الأخبار

د حسام الإمام يكتب : أنا والزمن الجميل

لمحة أخرى من الماضى أو قل من الزمن الجميل الذى صار بعيداً أكثر مما يتصور أحد ، حملها إلينا زميل حبيب نجح فى لم شمل مجموعة من الزملاء والأصدقاء الذين فرقتهم الأيام بعد أن كانوا لا يفترقون .

مجموعة من الصغار جمعهم كشك الموسيقى الصغير فى المدرسة الإعدادية ، وبفضل أستاذهم المحب لتخصصه بشكل رهيب ذهبوا خلفه إلى ما كان يعرف باسم “نادى الموهوبين والطلائع” الذى كان مقره نادى طنطا الرياضى .

تعلموا على يديه العزف على مختلف الآلات الموسيقية وكون منهم فريقاً يؤدى المقطوعات الموسيقية بمنتهى الدقة والمهارة رغم صغر سنهم . كنا نراهم فى المدرسة أثناء الحفلات المدرسية فنغبطهم ونتمنى لو كنا معهم .

لم يسعدنى الحظ أن ألتحق بهذا الفريق فى المرحلة الإعدادية حيث كانت كل اهتماماتى رياضية وليست موسيقية . لكن فى المرحلة الثانوية جذبتنى الموسيقى وتعلمت العزف على آلة الكلارنيت وعندما تمكنت منها فوجئت بأستاذ الموسيقى النحاسية يخبرنى برغبته فى إلحاقى بمجموعة الموسيقى النحاسية التى تشارك فى نادى الموهوبين والطلائع .

لم تكن فرحتى فى تلك اللحظة عادية ، والسبب أن فريق الموسيقى النحاسية كانت له طبيعة جافة وحادة إلى حد كبير ، لكن المشاركة مع الآلات الوترية برقتها وبهذا الشكل الاوركسترالى الذى أنشأه أستاذ الموسيقى فى مدرستنا الإعدادية واستمر يديره فترة طويلة كان له مذاق آخر وقيمة أخرى .

كانت مجموعة رائعة انضممت إليها فى الصف الأول الثانوى ووجدتنى أجوب مع هذا الفريق فى كل مكان سواء بداخل مدينة طنطا أو خارجها ، كانت كل الجهات والمؤسسات تلهث خلف هذا الفريق ليحيى حفلاتها ، بشكل مجانى طبعاً .

كانت لنا حفلات فى الجامعة الأمريكية وفى معسكرات الشباب حيث التقينا بالرئيس السابق حسنى مبارك فى بداية عهده عام 1985 ولك أن تتخيل سعادة تلك المجموعة من الصبية الذين لم يتجاوزوا عامهم السادس عشر وهم يصافحون رئيس الجمهورية .

زرنا العديد من المحافظات من خلال المعسكرات الصيفية التى كانت لا تخلو بالطبع من الحفلات اليومية . ولا ابالغ إن قلت أن انضمامى إلى تلك المجموعة كان سبباً فى اختيارى بعد ذلك لأشارك فى مجموعة من شباب العازفين لنمثل مصر فى دولة النمسا ، فكانت سبباً فى أول سفر للخارج فى حياتى.

ودارت الأيام وافترق الجميع ، ذهب كلٌ يبحث عن نفسه ومستقبله ، وضاع الأمل فى لقاء آخر إلا ما دبرته لنا الصدفة من لحظات عابرة نادرة . لكن جاء أحد الزملاء ودارت الفكرة فى عقله النشط ونجح فى لم شملنا مرة أخرى من خلال أحد الجروبات ، والتقينا منذ أيام ، ولم يكن اللقاء عادياً ، حيث كانت المفاجأة أن يتم تنظيم اللقاء فى منزل أستاذ الموسيقى صاحب الفضل فى ذلك التجمع ، الأستاذ إبراهيم الدسوقى.

وذهبت وقلبى ينبض نبضاً ، ترى كيف أصبح شكل الزملاء ، ليس غريباً أن يطلب أحدهم منى مطالعة صورة قديمة حتى يستطيع أن يتذكرنى !

من هذا ؟ ومن تلك ؟ لقد افترقنا ونحن فى السابعة عشر لنلتقى وقد تجاوزنا الخمسين .

أتذكر أحدهم وأنا أقول له “ها هل تتذكرنى؟” فيقول ” طبعاً بالتأكيد أنت …” ثم يذكر لى اسم زميل آخر فأضحك واقول له اسمى لأجده ينظر لى مندهشاً غير مصدق ما حدث لى من تغيير ، فأجده وقد انتبه لنفسه بعد برهة وقد أدرك أن شيئاً ما لابد وأن يكون قد اصاب شكله هو الآخر .

نعم نحن ننظر إلى أنفسنا فى المرآة كل يوم فنتعود على ما صرنا إليه ، ولا ندرك ما اصابنا من عوامل الزمن إلا عندما نلتقى بزميل قديم لم نره منذ فترة .

وعلى قدر صعوبة تلك اللحظة وما قد تحدثه فى النفس من بعض الألم لشعورنا بمرور الزمن ، لكن حديث الزملاء بنفس الأسلوب وعلى نفس وتيرة الزمن الماضى تعيد إليك الأمل فلا ترى أمامك إلا هؤلاء الصبية الصغار فى المدرسة الإعدادية أو الثانوية يجرون لاهثين لحظة سماع “جرس الفسحة” إلى غرفة الموسيقى ليتناولوا آلاتهم الموسيقية ، وينطلقوا فى عالمهم الخاص لا يمنعهم شئ عن التعبير عن أنفسهم .

التفت حولى فرأيت زميلة سألتها عن اسمها ، وعندما أجابت وتعرفت عليها قلت لها مبتسماً : ألا تتذكرين شيئاً ضاع منك منذ حوالى 35 عاماً ، ابتسمت بالطبع وقالت لا .

فذكرتها بكتاب كنت قد استعرته منها ، وكانت فى صباها تسير لا يفارقها الكتاب أبداً ، ياليت بنات اليوم يعلمون ، وأخبرتها أنه ما زال عندى وحاولت العثور عليه ذلك اليوم لأعيده إليها لكننى لم أجده ، وكان الاعتذار الوحيد أن أهديها نسخة من مجموعتى القصصية الأخيرة ، كما أهديت نسخة لأستاذنا ونحن نودعه .

ولن أنسى نظرة السعادة فى عينيه وهو يحمل الكتاب وينظر ناحيتى ثم يجول ببصره إلى باقى الزملاء ويقول : أنتم لا تتصورون مدى سعادتى بتجمعكم حولى اليوم بعد مرور كل هذا العمر ونحن نقول له حضرتك الذى لا يمكن أن تتصور مدى سعادتنا اليوم والزمن يعود بنا إلى أجمل ايام قضيناها فى حياتنا.

أستاذنا الحبيب متعك الله بالصحة والعافية والعمر الطويل لنتجمع حولك كل عام كما كنا نتجمع حولك ونحن ما زلنا صبية صغار.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى