر للبشرية الموارد الأساسية ووظائف وخدمات الأنظمة البيئية. ويسهم فى التخفيف من حدة الفقر أو القضاء عليه، لاسيما وأن أكثر من 70 % من الأشخاص الذين يعيشون فى فقر يعتمدون – جزئياً على الأقل – على الموارد الطبيعية لكسب معيشتهم، سواء من خلال الزراعة أو صيد الأسماك أو الغابات أو الأنشطة الأخرى القائمة على الطبيعة.

كما يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يعادل 44 تريليون دولار أمريكي تقريباً بشكل كبير أو متوسط على الطبيعة. وأيضا يسهم فى الحفاظ على الاستقرار البيئي حيث إن جميع الكائنات الحية تؤدي دورها الطبيعي في البيئة، وتسير العمليات الحيوية وغيرها بطريقة سليمة وطبيعية.

ويعزز الصناعة حيث تدخل النباتات والحيوانات ، والأوراق، والعطور، والزيوت، والأخشاب، في الصناعات الغذائية والملابس وغيرها.

وتعد كثير من الأعشاب والنباتات مصدرًا لبعض الأدوية التي تعتمد على الكائنات الحية الدقيقة في معظم مركباتها مثل المضادات الحيوية.

كما يُسهم فى تنوع المحاصيل الزراعية والنباتات، كما يسهم في الحصول على موارد هامة للزراعة كالسماد الطبيعي. وأيضا يدعم الاقتصاد لما له من تأثير إيجابي على النشاطات الزراعية والصناعية، فضلا عن السياحة نظرا لوجود تنوع نباتي يُوفر الحدائق الطبيعية، وتنوع حيواني يسهم في وجود حدائق الحيوان والمحميات الطبيعية.

كذلك يخفف من تأثير الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والعواصف والانهيارات الثلجية والأرضية والجفاف. وأخيرا وليس أخرا يحمي من انتشار المرض فكلما كان التنوع البيولوجي المحلي مرتفعاً، كلما قلت معدلات الإصابة بالأمراض الحيوانية.

 الأخطار التي تهدد التنوع البيولوجي

1- تغير المناخ:

أثرت التغيرات المناخية الكبيرة التى شهدتها الكرة الأرضية بشكل كبير على التنوع البيولوجي، إذ تتعرض أنواع كاملة من الكائنات الحية، خاصًة تلك التي تتسم بالندرة، والمتواجدة في المحميات الطبيعية للانقراض نتيجة لتلك التغيرات، فضلا عن تغييرات فى توزيع الأنواع وتغيرات فى توقيت التكاثر وفى طول فصل النمو مما يؤثر بشكل كبير على الحياة البيولوجية ويتسبب فى فقدان الموائل وتجزئتها، وتتعرض معها الكثير من المحاصيل الزراعية لانخفاض الإنتاجية، وتتأثر الحيوانات المدرة للألبان، وينخفض إنتاج اللحوم في حيوانات التسمين، ويهلك جزء كبير من الثروة السمكية.

ولم يُتح التغير المناخى السريع والمتلاحق الناتج عن الأنشطة البشرية الوقت الكافي للأنظمة البيئية والأنواع للتّكيُّف، فارتفاع درجات الحرارة وتغير خريطة هطول الأمطار وتحمض المحيطات وارتفاع مستوى سطح البحر  تسبب بالفعل في اضمحلال التنوع البيولوجي،

فعلى سبيل المثال، الشعاب المرجانية والتي تُعرف بـ “غابات البحر المطيرة”، باتت تموت نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات وتحّمضها. وهنا نشير إلى وجود روابط متبادلة بين التنوع البيولوجي وتغير المناخ ففي حين أن التنوع البيولوجي مُهدد جراء تغير المناخ، إلا أنه يمكن أن يُخفض من تأثيرات تغير المناخ حيث يمكن تحقيق 30 % من أهدافنا للتخفيف من آثار تغير المناخ من خلال الحلول القائمة على الطبيعة، مثل الحفاظ على النظم البيئية المحلية واسترجاعها، و حماية خدمات النظام البيئى وتعزيزه، وإدارة موائل الأنواع المهددة، وإنشاء ملاجئ ومناطق حماية، وإنشاء شبكات المناطق المحمية على اليابسة وفي مسطحات المياه العذبة وفي البحار، ومراعاة التغيرات المتوقعة في المناخ.

2- إزالة الغابات وفقدان الموائل الطبيعية:

تُعد سببًا مباشرًا لانقراض الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي، حيث يُفقد ما يُقدَّر بـ 18 مليون فدان من الغابات سنويا بسبب قطع الأشجار وغيرها من الممارسات البشرية مما يؤدي إلى تدمير النظم البيئية وفقدان الموائل الطبيعية التي تعتمد عليها العديد من الأنواع. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 50% من الأنواع الموجودة في العالم، تعيش في الغابات الاستوائية المطيرة، والتي تمتاز بأعلى تنوع بيولوجي على الأرض، ولكن خلال الأربعين عامًا الماضية، تمت إزالة حوالي 20 % من غابات الأمازون لأغراض الزراعة وتربية الماشية وغيرها، ويقدّر العلماء أن حوالي 20% من الأشجار، سيتم قطعها خلال العشرين عامًا القادمة.

3- الاستغلال المفرط:

ساهم الصيد الجائر والإفراط في الحصاد إلى حد كبير في فقدان التنوع البيولوجي، مما تسبب في قتل العديد من الأنواع خلال السنوات الماضية. ويؤكد الصندوق العالمي للحياة البرية على أن الاستغلال المفرط هو ثاني أكبر خطرٍ يهدد الكثير من الأنواع بعد فقدان العوائل، وإذا استمر الصيد الجائر بمعدله الحالي، فسوف ينفد العالم من المأكولات البحرية بحلول عام 2048.

4- التلوث بأنواعة:

يُعد من أكثر الأسباب المؤدية إلى تدهور التنوع البيولوجي، حيث يؤدى تلوث الهواء والماء والتربة إلى فقدان العديد من الكائنات الحيّة مثل الطيور من خلال استنشاق الغازات أو الجسيمات الصغيرة الضارة، والنباتات من خلال مياه الري الملوثة بالكيماويات، والأسماك من خلال إلقاء النفط والمخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحي في المجاري المائية.

المشاكل المترتبة على فقدان وتدهور التنوع البيولوجى

يهدد تدهور التنوع البيولوجي الإسهامات الحيوية التي تقدمها الطبيعة للبشرية، ويمس الاقتصادات وسبل العيش والأمن الغذائي والتنوع الثقافي وجودة الحياة، ومن ثم يُمثل تهديداً كبيراً للسلم والأمن العالميين. ولذلك يتسبب فقدان التنوع البيولوجي فى المشكلات التالية:

  • مشكلة مناخية: لأن تدمير وإتلاف النظم البيئية والموائل أو المواطن يُسرع من ظاهرة الاحتباس الحرارى.
  • مشكلة صحية: لأن الطبيعة تعمل على تحسين جودة الهواء والماء والتربة، وتقليل التعرض للملوثات وتبريد المدن التى نعيش بها، كما أن فقدان التنوع البيولوجي يزيد أعداد الحيوانات الحاملة للأمراض في المجموعات المحلية.
  • مشكلة اقتصاديةلأن رأس المال الطبيعي يوفر موارد أساسية للصناعة والتجارة، كما أن فقدان التنوع البيولوجي يُجبَر الإنسان على القيام بوظائف الطبيعة، مثل التّلقيح والري واستصلاح التربة والمهام الأخرى التي لم تعد الطبيعة قادرة على القيام بها، وهذا يتطلب تكلفة اقتصادية كبيرة.
  • مشكلة أمن غذائي: لأن الملقحات والتربة والكائنات البحرية تلعب دورا حيويا فى نظامنا الغذائي.
  • مشكلة أمنية: لأن فقدان الموارد الطبيعية يمكن أن يؤدى إلى صراعات.
  • مشكلة أخلاقية: لأن فقدان التنوع البيولوجي يضر أشد الناس فقرا، مما يجعل جوانب عدم المساواة أسوأ مما هو عليه.
  • مشكلة مشتركة بين الأجيال لأننا نسلب الأجيال القادمة الأساس المطلوب لحياة كاملة المتطلبات.

 الخسائر المترتبة على فقدان التنوع البيولوجي فى أرقام

  • خسائر تدهور التنوع البيولوجى فى أوروبا وحدها تخفض قيمة إجمالى الناتج القومى العالمى بما يقارب نسبته 3% سنويا، بحسب وكالة البيئة الأوروبية .
  • يهدد خطر الانقراض أكثر من 26 ألف نوع من الثدييات وبنسبة13% من الطيور وقرابة نصف البرمائيات ، وفقا لبيانات الاتحاد الدولى لصون الطبيعة.
  • انخفضت أعداد الحيوانات الفقارية بما يزيد عن النصف خلال الـ40 عاما الماضية.
  • انخفضت أعداد الأنواع الحيوانية والنباتية البرية خلال العقد الماضى بنسبة 42%.
  • تغيرت ثلاثة أرباع البيئة البرية ونحو 66% من البيئة البحرية بشكل كبير بسبب الأنشطة البشرية.
  • تأوي الغابات ما يزيد على 80% من أنواع الحيوانات والنباتات والحشرات الأرضية، فى حين أن مساحة الغابات في العالم الآن تغطي نحو 68% فقط من المساحة التي كانت مغطاة في حقبة ما قبل الصناعة.
  • أكثر من نحو 150 مليون طن من مخلفات البلاستيك متراكمة في محيطات العالم، حيث يتسرب سنويا إلى المحيطات نحو 13 مليون من مخلفات البلاستيك مما يتسبب في قتل 100 ألف من الكائنات البحرية سنوياً.

الاتفاقيات التي تنظم التنوع البيولوجي وطرق الحفاظ علية

نظرا لأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجى والتصدى للتهديدات غير المسبوقة، عقدت الكثير من دول العالم والمنظمات الدولية العديد من الإتفاقيات التى تستهدف الحفاظ على التنوع البيولوجى ومنها :

  • الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان لعام 1946 والمعدلة عام 1956.
  • الاتفاقية الإفريقية لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية الموقعة عام 1968.
  • اتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة الموقعة عام 1979.
  • الاتفاقية الإقليمية لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن الموقعة عام 1982.
  • اتفاقية التنوع البيولوجي الموقعة عام 1992على هامش قمة الأرض بريو دي جاينيرو بالبرازيل.

وبموجب اتفاقية التنوع البيولوجي، تم إقرار “الخطة الاستراتيجية للتنوع البيولوجي 2011-2020 “، وأهداف “أيشي للتنوع البيولوجى”. كما تم وضع “إطار عالمى للتنوع البيولوجى لما بعد عام 2020” والذى تمت صياغة أهدافه فى الاجتماع الخامس عشر لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية التنوع البيولوجى الذى عقد فى 17 مايو 2021 بالصين.

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى