حوارات و مقالات

د عبدالسلام منشاوي يكتب : ميعاد زراعة القمح بمصر بين أمثال الأجداد والتغيرات المناخية الحادثة

د عبد السلام منشاوي رئيس بحوث متفرغ – أستاذ قمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية- مصر

كان الأجداد قديما يعتمدون في الزراعة على الأمثال الشعبية المرتبطة بالعمليات الزراعية المختلفة لكل المحاصيل، وكانت تلك الأمثال دقيقة جداً ومرتبطة بالواقع وبنجاح العمليات الزراعية إلى حد كبير جداً. فكان لكل محصول أمثاله الخاصة به، وحيث أن القمح من المحاصيل الهامة في مصر منذ قديم الأذل، فقد حظي بنصيب وافر من تلك الأمثال وخصوصاً ميعاد زراعة القمح.

فنلاحظ أن هناك أمثال خاصة بالنهي عن الزراعة المبكرة، وأمثال تحث على الزراعة في الميعاد المناسب وأمثال للنهي والتحذير من الزراعة المتأخرة، وفي ظل ظروف التغيرات المناخية الحادثة، وكثرة الحديث عنها وتداعياتها على الزراعة بصفة عامة ومواعيد زراعة القمح بصفة خاصة وسؤال بعض الناس عن ميعاد زراعة القمح هذا العام ؟. أردت في هذا المنشور توضيح  العلاقة بين أمثال الأجداد والتغيرات المناخية والربط بينهما، وهل مازالت تلك الأمثال تتناغم مع مواعيد الزراعة الحالية في ظل التغيرات المناخية الحادثة أم لا؟

والواقع أن تجارب مواعيد الزراعة هي أفضل طريقة لدراسة تأثير التغيرات المناخية على مواعيد الزراعة، والتأكيد على أن هناك تغير في مواعيد الزراعة أم أن مواعيد الزراعة القديمة مازالت مناسبة حتى الآن.

إقرأ أيضا | د عبدالسلام منشاوي: كيف تزيد أرباحك من زراعة القمح؟ «تفاصيل»

ويقوم قسم بحوث القمح بإجراء تلك التجارب بشكل مستمر في كل عام وفي مواعيد زراعة مختلفة تمثل  الزراعة في الميعاد الأمثل والزراعة المبكرة  والمتأخرة، ويكون كل العوامل الزراعية ثابتة ما عدا ميعاد الزراعة هو المتغير الوحيد والعامل تحت الدراسة. ويتم تنفيذ تلك التجارب في مناطق مختلفة تمثل الظروف الجوية لمعظم مناطق الجمهورية وتكرر كل موسم. وفي النهاية يتم تحليل تلك التجارب ويتم عرض نتائجها ومناقشتها، ومن خلال تلك النتائج يتم التوصية بميعاد الزراعة المناسب والأمثل لكل منطقة.

الأمثال الشعبية المرتبطة بزراعة القمح

وهناك ثلاث أمثال شعبية لمواعيد زراعة القمح كان يتداولها أجدادنا وهي:-

  1. المثل الشعبي الأول وهو “غلة بابه هبابه” ، وهو يحذر من الزراعة المبكرة، ومعناه أن زراعة القمح بمصر في شهر بابه هباب، فلا تزرع القمح في شهر  بابه. وشهر بابه من شهور التقويم القبطي، ويوافق بالتقويم الميلادي من يوم 12 اكتوبر حتى  يوم  9 نوفمبر وبالتالي يمنع  ويحذر من زراعة القمح قبل يوم 10 نوفمبر وهو اليوم الأول من شهر هاتور.
  2. المثل الثاني وهو “هاتور أبو الذهب المنثور  “وفي هذا المثل يؤكد أن شهر زراعة القمح بمصر هو شهر هاتور ويحث على الزراعة في الميعاد المناسب. وهاتور هو شهر من شهور التقويم القبطي أيضاً ويوافق بالتقويم الميلادي من 10 نوفمبر إلى 9 ديسمبر، وهذا هو الميعاد المناسب لزراعة القمح.  فيجب على المزارع أن لا يخرج عن هذه الفترة بأي حال من الأحوال.  وأما الميعاد الأمثل والأفضل فهو أن نأخذ وسط هذه الفترة (أي من 20 إلى  30  نوفمبر (وهذا هو الأمثل،  فالأولى للمزارع أن يتمسك بالميعاد الأمثل وليس الأنسب.
  3. المثل الشعبي الثالث هو “إن فاتك هاتور استنى لما السنه تدور” وهو يفيد بعدم زراعة القمح بعد شهر هاتور أي بعد يوم 10 ديسمبر، فينبغي على المزارع أن لا يزرع القمح بعد يوم  10من شهر ديسمبر وإلا سوف يخسر ويكون هناك نقص في الإنتاجية المحصولية.

ونتائج تجارب مواعيد زراعة القمح التي ينفذها قسم بحوث القمح، وفي ظل التغيرات المناخية الحادثة تؤكد نفس الكلام السابق. وأن أفضل ميعاد لزراعة القمح بمصر هو من 20 إلى 30  نوفمبر، حيث يؤدى إلى الحصول على أعلى إنتاج، وذلك  لتوافق احتياجات الصنف مع الظروف البيئية. وزراعة القمح خارج الميعاد المناسب أي قبل يوم 10  نوفمبر تسرع من تطور مراحل نمو النبات وتقلل التفريع والأوراق والمجموع الخضري، وتؤدي إلى نقص المحصول في النهاية وكذلك الزراعة المتأخرة لها أضرارها.

نتائج تجارب مواعيد زراعة القمح المبكرة

كما تفيد نتائج تجارب مواعيد زراعة القمح أن الزراعة المبكرة لا تؤدي إلى الحصاد المبكر، وتسبب نقص في محصول الحبوب والتبن وتزيد التكاليف بسبب إطالة موسم النمو، فليس من الحكمة أن تخسر دون تحقيق أي مكاسب.

وعلينا أن نعلم أن توافق ميعاد الزراعة والصنف أمر بالغ الأهمية لتحسين إنتاجية المحصول، وهو ليس له تكلفة مقارنةً بالمعاملات الزراعية الأخرى. والزراعة المبكرة لا تؤدي إلى حصاد مبكر، ولكن تزرع مبكر شهر تحصد مبكر أسبوع وتخسر  40-30   % من الإنتاجية. و مهما كانت زراعتك مبكرة لا يمكن حصاد ودراس القمح إلا في ظروف الحرارة المناسبة للدراس، وهذه لا يمكن توفراها قبل شهر أبريل. فليس لديك مبرر أطلاقاً أن تخسر دون  أن تحقق أي مكاسب.

ويعتبر ميعاد الزراعة من العمليات الزراعية المحددة لإنتاجية القمح، حيث يتأثر محصول القمح كثيراً بالظروف الجوية.  وكما هو معلوم أن محصول القمح يمر في خلال فترة حياته بمراحل نمو مختلفة، تتباين هذه المراحل في احتياجاتها الحرارية والضوئية تبايناً كبيراً.  وأفضل ميعاد للزراعة هو الميعاد الذي يؤدى إلى الحصول على أعلى محصول، كما أن أفضل صنف مناسب  لميعاد زراعة معين هو الصنف الذي تتوافق مراحل نموه مع ظروف موسم النمو المتاحة.

ميعاد الزراعة المناسب للقمح في مصر

وحتى الآن وفي ظل التغيرات المناخية الحادثة يظل ميعاد الزراعة المناسب للقمح في مصر هو الموصي به من قبل وزارة الزراعة والمتطابق مع أمثال الأجداد وهو الميعاد الأقل تأثراً وتضرراً لظروف التغيرات المناخية. و وتوصية وزارة الزراعة الممثلة بقسم بحوث القمح هي:-

  1.  الوجه البحري خلال الفترة من 30-15 نوفمبر.
  2.  الوجه القبلي خلال الفترة من  25-10 نوفمبر.
  3. الأراضي الجدية وتوشكى النصف الأول من نوفمبر.
  4.  وممكن أن يمتد ميعاد الزراعة حتى 10 ديسمبر دون حدوث نقص في المحصول أو ربما يحدث نقص طفيف.

كما أن الزراعة المبكرة  تؤدي إلى تقصير فترة النمو الخضري للمحصول والتي هي مرحلة الإعداد وبنا المستودع التخزيني وتحديد السعة التخزينية للنبات، نتيجة لقلة التفريع الذي يترتب علية نقص عدد السنابل في وحدة المساحة، وصغر حجم السنبلة وبالتالي يقل عدد الحبوب بالسنبلة. كما يعمل التبكير في الزراعة على الطرد المبكر للسنابل حيث الظروف الجوية غير مناسبة لعملية التلقيح  والإخصاب وعلية يزيد عدد الأزهار العقيمة  ويقل عدد الحبوب في السنبلة.

خلاصة الكلام لك أخي المزارع، خذ القرار الصحيح وازرع قمحك في الميعاد الأمثل أو على الأقل لا تخرج عن الميعاد المناسب في أي حال من الأحوال ولا يتم الزراعة قبل يوم 10 نوفمبر ولا بعد 10 ديسمبر.

أسأل الله أن يجعله عام خير وبركة على مصر وكل مزارعي مصر.

وتحياتي للجميع

لقراءة كافة المقالات التي يكتبها الدكتور عبد السلام منشاوي رئيس بحوث متفرغ – أستاذ قمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية- مصر اضغط علي الرابط من هنـــــا

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى